الواعون ... (بين التكيف و الاندماج / أو المواجهة)
من حيث المبدأ من الجيد أن تعالج الخرافات و الترهات بـ (صدمة الوعي)، لكن متى و أين يتأتى للمعني بالتوعية أن ينجز هذا الاختراق؟؟!!!، وهل صدمة الوعي من الممكنات فعلا؟؟!!!.
البعض يطرح المواجهة و التحدي و المجابهة كخيار وحيد سليم للحل، فالتدرج و التريث و المراهنة على بناء تدريجي للوعي، إنما هو في منظور البعض رهان لا يثمر إلا نتيجة واحدة هي ضياع الجهد و الوقت و استمرار السبات الجمعي دون تقدم يذكر.
و لو تأمل البعض ردات الفعل الناجمة عن المواجهة و الصراحة التامة الصادمة للوعي، و ما ينتج عنها غالبا من تسخين الصراعات بين تيارات الفعل الاجتماعي، لأدركوا و لو جزئيا أن (صدمة الوعي) غير المدروسة خصوصا في مجتمعاتنا المتخلفة يصعب أن تنأى بنفسها عن نتائج مزلزلة أو مدمرة أو أقلا مربكة للسلم و الأمن الاجتماعي الذي هو من أسمى و أغلى الغايات.
تصور أنك استطعت أن تصدم الوعي في لحظة الصفر بين الدنيا و الآخرة عند من قاد و نفذ عملية الحادي عشر من سبتمبر، أو عند تكفيري يوشك أن ينتهي من نحر أحد من اعتقدهم من الأشقياء الكفرة، أو عند سياف يقيم القصاص في أحد ممن اعتقده مخالفا له في الدين و المذهب أو مرتكبا لمعصية أو بدعة تستوجب القتل، تصور أن تنكشف الحقيقة لهم في تلك اللحظة أن هؤلاء جميعا أبرياء؟؟؟!!!.
إن مسألة الوعي في الحقيقة ليست مسألة من السهولة بمثل أن نبلع الماء، بل لها في كثير من الأحيان تداعيات و ارتباطات نفسية و ذهنية و واقعية مزلزلة و خطيرة. فالإنسان كتلة من المشاعر و الأوهام و العلاقات الاجتماعية. لذا فمن الطبيعي أن تكون هناك ألف عقبة و عقبة في سبيل الوعي و كشف غطاء البيئة المورَّث قبل أن يستيقظ الإنسان.
ربما يبقى لصدمة الوعي أثرها و دورها الضروري الذي لا بد أن يقوم به البعض و فق رؤية رشيدة مقننة و مدروسة، لكن الاسترسال مع العواطف في إحداث الصدمات لن يكون أبدا بمنأى عن زلزلة كيان المجتمع و صدع سلم الأبرياء.
إننا في مناهجنا الدراسية نعلم الناس ضرورة و أهمية التكيف في حفظ بقاء الكائنات، و معلوم أن الحياة في تدرجها الطبيعي عبر مئات و آلاف و ملايين السنين قد خلقت أشكالا شتى من تكيف الكائنات دفع المخلوقات لمزيد من البقاء و الاستمرار، لكن الغريب أن الإنسان وهو أقدر الكائنات على التطور و التكيف مع مختلف البيئات، قد استطاع مثقفوه و هم الأجدر بالاحترام أن يكونوا من أوائل الخارجين على هذا الدستور و هذا النظام.
إن للمواجهة أثرها و ضرورتها بلا شك في بعض الأحيان، لكن للمواجهة أيضا خطرها و ضررها الذي يدفع لتركها في أحيان أخرى كثيرة.
لقد تنبه الإسلام ذلك الدين الرباني السمح العظيم، لهذا الخطر الجسيم الذي قد يخلقه الفرد أو تخلقه بعض الجماعات جراء المواجهة اللامعقولة و اللاموزونة في بعض المجتمعات. لذا أرشدتنا تعاليم الدين الرشيدة لمبدأ (التقية) حين تقتضي الضرورات، و حين يكون العنف في غير الحرب أي داخل نفس المجتمع هو لغة الأطراف المخالفة و المخاصمة.
إن الكاريزما الرشيدة التي يمكن أن يخلقها التكيف و الاندماج الواعي يمكن أن يكون لها من الأثر الكبير في المجتمع على مسار الوعي و النضج الحضاري للأمة، أكثر بكثير مما يمكن أن يكون لصدمات الوعي تلك الغير مدروسة التي قد تخلق الزوابع و تثير التوترات و التمزقات في صفوف الأمة و المجتمع دون عائد يذكر. هذا علاوة على أن نهج المواجهة إن لم ينتهي لخلق الصراعات فإنه قد ينتهي عندها للتطنيش و التهميش. لذا عمد بعض أصحاب الأئمة بإيعاز منهم لهذا النهج، أي نهج التكيف و الاندماج في صفوف بعض الأعداء.
لقد استطاعت كاريزما الإمام الخميني (قدس سره) أن تنجح أهداف فولتير المتسللة إلى روح الخميني العظيم (قدست روحه الطاهرة)، فأسقطت بجلالها و جمالها هيبة ووهج الانتظار السلبي.
و إن المرتقب و المنتظر من الواعين و الغيارى و المصلحين، أن يركبوا في نهج مؤمن آل فرعون الذي كان يكتم إيمانه، غير غافلين عن ضرورة المواجهة عندما تقتضي الظروف ذلك، كما فعل أصحاب الكهف رضوان الله عليهم. بل قد تكون المواجهة خطة مسار لا بد أن يسير جنبا إلى جنب مع بقية مسارات حراك الأمة من أجل التحرر و الوعي و الانتصار.
و إن المطلوب بالتالي من إخواننا الواعين من المخالفين ليس الانقلاب على مجتمعاتهم و مناهجهم و إشعال فتيل الصراع الداخلي بينهم و بين مجتمعاتهم أو مدارسهم، بل المطلوب أن يكون لهم ذلك التأثير و الدور الإيجابي الكبير داخل مجتمعاتهم أو مذاهبهم الذي يسهم في حلحلة الصراع بيننا و بينهم و تفكيكه و لو تدريجيا من الداخل عبر الممارسة القيادية الرشيدة، من أجل النهوض بالأمة الإسلامية من سباتها العظيم و رأب تصدعاتها.
هنا ربما لا تكون في هذه الرسالة ومضات جديدة بالنسبة للبعض. لكن بالضرورة فإن على البعض الذين أخرجوا أنفسهم طوعا من دائرة التأثير الاجتماعي، أو أولئك الذين اعتمدوا أساليب العنف و الإرهاب الفكري و الاستفزاز النفسي غير المبررة، أن يتوقفوا هنا و أن يعيدوا النظر فيما أقدموا عليه ... و الله من وراء القصد.