الهام السعيد: نحن بحاجة إلى وضع الأحداث التاريخية في قوالبها الطبيعية وليس في قوالب عصرنا اليوم لنقرأها بوعي.
أكدت الأستاذة إلهام السعيد (أم عبدالله) على الأسس السليمة التي من خلالها نستطيع قراءة التاريخ قراءة واعية ، وذلك في الأمسية الثانية للموسم الثقافي الثالث التي نظمها منتدى نون الأدبي، وقد تناولت في ذلك عدة محاور منها:
1- ضرورة قراءة التاريخ بدءًا من نقطة وجودنا في هذا الواقع بأن نقرأ تاريخنا المعاصر , ثم نمتد من واقعنا هذا إلى الماضي لنفهم أننا عنصر من هذا الامتداد ,فإذا أردنا أن نقرأ الرواية الحسينية قراءة واعية مثلا، فعلينا أن نقرأ أولاً تاريخ المجالس الحسينية في المنطقة ونحدد أطُرها وفق الظروف المحيطة بها لنميز النصوص التاريخية الصحيحة عن الاشتباهات المحلية التي فرضتها بعض الطقوس الاجتماعية.
2- فهم منهج القرآن الكريم وأسلوبه العلمي الصحيح للتعاطي مع التاريخ والذي يتمثل في دراسة الحوادث الجوهرية المهمة التي تعطي أثراً ونتيجة وامتداداً دون التركيز على جزئياتها العامة المبعثرة كما في قصة نبي الله موسى مثلا حيث لم يتطرق القرآن الكريم إلى تفاصيل حياة موسى "ع" في قصر فرعون مكتفيا بذكر الخبر وهو المفصل المهم في القصة , هذا المفصل وغيره في تاريخ الأنبياء هو ما يحرك الإنسان نحو كماله ويدفعه إلى الأمام على عكس ما تفعله التفاصيل الصغيرة التي لا تخدم هذه الغاية.
3-توضيح مفهوم (السنن التاريخية) الذي طرحه الشهيد مرتضى المطهري وخلاصته : أن الأحداث التاريخية تتكرر فيما لو توفرت لها نفس الظروف ونفس المحيط . فكربلاء حدثت حين بلغ الظلم والجور أوجه وأصبح المجتمع بحاجة إلى إراقة دم طاهر ,وأكدت (السعيد ) أن هناك شبيهات لكربلاء تكررت , وتمثلَ ذلك في استشهاد السيد محمد باقر الصدر وأخته بنت الهدى في وقت بلغ الظلم حداً كان لا بد أن تراق هذه الدماء الزكية لينتبه الناس .
ومن هنا جاءت أهمية دراسة التاريخ , فانطلاقاً من مبدأ السنن التاريخية فإننا لسنا بحاجة إلى تكرار إخفاقات الآخرين , بل علينا أن نأخذ نتيجة تجاربهم الفاشلة , وقد طرحت (السعيد) اختيار الحالة الإسلامية في لبنان بعد مجموعة من الحروب الأهلية والمواجهات مع العدو الصهيوني , وقالت : لسنا مضطرين لخوض مثل هذه الحروب لنصل إلى نتيجة أهمية الوحدة وضرورة التمسك بالحالة الإسلامية فالنتيجة واضحة في لبنان .
وختمت السعيد بالإشارة إلى نقطة مهمة من أجل قراءة التاريخ قراءة واعية وهي وضع الأحداث التاريخية في قوالبها الطبيعية وليس في قوالب عصرنا اليوم , وقراءة الحدث بتجرد بعيداً عن تأطيره بما يتناسب مع أمزجتنا , خصوصاً في الروايات التي تتعلق بالمعصومين لأننا حين نضع تلك الأحداث في قوالبنا فقد نقبل ببعضها ونحجم عن البعض الآخر , نعم ربما لا نرفضه لاعتقادنا بأهل البيت ولكننا لا نقبله .. أما إذا وضعنا الروايات والأحداث في حجم المعصوم ووفق الظروف المحيطة به فسيتسنى لنا الوعي الواقعي بالحدث التاريخي .
بعد ذلك تحدثت الأستاذة عقيلة الشعلة ( أم حسن ) حول أهمية وجود خطيب واع ٍ يستطيع نقل الحدث التاريخي بمسؤولية , وركزت على أن مسؤولية الخطيب الحسيني هي تحويل المصيبة من لحظة تلاوة تاريخ وإحياء ذكرى إلى مرحلة صناعة فكر وبلورة مفاهيم . لتتحول الدمعة على الحسين من حالة حزن صرف إلى حالة حب للحسين .
وقد دار حديث الشعلة حول كيفية القراءة الواعية لتاريخ الروايات الحسينية والتي تتمثل في أن نستلهم تلك الشخصيات المتميزة التي التحقت بركب الحسين لنجعلها قدوة لنا لنلتحق بركب الحجة بن الحسن المهدي (عج) فالواحدة منا تكون مثل زينب و زوجة حبيب وأم وهب وتدفع ولدها وزوجها وأخاها نحو التضحية مع الإمام المهدي (عج) .
هذا وقد ختم الملتقى بمداخلات الأخوات وأسئلتهن التي انصب معظمها على الروايات التي يختلف فيها كحضور ليلى أم الأكبر في كربلاء أو عدمه , ووجود أم البنين في حادثة كربلاء وزفاف القاسم بن الحسن وغيرها , وقد رشحت الضيفات بعض الكتب المهمة للرجوع إليها في توثيق تلك الروايات موضحات بأن هذا جزء من مسؤولية الخطيب .
كما تم اقتراح تأسيس (مدرسة حسينية) في كل مناطق المحافظة والتي اعتمد بعضها هذا المشروع لتنشئة جيل جديد متفاعل مع القضية الحسينية تفاعلا واعيا .
ودار الحوار في خاتمته حول إمكانية تأسيس مشروع بحث وتحقيق في الروايات الحسينية بهدف تخليص مجالسنا ومنابرنا من كل ماعلق بها من خرافات وأساطير لنصل إلى قراءة واعية وواقعية ومثمرة للحدث التاريخي (الحسيني خاصة) لنخرج منه بالدروس والعبر التي تدفع مسيرتنا التكاملية إلى الأمام.