منطق 'شَعْرُ المرأة أكثر فتنة من وجهها'

حسين أحمد بزبوز *

      كنت يوم (الجمعة 6/7/2007م) أناقش في حوار عائلي: 'انحراف مفهوم الحجاب الإسلامي عن هدفه الأصيل' ، و شرحت رؤيتي بما معناه: (أن الحجاب الإسلامي كان يهدف لتحصين المرأة ، و يتناول بالاهتمام قضية العفة و يركز عليها ، بينما تحولت قضية العفة لدى المتدينين التقليديين الحاليين الذين احتكروا تفسير الإسلام ، إلى قضية شعار بعيدة كل البعد عن المضامين(1) ، أي أن العبادة أصبحت لديهم حالة قشرية). و ضربت مثالا - ساخرا - فافترضت أن المرأة لو غطت جميع مفاتن جسمها من الأعلى إلى الأسفل بالقماش الأسود الفضفاض ، بينما تركت شعرها فقط أو بعضا منه بارزا للخارج ، فإن المتوقع أن يثير ذلك زوبعة في أوساط المتدينين القشريين ، و ربما يثير ذلك أزمة في العالم الإسلامي قاطبة (أقول ربما!) ، يمكن أن تشغل العالم الإسلامي عن قضاياه الكبرى و المصيرية(2) ، في حين يمكن أن يتغاضى نفس هؤلاء المتدينون عن كشف المرأة وجهها بالكامل ، حتى و إن كان ذلك الوجه (كفلقة قمر) ، مفعما بالمفاتن و الجمال ، لأنه طبعا غير خاضع لقشريات الحلال و الحرام المسطحة التي يخضع لها شعر المرأة. و سقت هذا المثال حينها فقط من باب التندر على بعض العقليات القشرية لا غير ، و لم أكن أحسب حساب وقوع حادثة مشابهة فوق أرض الواقع يوما ما.

        كان هذا ما حدث بالأمس ، لكنني سرعان ما تفاجأت اليوم (السبت 7/7/2007م) و أنا أشاهد نموذجا يتجسد أمامي على أرض الواقع بسرعة لم تكن في الحسبان (بالنسبة لي) ، فبينما كنت أتصفح موضوعا مطروحا في أحد المنتديات السعودية المعروفة ، طرحه أحد المتدينين (كما يبدوا من سياق الحديث) ، و أدرج فيه صاحب الموضوع مجموعة من الصور التي كان من بينها صور لمجموعة من النساء كاشفات الوجوه ، و التي عمد هو لطمسها ، و استدعى الموضوع تعقيبات متنوعة ، كان من بينها تعقيب لأحد المتزمتين قال فيه: 'طيب المفروض تطمس الشعر ... أهم من الوجه ... الله يرحم تفكيرنا' ، و صراحة ضحكت في سري ، و تذكرت حوار الأمس ، وقلت: 'صراحة ، صدقت ، الله يرحم تفكيرنا'.

       هنا أتوقف ، فهل يجدي سوق مزيد من الأمثلة لمن لم يجدي معه سوق المثال السابق ، لنقول له أن كثيرا من المسلمين اليوم أصبحوا واقعا قشريين ، يرفعون القيم و المثل و المضامين الإسلامية شعارا في التظاهرات الشعبية و المناظرات الفضائية ، لكنهم سرعان ما ينسونها عندما ينخرط الواحد منهم في مسائل الفتاوى و التطبيق العملي لهذا الدين العظيم ، فعندها طبعا تظهر القشرية بأبشع الوجوه.

 و أكتفي هنا بالإشارة لما سبق ، و أترك التفاصيل للقاريء اللبيب ، و من لم يكن لبيبا فليستأجر لبيبا ، و ليحسن الاختيار ، لأنه سيدفع في المقابل مبلغا من المال ، فإن لم يرغب ، فليحاول أن يسأل نفسه: 'إذا كان الوجه و هو من أكثر مفاتن الجسم إبهارا (كما هو مفترض) ، يباح له شرعا أن يخرج للنور ، فلماذا تستحق بضع شعرات تسللت خلسة من حجاب امرأة عفيفة عند بعض القشريين ، أن تتحول إلى قضية عفة تضج مضاجع المسلمين جميعا ، فتلهيهم عن مناقشة جميع مآزقهم السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية التي لا حصر لها و لا عد؟'(3) ، و عندها فليحكم القاريء بنفسه على عقله ، و ليعرف متى يقول: (الله يرحم تفكيرنا).

