صلاة فوق الغيوم

أعلن المؤذن دخول وقت الصلاة .. وبسبب كونه على عجلة من أمره ,بادر بالاستعداد لملاقاة ربه فأسرع لأداء فرض الفجر.. وقد كان عقله منفصلا تماما عما يقوم به جسده..
جسديا .. فرش سجادته مستقبلا القبلة وتوجه للوضوء والطهارة بادئا باسم الله تعالى .

فكريا .. حمل حقيبته متوجها إلى المطار بعد شهر قضاه بعيدا عن أسرته وبلده لقضاء مهمة رسمية أوكلت إليه من قبل الشركة التي كان يعمل لديها.
جسديا.. وقف رافعا يديه .. فبعد الأذان والإقامة كبر معلنا دخوله ( يفترض أن تكون ) رحلة روحية بين يدي الله ..

فكريا .. دخل صالة المطار مسرعا لينهي إجراءات السفر من تحميل الحقائب وانتهاء بتأشيرة المغادرة وتوجه إلى الممشى الكهربائي للمطار والمؤدي إلى داخل طائرته ليجلس على كرسي ترشده إليه مضيفة رسمت ابتسامة متكلفة على وجهها ، فمن الأعمال الموكلة إليها أثناء تأدية فروض وظيفتها الابتسام الدائم في وجه المسافرين .
سترخى وتنفس بعمق فها قد بدأت رحلة العودة التي كان يتوق إليها كثيرا ..

جسديا.. انتهى من قراءة فاتحة الكتاب وسورة قصيرة لم يع ما هي . هوى إلى الركوع ثم رفع رأسه بحركة لا إرادية تبرمج جسده وعقله على القيام بها  منذ الصغر ليهوي ساجدا ..
فكريا .. سمع المضيفة المنادية بصوت رخيم تعلن عن انطلاق الطائرة وارتفاعها عن مدرج المطار ملفتة انتباه المسافرين إلى الخطوات التي يجب إتباعها في حال وقوع حادث - لا سمح الله .

جسديا.. ارتفع ليقف مكبرا بعد انتهاءه من السجدة الثانية ليبدأ في الركعة الثانية كما الأولى .

فكريا .. بعد مرور بضع ساعات من التحليق فوق الغيوم سمع نفس الصوت الرخيم منبها لربط حزام الأمان فقد بدأت الطائرة بالهبوط , وما هي إلا دقائق معدودة حتى بانت  علامات الهبوط من ارتجاج الطائرة واصطدامها بأرض المطار فتنطلق تنهيدة قوية من أعماقه ، وهاهو قد رجع إلى دياره سالما .

جسديا.. يهوي راكعا ومن ثم ساجدا ويرفع من السجدة الثانية ليجلس ويتشهد معلنا اعترافه الكامل بالربوبية والإلوهية والوحدانية المطلقة لله سبحانه وتعالى في كلمة اشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ..

فكريا .. يحمل حقائبه ويتوجه إلى خارج المطار ليرمي بنفسه بين أحضان ابنه البكر الذي جاء ليستقبله ويقله إلى بيته فيحتضنه ذلك بدوره فرحا حامد الله على سلامته..
ومن ثم يسلك أقرب طريق للعودة إلى منزله .

 يفتح الباب  اصغر أبناءه صارخا ( بابا جاء يا ماما ) ..

تلبي العائلة متلهفة النداء بكلمة حمدا لله على السلامة .. فأبناؤه وزوجته ووالديه من حوله كل يحتضنه بدوره ومن ثم يجلس ليرتاح وبعد وجبة الغداء الدسمة التي أعدت على شرف رجوعه يأتي دو توزيع الهدايا.

جسديا.. يعلن انتهاء صلاته بالسلام والترحم وقراءة دعاء قصير فقد اعتاد على ذلك وأصبح جزءا من صلاته اليومية..

هذه كيفية تأدية الصلاة من قبل  الكثير من الناس فهناك من يذهب في رحلة , وهناك من تطبخ طبخة لذيذة وقد تحترق في بعض الأحيان , وهناك من تخيط ثوبا تبهر الناس برشاقتها وجمالها حين ترتديه , وهناك من يقف صارخا في وجه رئيسه في العمل الذي طالما أذله وأهانه أمام الموظفين , وهناك من يرسب في الامتحان ...

 للأسف .. إن كثيرا من المصلين يؤدون الصلاة كحركات جسدية لا علاقة لها بالروح والفكر بينما هي رحلة روحية في رحاب الله لا بد أن يكون العقل فيها حاضرا حين تأديتها .. ففي هذه الأوقات القصيرة على المصلي أن ينسى هموم الدنيا وملذاتها ليقف بين يدي الله تائبا مستغفرا ومعاهدا الله على عدم العودة إلى الخطيئة والذنوب ..

وليتذكر الإنسان أن الوقت الذي يقضيه في العبادة ما هو إلا وقت قصير مقتطع من مجموع أربع وعشرين ساعة قد يقضي معظمها في اللهو والتسلية ناسيا حياته الدائمة التي لا مفر منها وهي الدار الآخرة منشغلا بدار زائلة لا محالة .