الإمام الشيرازي داعية الثقافة والتثقيف
لاشك أن شخصية الإنسان تتأثر بالعديد من العوامل، والتي من بينها الثقافة، فالثقافة هي صانعة الإنسان، فهي تؤثر فيه وتؤطره بإطارها، والثقافة هي التي تبين للإنسان رسم الحياة، التي يمكن أن يتجنب فيها الأخطار، إلى أن يصل إلى الحياة السعيدة، والحياة التقدمية.
والثقافة هي التي ترسم للأجيال مسيرتها، وهي التي تحدد طريقة تعامل الأمة مع الأحداث والوقائع، وهي التي تعين مستقبل الأمة.
فالثقافة الإسلامية الأصيلة تجعل الأمة تسير سيراً متميزاً في الحياة فكرياً وعملياً، ونظرياً وسلوكياً(1).
والمراد بالثقافة أعم من تلك التي يتعلمها ( الإنسان) من بيته، أو مدرسته، أو محيطه، أو اكتسبها بفكره وتجربته(2)، فهي( الثقافة) عبارة عن الدين والعلم والأخلاق والرسوم والعادات ونحوها(3).
- إلى نهضة ثقافية إسلامية
لقد اهتم الإمام الشيرازي (قدس سره) بهذه المسألة اهتماماً بليغاً ولذا تجده مؤلفاً بارعاً، محرضاً للتأليف، وداعية لممارسة ألوان التثقيف الإسلامي، وهذا ما نجده جلياً في كتبه القيمة.
وكثيرة هي الأفكار والأطروحات التي كان يدعو لها (قدس سره) وسنذكر لكم بعضاً منها وهي مقتبسة من كتابه القيم ( إلى نهضة ثقافية إسلامية) وقد قام بتأليفه أثناء إقامته بدولة الكويت :
1 ) مكتبة في كل مكان: حيث يلزم إنشاء المكتبات الإسلامية، في كل مكان: المسجد، والحسينية، والمدرسة، والدار، والدكان، والنادي، وحتى المواصلات وغيرها. فإنها زينة، وتوجب نشر الثقافة، وتشجع المؤلفين ووسائل التثقيف.
2 ) الاستفادة من المواسم: سواء كانت مواسم إسلامية كالأعياد والوفيات وأيام الحج وشهر رمضان وأيام عاشوراء وأوقات زيارة الأئمة .
أو مواسم اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو غيرها مما يجتمع فيها الناس لأجل أمر وغاية معينة، والاستفادة منها بـ : نصب اللافتات، نشر المناشير، توزيع الكتب... وغيرها.
3 ) كلمة اليوم: ينبغي لكل صاحب حانوت ومحل أن تكون عنده بعدد أيام السنة كلمات توجيهية باسم (كلمة اليوم) يضع الواحد منها كل يوم وراء الزجاج أو في مكان يمكن قراءته لمن يمر بالمحل.
وكذلك ينبغي أن تكون له (كلمة الأسبوع) و(كلمة الشهر) و(كلمة الموسم).
ولو كانت الأوراق ألواناً، والخطوط أشكالاً، والكلمات مختلفات، قطراً وطولاً ونظماً ونثراً، كانت أجلب للنظر، وأقرب إلى التأثير.
4 ) تعميم الثقافة: يلزم على العاملين في حقول التثقيف الإسلامي تعميم الثقافة الإسلامية بمختلف اللغات، وذلك يكون ضمن تخطيط شامل، مثل أن نحصي اللغات في العالم، ثم نجعل في أمهات بلاد تلك اللغات مراكز للترجمة والنشر ونصدر الكتب والمجلات إلى تلك المراكز لتترجم إلى تلك اللغات وتنشر.
