آل حريز : خفافيش الليل
خفافيش تعشق العتمة
نتعلق بالأمل ونحن نخطو للأمام ، تملؤنا لحظات النجاح بالإصرار كلما تقدمنا أكثر ، وتفتح لنا إرادتنا مسالك أضواء تنير عتمة الكهوف المظلمة فتشع بصماتنا الواضحة بين الزوايا القاتمة لترسم خطوات واثبة تتنفس الحقيقة في ضوء الشمس ..
في حين أن البعض يعيش في ظلام الليل كخفافيش مستترة تقتات الجبن والخديعة ، تستغل انزواء النور للحظات لتدخل بين زحام الأوراق القديمة وتحدث الفوضى .. متعتها التلصص على حديث الناس وسماع ثرثراتهم ، وإن كانت هذه الثرثرة إجمالاً لا تعنيها ولا تدخل في نطاق اهتماماتها !!
تعشق هذا فعلاً ، فعالمها ينقصه الكثير ليتنفس بعض الأجزاء من حياة نابضة صارت تفتقدها عند الآخرين . ولو استطاعت الوصول لمنابع أفكارهم لاعتبرت نفسها الأكثر دهاء وذكاء حين يحصل لها الأمر .. هذا ما تتوق له فعلاً !!
لكنه لن يتحصل لها للأسف .. هي تضيع وقتها في العبث بهياكل أحلام واهية وتدرك تماما أنها لن تتحقق لها ذات يوم .
لهذا تسع أن تحيط لحظات السكينة بالقلق ، تزرع الوسواس في حدائق النفس المستقرة ، تتوق لنشر العتمة في النفوس ، تظن أنها إن أفلحت بهذا فقد أحسنت صنعا !!
تتحايل على الحقيقة بالوهم ، وتلف أحبال كذباتها بهزل دائم .. هي لا تعرف ماذا تختار لنفسها حين تمتد عقارب الساعة أمامها بفراغ مترامِ، غير أن تتمكن من تكدير صفاء الآخرين وخدش مقدمات بنيانهم بأدوات رخيصة .
لكنها في حقيقة الأمر تتوهم .. وتقتات من هذا الوهم لتتنفس ، فروحها لا تعرف غير التلصص والغدر وتتبع آثار الناس وإقلاق راحتهم ...
نحن نبصر حقائق هؤلاء جيدا ، وندرك مرامي أفعالهم القذرة فلا نلتفت لهم طويلاً ونظل نبتسم لسخف نواياهم وضحالة تفكيرهم ، تحملنا خطواتنا لنستمر قدماً نتركهم خلفنا يتراجعون ، يتقازمون في خزي طويل ..
نتعلق بخيارات كثيرة صرنا نلمسها كحقائق فلا نستحسن الانتظار حين نتأكد أنها كانت خيارات جيدة لنا ..
نستمر في مواصلة خطواتنا بثبات أكثر .. نرتفع ، نتخفف من أثقالنا حين ندرك الحقائق جيداً، نحلق في السماء، نصافح غيمها الأبيض في نقاء تعكسه قناعاتنا ، ونكمل المشوار الجميل في حين أنها تنحدر بثقلها للأسفل فتلتصق بطين الأرض الموحل ، وتصطبغ لزوجته بروحها الداكنة .. فلا تفرز غير النفور ولا تجد غير الإعراض عنها .
أعتذر إلى كل الأصدقاء والزملاء الذين تواصلوا معي عبر بريدي الإلكتروني فلم يجدوا مني تجاوبا معهم قبل عدة أيام ، فقد استوطنته بعض الخفافيش الليلية و ملأته بالطين الموحل ، متوهمة أنها بذلك أفلحت في تشويه معالم الأشياء ، وأنها تمكنت إغلاق منافذ الضوء ، لتنشر العتمة في الدرب !! .