  •  استدراك و خاتمة:

      كان ما سبق النهاية الافتراضية لهذه المقالة ، التي أحببت فيها الاختصار ، رعاية لحاجة القراء في هذا الزمن السريع لوجبات سريعة ، إلا أنني كنت البارحة  (مساء الأربعاء 11/7/2007م) ، في زيارة سريعة لديوانية أحد الأصدقاء ، فطرق سمعي حديث محوره (استغلال بعض المتدينين لزواج المتعة ، و تغريرهم ببعض الفتيات) ، و طبعا لم تكن تلك أول حادثة ، و قد لا تكون أيضا الحادثة الأخيرة من هذا النوع ، في ظل الثقافة الدينية القشرية التي تتسامح (و تترهل ) في جوانب الحزم و الشدة ، و تتشدد و تغلظ في جوانب اللين و التسامح(4) ، و في ظل ثقافة إعلاء بعض المتدين لمستوى الملائكة أحيانا ، أو النزول بهم لمستوى الشياطين أحيانا أخرى(5) ، دون فهم طبيعي عقلاني لطبيعتهم البشرية من منطلقات منطقية بحتة.

       يقول الأخ (م.ع) - في لقاء الديوانية المذكور - ما معناه: 'إننا يجب أن نركز في نقاشنا على القضية المذكورة ، لا على مسميات الأشخاص ، لأن الأشخاص بشر مهما تدينوا ، و إن القضية قضية ضوابط لا غير ، لذا يجب تشديد الضوابط ، و المطالبة بتوثيق زواج المتعة (هذا) ، تفاديا للمغالطات و التلاعبات' - طبعا نقلت لكم الكلام السابق بالمضمون ، لأنني لست آلة ناسخة ، و لست أيضا حتى ممن يستطيع فقط تذكر الغداء الذي تناوله بالأمس - ، و إنني أتفق مع الرأي السابق ، فالقضية فعلا قضية ضوابط ، و يبقى المتدينون وغيرهم بشرا ، و كما يقولون 'المال السايب يعلم السرقة' ، كما أن الضوابط الهشة تعزز الجريمة.

       قلت للأخ (م.ع): 'كلامك هذا رائع جدا ، لكن لماذا لا يقوم الشباب الواعي أمثالك ، بطرح أفكارهم هذه في الساحة؟! لماذا لا تقوم أنت مثلا ، بكتابة كلامك الجميل و المرتب هذا ، و تطرحه في مقال؟!'. طرحت على صاحبي هذا الاقتراح ، لأنني آمنت حقا بضرورة تكثير الخطاب العقلاني المعتدل. و لأنني استبعدت أن يتجه هو للكتابة في الموضوع ، قررت أن أبادر لطرح هذه الفكرة للنقاش في هذا المقال.

       و في مداخلة قال الأخ (ن.ص): 'لقد أخبرني أحد المشايخ - دون أن يصرح بالاسم - ، أنه يرى عدم جواز زواج المتعة في بلد كالمملكة العربية السعودية ، لأن المملكة لا تجيز هذا النوع من الزواج' ، قلت: 'إن واجب المتدينين الواعين يحتم عليهم أن يبادروا هم بطرح هكذا أفكار في الساحة ، لأن رجال الدين الواعين بحاجة لبيئة صالحة لطرح تلك الأفكار ، كما أن لهم حساباتهم الخاصة ، و أتوقع أنهم لن يصرحوا هكذا تصريحات علانية ، ما لم يلمسوا في الساحة الدينية أرضية ممهدة لقبول طرح هكذا أفكار ، لأنهم لن يجازفوا حتما ببذر بذورهم في أرض سبخة ، خشية أن تفسد تلك البذور إذا وضعت في غير محلها الصحيح ، و بالتالي لا يجنون من وراء ذلك في نهاية المطاف إلا الإفلاس و تشويه السمعة و خسارة الدور الاجتماعي'(6).