5 ) الثقافة لجميع المستويات : يجب أن تعمم الثقافة الإسلامية لمختلف المستويات، آخذاً من الأطفال، فتصنع لهم الثقافة في الصور والتماثيل الورقية والكرتونية والحلويات وما أشبه، مثل أن تصب صورة الكعبة من الشكولاتة ـ مثلاً ـ إذا كان ذلك مناسباً.
وانتهاءً إلى أعاظم المثقفين والعلماء، ومروراً بطلاب المدارس، والعوام والأميين الذين لا يكتبون ولا يقرؤون.
6 ) نشرات مدرسية : ينبغي أن تعلق في المساجد والحسينيات وأمثالها نشرات مدرسية تكتب فيها مختلف المقالات الإسلامية في أسلوب جذاب، يقرؤها من يرتاد هذه الأماكن. وكذلك في المشاهد المشرفة، على أبواب الصحن والكشوانيات ونحوهما.
7 ) أسبوع التثقيف : ينبغي أن يجعل في كل عام أسبوعاً للتثقيف، يقوم فيه حملة الإسلام بحملة واسعة النطاق في القرى والأرياف والمدن بكل الوسائل والسبل لأجل نشر الإسلام والفضيلة، وتركيز دعائم الإيمان.
فإن مثل هذا العمل خليق بإيجاد جو مفعم بالحركة والنشاط المثمر لأفضل الثمار في حقول العقيدة والعمل.
- الطموح اللامحدود في التثقيف
تمتاز شخصية الإمام الشيرازي (قدس سره ) بميزة التطلع والطموح اللامحدود وتتجلى هذه الصفة في العديد من جوانب حياته، وفي مجال التثقيف يدعو (قدس سره ) إلى ألف مليون كتاب فيقول : أقل تقدير يجب أن يهتم به في عالم نشر الكتب، هو ألف مليون كتاب في مختلف الجوانب الإسلامية، وبمختلف المستويات واللغات، فإن الإسلام قد اختفى تحت ضباب كثيف من الجهل والغموض والإثارات ضده، ولا يمكن إخراجه منه إلا بتعميم العلم به، ومن طرق تعميم العلم به، الكتب المبينة لمختلف جوانبه فإن أعداء الإسلام والجاهلين به، نشروا أضعاف هذا العدد من الكتب لمحاربته والتنقيص منه، وإذا لوحظ ـ بالإضافة إلى ذلك ـ الكتب والمجلات المصادمة للإسلام من غير قصد كان العدد أضعاف ذلك (4).
وفي كتاب آخر يحمل عنوان (ثلاثة مليارات من الكتب)والذي يعبر عن تلك الهمة العالية وذلك التطلع العالي جداً ويعتبر (قدس سره ) هذا العدد ( حيلة العاجز وأقل الإيمان لمن يريد إنقاذ المسلمين من هذا السقوط الذي لا مثيل له في تاريخ الإسلام الطويل، وإلا فالوسائل الحديثة من الآلات السمعية والبصرية والصحف والمجلات والانترنيت والأقمار وما إليها، كلها وسائل العصر للثقافة والإعلام ومن الضروري الاستفادة منها).
- نشر الثقافة الإسلامية في البلاد الأجنبية
كما أنه (قدس سره ) يدعو لنشر الثقافة الإسلامية في بلاد الغرب وذلك لوجود الملايين من المسلمين في تلك البلاد وهم بحاجة إلى الوعي والثقافة الإسلامية الصحيحة، ولذا لابد من :
أ ـ تثقيف ملايين المسلمين المقيمين في البلاد الأجنبية.
ب ـ تأسيس وتكوين محطات الإذاعة والتلفزة، والمجلات والصحف.
ج ـ تأسيس مؤسسات التبليغ الإسلامي في كل دولة أجنبية، وتكون مهمة كل مؤسسة تكوين فروع وممثلين عنها في كافة أنحاء الدولة، ليكونوا على أقل تقدير ألف ممثل وفرع، مهمتهم بيع ونشر وتوزيع الكتب والمجلات. وإلى جانب ذلك يقومون بمهمة الاتصال بشعوب تلك البلاد ومثقفيها وتكوين علاقات معهم مقدمة لهدايتهم وتوجيههم(5).
