وحشة الأرض ...

عقيلة آل حريز *

تخاصمت الأرض والسماء في أمره ، كل منهما تشتكي تريده أن يسكنها ..

قالت الأرض ..

هو لي ، خُلق ليقيم بي ويعدل بعض أوضاعي المضطربة .. جاءني يهذب اعوجاج أركاني المستطيلة في سجن قيد فطرة الناس الذين يسكنوني، وبرحيله عني تسكن روحي رعشة وتنتقل بداخلي وحشة لا شيء سيملؤها

 انتفضت السماء منزعجة ورددت ..

 الوعد لي بخلود روحه عندي، ففيها يحلق المقربون وبين طبقاتها ينتقلون ، هو نور يتعلق بعرش ربي ويسكن النور في ملكوت السماوات ، تطوف به الملائكة وتستأنس به ، وقد قضى مدته فيك وحق لي أن أبقيه عندي قريباً من نور ربي ...

 وفي الأرض بعيداً عن هذا الصراع المستمر 

 تتأرجح الساعات فتندثر عباءة النهار بقسوة تسكن ضلوع الأرض فيجف رحيقها ويختفي صوت أغنيتها في أنين تبتلعه الريح الساخطة ...

تختلط الأشياء وتتناثر خفية من لحظة انفصال تحملها أحلام تغذيها الورود وتبعث رذاذا خفيفاً تغذيها به كانت الصلوات لا تزال قائمة ، والناس في غفلة عن حقيقة ما يحدث ..

البعض يصلي قائما والبعض من جلوس وآخرون يصلون وهم نيام لم ينتبهوا بعد ...!

 كان هو يتأوه فتسكن الأوجاع صدره وتزداد وحشة الأرض بلحظة انفصاله عنها ... و بقرب اتكاء الجرح كانت الأرض تودعه مع رحيل الشمس بحزن منتفخ مثل شهيق الجروح  ... وعلى مفرق الوقت كانت صحراء الأرض تودعه بملامح جهد أحنت ظهره وقوسته ، حين سقاها بعرقه فنمت واستظلت وطالت حتى غدت واحة خضراء وجنة يلتف الناس حولها ويسكنوا ...

 هي تشهد أنه سار هنا عليها عابراً فعدل بعض الاعوجاج الكائن قبل أن يرحل ، بدًّل وغير منتعلاً الشقاء ومن وتره خط ملامح رسالة تشيعها قناديل تختصر مسافات تمحو سنوات الجهل .. أقدامه الصلبة تضرب عمق العناد ..

 تعرف الأرض أنه غير وعبَّر وبلغ ، وأنه خط بحياته مسارها فرست سفينتها مطمئنة بعد أن كاد التيه يغرقها ولا بد من رحيله عنها رغم وحشتها ...

تحسرت الأرض برحيله وودعته باكية حيث كان ينظر بعين الرضا مطمئنا لأمرها ، أوكل لهم بعض المهام لو صدقوه فيها لنجوا ...

 أوصى بعدة وصايا قبل رحيله الأخير ورجا أن لا يخلفوه فيها حتى لا يضلوا ... فعل ذلك حين حسمت الأرض والسماء أمرهما  ..

ارتحل أخيراً ، ففتحت السماء أبوابها تستقبله مبتهجة رغم اتساع وحشة الأرض برحيله عنها .... 


 

كاتبة وقاصة (سعودية )