رجل الدين و حاشيته الموقرة

حسين أحمد بزبوز *

      تستبد بنا الفئوية و العنصرية، و تخلق نزاعاتنا منا شللية تستعصي على الاختراق. هكذا قد يبدوا المشهد الكلاسيكي حول رجل الدين في أغلب الأحيان.

       و كثيرا ما أفكر في التداخل مع الأطياف المتنوعة من حولي في نسيجنا الاجتماعي، بالدخول لرجال الدين في مجالسهم الخاصة. لكن يبدوا ذلك اقتحاما غير مرغوب فيه من قبل البعض، وقد يعرض الإنسان حينها للاتهام. فالبعض قد لا يعتبر هذا انفتاحا، بل قد يعتبر المرء حينها جاسوسا و عنصرا دخيلا، لأنه لا ينتمي بحسب التصنيف المتعمد لنفس الفريق. لكن لكي يكون المرء مرحبا به يجب أن يخضع 'للفرمتة' و لشروط خاصة.

       في الحقيقة إن مما يؤسف له حقا، هي تلك الإقصائية التي يتميز بها بعض رجال الدين أو كثير منهم. إنهم يجمعون حولهم شللية يتم فرزها و اصطفاؤها عبر مقاييس خاصة.

       فلكي تكون من الشلة التي تحيط بالشيخ فلان أو علتان، يجب عليك ما يلي: أن تقلد نفس مرجع التقليد، و أن تتبنى نفس الآراء و التوجهات، و أن تبتعد عن توثيق العلاقة برجال دين يصنفهم شيخك على أنهم مغضوب عليهم من قبل قداسته المتسلقة عنان السماء، و أن لا تكون لك أفكار و آراء خارجة على مدرسته و على قانون القطيع.

       لكن هذا النمط و إن كان يتسيد الساحة، إلا أنه مخترق. فهناك من رجال الدين في ساحتنا الدينية من يرحبون بالتنوع و التعايش، فلا يصنفون الناس. بل يستقطبون جميع الكفاءات، بل جميع الناس ... فقراء كانوا أو أغنياء، مثقفين كانوا أم عوام، ملتزمين أو غير ملتزمين ... بل حتى لو كانوا ليبراليين أو علمانيين أو لا دينيين، و مهما كانت التسميات و التوجهات و التقسيمات.

       و هنا نقف عند مسألة انفتاح بعض رجال الدين و انغلاق آخرين، لنقول: إن مسألة انفتاح رجل الدين ليست مسألة شخصية يجب أن تحصر في خصوصيات الشيخ و ذاته المقدسة، بل هي مسألة وعي يخص الجميع. و كما ورد في الحديث الشريف فإن أعقل الناس من جمع عقول الناس إلى عقله، وليست عقول الناس هنا هي المشابهة لعقلك طبعا. لكن للأسف فالبعض يصنعون حولهم حاشية مصطفاة مختارة بعناية، و أي اختراق من قبل أفراد من خارج الخط يعتبر جاسوسية و خطرا يهدد الفريق، و تدخلا ذو أغراض خبيثة. ألستم تسمعون عن بعض المشايخ و رجال الدين الذين يتجهمون و يصرخون في وجوه الناس خصوصا المخالفين؟؟؟. فأولئك بالطبع هم من هذا الفريق. و هذه الآلية التي يتبعونها من الصراخ و التجهم هي التي تفرز تلك الحاشية من المقدسين.

       لقد صنع انفتاح حزب الله في لبنان من هذا الحزب ترسانة لا تضاهى من الوعي و القدرات. كما صنع انفتاح بعض رجال الدين في بلادنا الحبيبة من أولئك العلماء قوة تتميز بالفاعلية و التأثير و الاستقطاب و القدرة على تشخيص الظروف الموضوعية و التحرك بوعي و نضج لا يضاهى، لأن العبقرية تتجمع في بؤرة من جمع كافة أطياف الناس خصوصا العقلاء حوله.

       إن حالة العزلة التي يصنعها بعض رجال الدين حول أنفسهم هي جزء من عملية التحجر التي تستشري في المجتمع، بل العزلة هي التحجر عينه، فهي لا تفرز إلا التقديس الأعمى و كفى. و لو أن علماء الدين أولئك غيروا هذه المعادلة حولهم، فقاموا باستقطاب مختلف التيارات و الفئات الاجتماعية حولهم دون فرز و لا تصنيف، لتغيرت عقول متحجرة كثيرة لا تفرز عادة إلا الأفكار الظلامية، و لا تقود إلا إلى حياة الجحور المظلمة و الكهوف المليئة بالتخلف و الرجعية و الجمود.