- من ذاكرة الإمام الشيرازي مع الكتاب
وللإمام الشيرازي تاريخ مشرق في هذا الجانب فهو منظر للتثقيف ومطبق له أيضاً، يقول (قدس سره) متحدثاً عن مشاريعه التثقيفية والتي عانت الويلات من النظام البائد في العراق: ( وقد فتحت شخصياً في كربلاء المقدّسة (150) مكتبة للبيع والمطالعة أغلقتها جميعها حكومة البعث وصادرت كل كتبها، كما أغلقت وصادرت سبعين مكتبة بيع افتتحناها في مختلف البلاد العراقية فرعاً لدار نشر القرآن الحكيم في كربلاء المقدسة التي صودرت كتبها أيضاً.
وقد جدّد حزب البعث سنّة الأوّلين فأخذ جملة من كتبي المخطوطة لعلّها تصل إلى خمسين وجعلها قطعة قطعة، كما ألقى بجملة من كتبي المطبوعة في الشارع أو ما أشبه ذلك.
- كتيب ( من هم الشيعة ) وماذا صنع ؟
ينقل الإمام الشيرازي ( قدس سره ) في كتابه ( الكتاب دعامة الحياة) هذه القصة متحدثاً عن العمق والأثر الكبير الذي يتركه كتيب صغير الحجم فيقول : إنّني ألّفت كتيباً بعنوان «مَن هم الشيعة» وكان ذلك قبل أربعين عاماً تقريباً. وبعثت به إلى الحجّ ليطّلع عليه من غمرتهم الحركات المضلّة بدعاياتها ويعرفوا أنّ ما سمعوه عن الشيعة على لسان أعدائهم لا حقيقة له، لعلّ ذلك يكون سبباً لرجوع الأُخوّة الإسلامية.
وبالفعل، فقد أخبرني أحد الأصدقاء الذين حملوا عدداً من نسخ هذا الكتاب إلى مكّة المكرّمة، فقال: عندما كنت في المدينة المنوّرة احتجت إلى الحمّام، فذهبت إليه، وإثر خروجي منه أعطيت الحمّامي بالإضافة إلى الأُجرة نسخة من هذا الكتاب.
فلمّا قرأ اسم «الشيعة» عليه غضب غضباً شديداً ورمى الكتاب بكلّ انزعاج على الأرض. فخرجت ولم أقل شيئاً.
وبعد أيّام احتجت إلى الحمّام مرّة ثانية، واضطررت إلى الذهاب إلى نفس الحمّام، ودخلت بحالة اختفاء، فرأيت الحمّامي نفسه جالساً عند الصندوق، وحينما أردت الخروج خفية بعد تقديم المال إليه، التفت إليّ ولم يأخذ منّي، فتعجّبت كثيراً وتصوّرت أنّه لم يعرفني وقلت له: هذه أجرة الحمّام فلماذا لا تأخذها؟
قال: بعد أن ذهبت في المرّة السابقة أخذت أطالع الكتاب بكلّ كراهية وحذر، وإذا بي أقرأ أشياء معكوسة عمّا هو شائع عن الشيعة عندنا، فالشيعة إمّا هم المسلمون وحدهم أو هم أحد المذاهب الإسلامية؟ فحقّقت عن الأمر فتبيّن لي إنّ الشائع عندنا كان كذباً وزوراً وبهتاناً، فغيّرت رأيي في الشيعة.
هكذا هو الإمام الشيرازي (قدس سره ) مثقفاً وداعية للتثقيف، ومؤسس لمشروع نهضوي ثقافي شق طريقه في شريان الأمة الإسلامية، وله نظريات سبقت عصرها وها هي اليوم تتحق، عبر العديد من الصور والأشكال.
3 / 10 /1428 هـ