ارحموني.. يرحمكم الله

الأستاذ حسن آل حمادة *

عندما نظرت إليه من بعيد قرأت في حركاته علامات الانكسار، فقد كانت آثار الحزن واضحة على وجهه، وبعد أن اقتربت منه قليلاً رأيت الدموع تنهمر بغزارة من عينيه، وحينما أمعنت النظر رأيت بعضاً من آثار الكدمات جرّاء الضربات التي انهالت على وجهه، وعندما بادرت بسؤاله عما جرى له، أخبرني بأنه تلقى العديد من الإهانات؛ فأحدهم رفسه برجله، وآخر لطمه على وجهه، وثالث مزق ثيابه ورابع داس على صدره، وبعد انصرافهم بقي مطروحاً على الأرض منتظراً من يأخذ بيده ويعينه في محنته هذه.

بعد كل ما سمعت منه، قلت في نفسي، عجباً، لماذا يفعلون بك ذلك؟
هل أسأت إليهم من قبل؟
هل نهبت حقوقهم؟
هل صادرت أمولهم؟
هل... لم أكمل أسئلتي، حتى قاطعني قائلاً: وهل ترى فيَّ القدرة على فعل كل ما ذكرت وما تريد أن تذكر؟ قلت له: كلا؛ وإنما أثرت هذه الأسئلة لمعرفة السبب فقط، إذ لا أتصور بأن إنساناً يعتدي على آخر بغير ما سبب وجيه!

قال لي: نعم، من حقك أن تسأل عمّا بدا لك؛ إلاّ أنني كما ذكرت لك سابقاً، لم أُسئ إليهم أبداً، بل فعلت العكس تماماً!..

قلت له: عجيب أمرك؟! هل تريد أن تقول إنهم أُناس عدوانيون، همهم الاعتداء على الآخرين بغير سبب؟ هل تريد أن تقول إنهم ذوو أرواح شريرة همها فعل الشرور؟ هل تريد أن تقول لي أنهم لا يفقهون؛ وإنما يتصرفون كالسباع الضارية بغير شعور يذكر؟ هل تريد أن تقول أنهم فعلوا ما فعلوا ولم يستشعروا بالخطأ الذي ارتكبوه، كأنهم في غمرتهم ساهون؟

قال لي: ربما يصح فيهم بعض ما ذكر، إلاّ أنني الآن أريد من يدافع عن حقي، أريد من يتكلم نيابة عني، أريد من يهتف بأعلى صوته داعياً لكف الظلم الذي ألقاه. قلت له: حسناً سأكتب عن معاناتك في الجرائد والمجلات، سأتحدث عنك في الندوات والمحاضرات، سأنقل انطباعك وشعورك الحزين للجميع، خاصةً للطلاب والمثقفين في مدارسهم وجامعاتهم؛ لأنني أعتقد بأن عليهم المعوَّل في مساعدتك، سأصرخ فيهم جميعاً وبكل ما أوتيت من قدرة وطاقة: أيها الناس، ألا يوجد فيكم أحد يتقي الله، ويرحم هذا المخلوق الضعيف الذي لا حول له ولا قوة؟ ألا يوجد فيكم من يعينه في بلواه؟ أما فيكم من يمسح على رأس هذا اليتيم -فمن مسح على رأس يتيمٍ فإن له بكل شعرة تمر عليها يده أجراً عظيماً-؟ أما فيكم من رجل يمتلك بعضاً من الشعور ليأخذ هذا المسكين من على الأرض ويضعه في مكانه بين مجموعة الكتب الأخرى التي وضعت من أجل خدمة الطلبة والقرّاء والباحثين؟

.. هكذا تصورت حديث الكتاب -الذي وجدته مطروحاً على الأرض في مكتبة المدرسة- لو كانت له القدرة على الكلام.

كاتب ومؤلف ( القطيف )