       و لقد أخبرتني زوجتي عن رأي للسيد فضل الله - حفظه الله - ، يوجب فيه توثيق زواج المتعة ، ولم يتسن لي الوقت للبحث عن مصادر لهذا الرأي ، لكنني أقول لكل فتاة مسلمة أن الواجب عليها أن تعي في هذا الزمن خصوصا ، أن بعض القشريين من بعض المتدينين و بعض رجال الدين ، قد أصابوا بعض أحكام الدين بالقشرية و التفاهة ، جراء إغفال المضامين الإسلامية الحقيقية ، و الاكتفاء بظواهر النصوص الدينية و مدلولاتها الحرفية فقط ، بغض النظر عن الدلالات المنطقية المترتبة عليها ، و على الشواهد التاريخية المقترنة بها ، و نحن نقول لهؤلاء هنا: ما فائدة تلك الشروط المتساهلة لزواج المتعة ، و التي لا تفرض التوثيق في الدوائر الرسمية ، و لا تتناغم مع رعاية الدولة الحديثة لتلك الضوابط و التشريعات الدينية ، و التي تجعل بالتالي زواج المتعة مثله مثل الزنا من حيث الممارسة السرية و الاتجار بأعراض الناس في الخفاء؟!. أما إذا كان هؤلاء المتدينون ينتظرون رواية دينية أو حديث نبوي شريف يخبرهم بضرورة التوثيق في دوائر الأحوال المدنية ، فلتذهب عقولهم إذا إلى غير عالم العقلاء ، لأن الأنبياء و الأئمة خاطبوا أهل زمانهم بلغاتهم اللحظية(7) ، فإذا ألا يكفي هؤلاء أن يعوا أن الدين بمجرد وضعه ضوابط على كافة أنواع الزواج و منها زواج المتعة ، أنه قد أعطى بذلك للمسلمين مؤشرا يقودهم منطقيا باتجاه روح الضوابط التي تحمي العفة و تقصي الزنا ، و ذلك أهم من قشرية التعابير و المصطلحات ، و بالتالي فإن من الضروري لعالم الدين في العالم المعاصر ، الارتقاء (بالفتاوى الدينية)(8) لمستوى معاصرة الزمان و المكان - و تطبيق ذلك في قضية المتعة هنا تحديدا - ، بدل التمترس في خندق المصطلحات و التعابير التاريخية ، فإن قضية الدين هي قضية قيم لها تمظهرات مختلفة عبر التاريخ ، لكن جوهرها في الحقيقة واحد ، و واجب رجل الدين هو الولوج الى المضمون ، لا التسمر عند تمظهرات التاريخ ، فليس الدين أحرف هجاء ، إنه الروح القابعة خلف تلك الأحرف و الكلمات ، وغير هذا قشور لن نبصر بها النور ، و السلام. 

(1) فليربط القاريء العزيز هنا موضوع الحجاب ، بالقضية المثارة في نفس المقال حول الشروط المترهلة لزواج المتعة.
(2) حتى وقت كتابة هذا المقال وقبل المراجعة النهائية لم أكن مطلعا على قضية حجب قناة الأنوار الفضائية لقاءً مع الفنانة التشكيلية حميدة السنان ، و الذي أتمنى أن يتوقف القاريء عنده جيدا.
(3) راجع جدليات حجب اللقاء مع الفنانة حميدة السنان.
(4) أين بعض خطباء المنابر الذين يثيرون زوابع متوالية حول زركشات العباءة و النقاب ، أين هؤلاء من قضية زواج المتعة الميسر؟!!.
(5) ألم يتم إسقاط المرجع الديني الكبير السيد فضل الله ، و الشيخ الجليل حسين الراضي ، بسبب خلافات فكرية تم تضخيمها؟
(6) بعض ما أذكره الآن من حوار ، هو سيناريو إضافي لإشباع الحوار بمزيد من الأفكار الضرورية.
(7) هل ورد في الأحاديث الشريفة مصطلحات : البنوك و الأسهم و العباءة الكتافي و الماكياج ، أو حديث عن النظر الى صور النساء عبر التلفاز أو الصلاة في الطائرة أو في كوكب المريخ ، و إذا ما قيمة الاجتهاد و ما دور المجتهد و الفقيه؟!!
(8) تلك الفتاوى التي يعتبرها البعض آلهة تعبد من دون الله و ضوابط (ثابتة) يحيل إليها العقل ، لا (نتاج بشري) و (متغيرات) يجب أن تحال هي إلى العقل و المنطق ، باعتبارها (قابلة للنقد و المحاسبة).