سماحة المرجع المُدرّسي (دام ظله) يدعو الى فتح سبل التلاقي والتلاقح بين الحوزات والجامعات واصلاح العملية التعليمة على اسس علمية حديثة
اكد سماحة المرجع الديني اية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي (دام ظله) على ضرورة فتح سبل التلاقي والتلاقح في العلاقة بين الجامعات والحوزات الدينية في البلاد، موضحا بهذا الخصوص ان هنالك صراعا خفيا كان في اوروبا بين الدين والعلم ثم انتقل وبدأ يظهر في بلداننا مشيرا الى ان الطرفان (الحوزات والجامعات) مسؤولان عن هذا الصراع حيث يعتبر طالب الجامعة ان طالب الحوزة شخص جاهل والعكس بالعكس.
واضاف سماحته لدى استقباله بمكتبه في مدينة كربلاء المقدسة رئيس جامعة بابل الدكتور نبيل هاشم الاعرجي انه يجب ان تلغى هذه الفجوة بين الطرفين لان عدم معالجتها والغائها تسبب مشاكل عديدة ، مبيّنا ان أساس العمل الصحيح في هذا المجال هو جمع بين الاصالة والانفتاح بحيث لا نركز على الاصالة فقط ولاندعو ونعلم الانفتاح لوحده ، فمن المفيد هنا مثلا ان نرى أكاديميين يَدرسون في الحوزات العلمية الدينية ليكون هناك جمع بين الاصالة والانفتاح او بالعكس نرى حوزويين يصبحون اكاديميين، وبالتالي سنفتح للمجتمع الفرص في هذا الاتجاه الحضاري المتوازن، والبحث عن الأسس والمضمون وليس المظاهر فقط.
وشدد سماحته على ضرورة العمل الجدي والمخلص لبلورة رؤية حقيقية ومنتجة لعمل ومهمة ودور الجامعات في البلاد على كافة الاصعدة لتكون هذه الجامعات جامعات وطنية تخدم هذا الوطن وتتفاعل مع قضاياه وطموحاته و لتصبح هذه الجامعات منسجمة مع شعبنا ومع قيمه الاساسية، قيم الحضارة والبناء والتضحية والعطاء فلا يتخرج احد من الجامعات وهو متعلق ومنبهر بالغرب ومنفصل ومتعال على الشرق، متصل ومتعلق بالأجنبي ومتعال على الوطن وعلى قيمه ومفاهيمه.
واشار الى ان تقييمه بالنسبة للتطور الغربي هو ايجابي وليس سلبياً ، موضحا أن الغربيين لم يصلوا الى هذا التطور إلاّ بعد أن بُنيت دوائر المعارف والجامعات في بريطانيا وفرنسا وغيرهما وهي التي غيرت المعادلة هناك والمنطق العام والثقافة العامة حيث بدأت ونهضت الحضارة في الغرب.
واضاف سماحته ان هذه الحضارة هي كما ارى وكما يعتقد الكثيرون من المفكرين المسلمين والغربيين ايضا انها من تجليات الحضارة الاسلامية، بل ارى انها وبشكل اكثر دقة من تجليات الرسالة الالهية المحمدية والتي تجلت في الغرب بصورة وفي بلاد ثانية بصورة اخرى.
واوضح ان ذلك لايعني اننا يجب ان نستجدي او نقلد ونستنسخ منهم الحضارة وهي في اساسها من حضارتنا وتأرخنا و كتابنا، ولابد ان تكون عملية الاستفادة منها او حتى تقليدها مع روح الاستقلال والابداع وليس التبعية، بل يجب في المقام الاول ان نكون نحن بناة حضارة وليس فقط رعاة الحضارة.. ومن اجل ذلك يجب ان تقوم تغيييرات جذرية في وضع الجامعات والرؤية لمهمتها ودورها .
