خلط الأوراق ..
أشياء كثيرة تمر في حياتنا نظنها لحظات عابرة وتنتهي ، لا نكاد نصغي لها ولا نحسن الاستماع لضجيجها كمؤشر ما يستحق الاهتمام منا حيالها، وقد تمر علينا لحظات ندرك فيها أننا أخطأنا بتجاوزنا إياها بلا مبرر وبدون حتى محاولة استعراض ما تكونه الأمور معها ، فنفاجأ بأنها كانت أكبر من تصوراتنا.
لعلها لحظات رغم بساطتها تعد نقطة تحول هامة في حياتنا لو أصغينا لوقعها على متغيراتنا، ولو عُدنا لصياغة الأمور واستطعنا بلورتها لأحسنا فهم ما يجري تماماً ، فالبعض من الناس أحياناً يتمادى في إعطاء نفسه مكانة ما يحتل مساحتها في حياتنا ، ويتعمد خلط الأمور ودمجها في حاوية عقله متوهماً أحقيته في إصدار قرارات تخصنا نحن !، كل هذا لأنا وثقنا بقدراته وسمحنا له مشاركتنا بعض الأحداث واستعنا برأيه في الانتصار عليها.
كثيراً ما تطفو على السطح بعض الخلافات حين لا يدرك أحد الأطراف حدود ومساحة دوره الفعلي الذي يقف فوقه ، فنجده يغير ويبدل ويعدل بعضها ظناً منه بأنها معوجة من وجهة نظره وبحاجة لتصحيح، في حين أنه لا يكتفي بهذا فقط بل يتخذ مواقف سلبية وعلى أساسها يتعامل ناسياً بأنه لا يمتلك الحق في إصدار القرارات أو مصادرة الحريات !.
بعض الناس للأسف ولفرط جهلهم بنوعية العلاقات الإنسانية وحدودها يخلطون ما بين الأوراق ويتعاملون على أساس الحقوق فقط ، متغافلين أمر الواجبات وكأن الآخرين لن يطالبوهم بها ذات يوم .. فينسون حدودهم، طاقاتهم، إمكانياتهم ، ومكانتهم المسموح بها.
نتساءل أحياناً عن هذه التجاوزات التي يقترفونها حين نستعرض مآل الأمور معهم ، من سمح لهم بها ، ومن خولهم بانتهاكها، ومن أعطاهم الحق في تجاوز حدودها ؟ ، ترى .. أكنا نحن من أحسنا استقبالهم في دواخلنا بإشراكهم في مناقشة بعض شئوننا، أكانت مقاييس مبعثرة لم تخضع للتأويل هي من مهدت لهم ذلك، أم هي طبيعة التفكير المنوط به فلكهم ، من سمح بهذا لهم ؟، هل كنا نحن من فعلنا لفرط طيبتنا معهم واهتمامنا بأمرهم كنوافذ نبثها همومنا ونتعلق بضوئها لنتنفس، أم أن ذلك راجع لكينونتهم التي يتطبعون بها في التدخل بشئوننا ؟، للأسف .. بعض الناس لا يحسن تصنيف الأمور جيداً لذا يمزج بين حق إبداء الرأي كمجرد رأي فقط و بين حق إصدار القرار وسلطة إجبار الآخر على تنفيذه وكأنه مخول بذلك ، هؤلاء أحسبهم يتألهون في معابدهم بوهم لا وجود له، ويزلزلون علاقاتهم بالآخرين بفكرة لا تخصهم ، يضيعون سنوات معرفة ومعاني كثيرة جمعت بينهم بموقف أشبه ما يكون بالعداء، فقط .. لأن صاحبه لم يوافقهم فيه ، ويتصورون أن لهم حقوق وهمية في ملفات الآخرين .
أستغرب أن نراعيهم أحياناً في كثير من الأمور ونهتم بعدم جرحنا لمشاعرهم ، بينما لا يقيمون وزنا لكل هذا معنا ولا يقفون عند حدود ظله أو يلتفتون لآثاره بداخلنا . فهم حين يفعلون ينسون أننا وإن كنا نراعي وجودهم بيننا ونستشف رأيهم فيما يخصنا فهذا لكوننا ندين بأخلاقياتنا وننتمي لعلاقاتنا الإنسانية معهم، لكن هذا لا يمنع من أن نجاهرهم بخطئهم وتماديهم في حياتنا وإعلان رفضنا لتدخلاتهم ، فهذا لا يعطيهم الحق المطلق في اقتحام عالمنا ولا تسليط آرائهم في حياتنا التي اخترناها ، تماما كما اختاروا هم حياتهم .
بعض الأمور تحتاج لصياغة واضحة نستشفها من طبيعة التعامل ، بعض الأمور تحتاج لحسم لتنتهي على خير ، وبعض الأمور بحاجة لأن نفهمها نحن لنتمكن من تحديد هويتها للغير فلا يتجاوزوها معنا فيخلطون الأوراق التي لنا ولهم في حاوية تخصنا لتصبح بالنهاية كلها ملكهم !، وهؤلاء أيضاً علينا أن نحدد لهم إطار ما أو مرجع يقفون عليه في علاقتنا بهم ويمكنهم من خلاله أن يعرفوا الفرق بين مجرد إعطاء الرأي كرأي و بين أحقية إصدار القرار !.