موعد مع الحقيقة !!

يعيش الإنسان في خضم غمرات الحياة بين المد والجذر ويستخلص منها العبر والدروس وهكذا تسير عجلة الحياة ، وتجد أن لكل حقيقة خيال يصوره الإنسان في مخيلته أو في عقله الباطني تعبر عن الحقيقة المادية التي ربما لم يراها من قبل ،  فترتسم صور خيالية تحاكي الصور حقائق ملموسة على الواقع .

فبرما أن إنسان يسمع بشخصية من الشخصيات فترتسم صورة خيالية لها في عقله الباطني بشكل أو بآخر ، وهناك فرق بين السمع بشخصية دون رؤيتها ، وخيال النفس غير الحقيقة ، وهذه بداية القصة  0

منذ بداية شبابي سمعت بشخصية سماحة السيد آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي قدس الله نفسه الزكية ،  التي ارتأت نفسي أنها متميزة عن غيرها بالقول وبالفعل، وبدأت في رسم صورة خيالية لتلك الشخصية ،  عاش خيال هذا السيد الجليل في مخيلتي عبر سنين طويلة ، تأخذ مع كل يوم يمضي حيزاً أكبر وأكبر عن اليوم الذي سبقه 0

ومرت السنوات الطويلة وكلي شوق لأواجهه الاثنين ببعضهما البعض ، في موعد يتلاقى فيه الخيال بالحقيقة ، فانظر لمن تكون الغلبة ؟  ومن هو الأكمل و الأوسع في رسم الحقيقة ذاتها،  وفي بداية السنة كنت مع  ذلك الموعد وأي موعد ؟ موعد مع الحقيقة 0

سافرت لتلك الديار ونزلت قم المقدسة وكلي شوق لهذا الموعد المرتقب الذي ظل يلازمني سنين طوال ، وفي صبيحة ذلك اليوم كانت الخطوة الأولى ، فاصطحبت أبني الصغير محمد والذي كان يردد اسم السيد الجليل دائماً على شفتيه ، ووصلت إلى ذلك البيت المتواضع فأخذت أتأمل،  هل يسكن هذا السيد الجليل بهذا المنزل المتواضع ؟ فطلبت الإذن بالدخول فرحب بي من كان حاضراً ، واصطحبني إلى غرفة صغيرة ثم قال لي : إن السيد الشيرازي  يجلس في هذه الغرفة تفضل بالدخول . 

فكنت في حيرة من أمري ، فقدمت رجلي كي أخطو بها في المواجهة ، وما إن دخلت تلك الغرفة الصغيرة وسلمت على من كان جالساً ،  أخذت بنظري في أرجاء الغرفة حتى أرى تلك الحقيقة أين هي وكيف تجلس ؟ وكانت حقاً مفارقة غريبة!! ،

 فبالكاد تميزها بين حقائق كانت بجانبها ، لم تكن متميزة بمكانها أو ببعدها عن قرنائها ، لكن ما جعلني ألحظها دون غيرها سمة متميزة لمحتها ، وابتسامة هادئة مشرقة غضت وجهها،  حينها انحنيت لأقبل يد الحقيقة  المجاهدة التي طالما سطرت الآلاف الصفحات لرفعة كلمة الإسلام وخدمة مذهب أهل البيت ، نعم قبلت يد الحقيقة التي بوركت في العطاء الزاخر للإسلام وخدمة المستضعفين المتشوقين لمعين المعرفة الإسلامية ، وأنا في خيال واسع لأرسم مقارنة بين الحقيقية والخيال الذي رسمته لها في مخيلتي .

ولما حاولت أن أجلس أبت تلك الحقيقة أن تجلسني بجانبها ، فجلست بجانبها ثم أخذت تسألني عن اسمي وعن بلدتي وعن عملي ودارت الأحاديث معها ................ ،  ثم تقدم ابني الصغير وسلم عليها فسألته عن اسمه فقال : اسمي  محمد ، فتبسمت وقالت :  اسمك مثل اسمي .

أخذت أتردد مع ابني في زيارة هذه الحقيقة ، الحقيقة التي تحمل طوداً من الخلق  والنبل وما أحلاها من أيام ،  وبعد مضي الأيام القلائل انتابني شعور بأن يكون آخر من أزورهم هذه الحقيقة  وذلك قبل موعد السفر بساعة فقط 0

ذهبت لوداع تلك الحقيقة،  وأنا أحمل بين يدي الكاميرا لتبقى الذكرى الخالدة،  فوقفت أنا وأبني أمام تلك الحقيقة العملاقة، وكان أبني يصر على أن أحتفظ بصورة معها لتبقى الذكرى للأبد ، وكان لله قدراً أني لن أراها مرة أخرى ومنحني الفرصة الأولى والأخيرة لرؤيتها.

 أما أبني محمد فكانت الذكرى الخالدة له معها ،  وبعد تلك اللحظات التي لاتنسى قبلت يد الحقيقة  واستأذنت منها بالسفر 0 حينها نظرت نظرة فاحصة في وجه هذه الحقيقة فقالت لي نفسي : أي رؤيا اتسمت في نفسك أبا محمد ؟ أن الخيال أقل من الحقيقة ، والأعجب أن الحقيقة نفسها أكثر بعداً من الحقيقة ذاتها0

هذه نظرة في وجه الحقيقة  هكذا جلس ابني  مع الحقيقة  هكذا كانت تتحدث هذه الحقيقة


 

7 من شوال عام 1422هـ