- وبيّن سماحة المرجع المدرسي (دام ظله) في حديثه الى رئيس جامعة بابل عددا من هذه التغييرات المطلوبة ومنها:
أولاً: ان بناء النظام التعليمي في البلاد بدءاً من المدارس الابتدائية وانتهاءً بالجامعات قائم على اساس الحفظ والتلقي وهو من اكبر الاخطاء، و انه يجب ان يكون البناء على اساس التفكير والبحث والمناقش والابداع وليس التلقين والحفظ.
موضحا ان طريقة تصميم وتعبئة المعلومات في ذهن الطالب وكأنه كمبيوتر شيء خاطيء ولافائدة مرجوة منه.
وضرب سماحته مثلا بطلبة العلوم الدينية وحالة المناقشة التي تستخدم في تلقيهم العلم منذ اوائل الدراسة ومن ثم حقهم في المباحثة والنقاش مع الاستاذ وهو على منبره بما يسمح ان يتحول الطالب الى استاذ لاحقا،وهذا الشيء ايضا هو الذي جعل طلاب العلوم الدينية ينتجون العلم..
واضاف سماحته ان المشكلة الاساسية تبدأ من المرحلة الابتدائية حيث يأتي المعلم وكأنه سلطان على رأس الاطفال وهذا خطأ كبير جداً لان الله عزوجل كما خلق في المعلم عقلاً خلق في الطفل الصغير عقلاً ايضاً.. بالاضافة الى تحديد عمر البدء بالدراسة من ست سنوات بينما قد نستطيع ان نجعل بداية الانخراط في الدراسة تبدأ مع الطفل منذ الاربع سنوات.
وفي المشكلة الثانية تابع سماحة المرجع المدرسي بهذا الخصوص قائلا ان من المشاكل المهمة في بلداننا ايضا ان العلم بدل ان يكون هدفا بحد ذاته اصبح هدفا للمال والشهرة والتباهي وهو خطأ كبير لأن من جعل العلم وسيلة لاغير فقد عظم حقيراً وحقر عظيماً.
واشار الى ان شبابنا وللاسف يدرسون في ايام الامتحانات وغيرها منوال خاطىء فهم يدرسون ـ فيما يسمى عند علماء التربية ـ بالذاكرة المؤقتة اوالفوقانية ممايجعل معلوماته عرضة للمسح من ذاكرته بسهولة وسرعة.
واضاف اننا نلاحظ ان المواد الدراسية تعاد افكارها كل عام على الطلبة وان الطلاب يدرسون السنة بأكملها للدرجات وليس للعلم وان الاساتذة ايضاً يطالبون الطلاب بالدراسة للدرجة وليس للفهم والمعرفة وهذا خطأ كبير جداً.
أما النقطة الثالثة في قائمة المعوقات والمشاكل التي تطرق اليها سماحته فتتمثل بعدم الثقة بالنفس مشيرا الى ان السبب هو أن الاساتذة يمشون على اساس مناهج معينة وجامدة لاتعطي للاستاذ حرية في الابداع والابتكار في التدريس، معتبرا سماحته في هذا الاطار ان اعطاء منهج مكتوب ومعين للاستاذ للاتزام به يعتبر خطأ واننا في الواقع وبهذه الطريقة نفرض على الاستاذ ونفهمه بطريقة غير مباشرة بانه لايفهم شيئاً ويجب ان تلتزم بما نفهمه نحن وهو ما يقتل مجال الابداع لدى الفرد وهذه الطرق هي امتداداً لنظام ديكتاتوري ولاتزال وزارة التعليم العالي مع الاسف تعتمده حتى الآن فكتب الجامعات تشاهدونها وهي مطبوعة منذ 15 سنة او اكثر. فيما الجامعات والمعاهد والمدارس في العالم المتقدم لاتعتمد هذه الاساليب، وذلك لان العلم يتغير ويتطور باستمرار فلا يمكننا ان نقيد الطلاب بالكتب والمناهج الجامدة .