قافلة تتسلق ركب الشهادة
سمعوا أن القدر سيوزع الحظوظ في هذه الرحلة ، فأسرعوا مجتمعين ليصطفوا في ركابها ، يحدوهم اليقين ويغسلهم النور فيضيء مسيرتهم بالكرامة .
خلفوا وراءهم حدائق العمر مزدهرة ويانعة ، وتركوها تحترق دون أن يلتفتوا لها وهم يمنون أنفسهم بالوصول في الوقت الموعود ..
رحلتهم ..
رحلتهم كانت طويلة وشائكة .. امتلأت بقصائد شعر تنثر بوجع ، وهمس أرواح تتناجى في حضرة الرب .
يحدو ركبهم تلبية ودعاء ، بوح صدق ومناجاة ، نهضة مدادها الدماء الزكية وهدفها .. الشهادة ..
لذا لم يلقوا بالاً للأشواك الملقاة على الطريق، ولا لحفر الغدر التي حُفرت للمكيدة بهم .
في مسيرتهم ..
عطش وحر .. وجع وفجائع .. حزن ، ألم ، كمد وبكاء .. والكثير من الفقد والثكل للأحبة ..
تآمرت مساوئ النفوس ، فامتدت بأيديها الخبيثة تُضيق الخناق حولهم وبدا معها الطريق وعراً ، صار طويلاً، طويلاً .. بل أطول مما كان عن ذي قبل ...
قائدهم ...
كان يتعهد الرحلة طوال الطريق ، فلم يفتأ أن يقرأ عليهم شواهد القدر ليعرفهم بها ويترك لهم خيار المواصلة أو العودة من حيث أتوا ..
يقودهم وفي عينيه ، نظرة ثاقبة لا تخيب ، ووميض حق يتوهج بالنور تلبية لذاك النداء الذي ومض من السماء ،عشقاً في روح الشهادة .
في ذكراهم ..
في ذكراهم نسترجع فصول رحلة أدارتها كؤوس الغدر والخديعة ، لأرواح من نور الأملاك أحيط بهم وسط الصحراء غدراً وغيلة، ومنعت عنهم المياه ليموتوا عطشاً ثم سُفكت دمائهم بلا رحمة ، وضجت السماء بصراخ الأطفال وأنين النساء الثاكلات ..
نستحضر تلك المشاهد من ذاكرة التاريخ بحزن بالغ ، ونستعرض صور العطش يشقق الأرواح ، فنبكي تلك القلوب النابضة وهي تقاوم جيوش الظلم وتهتف للحق حتى آخر رمق فيها ، لتندحر أمامها كل جحافله بخزي مهين.
تاريخ ..
خبرنا التاريخ عن معركة حصلت هنا طفق أصحابها يجوبونها على موعد مكتوب ، يغسلون صدورهم بالنور ويتلون دلائل السماء شواهد حية على الأرض ..
أخبرنا التاريخ أن أشرار النفوس سطت على الحقيقة ذات يوم لتنال منها بعد أن امتلأت قلوبها بالشر وعجنت قبحها بماء الخبث والدناءة ..
أخبرنا التاريخ وهو يبكي فأبكانا معه ، وقال بأن ملائكة الله في أرضه
لم يكفنوا ، بل قطعت رؤوسهم وأيديهم وتركت أجسادهم مرمية في العراء تذروها الريح والهواء ، واقتيدت حرائرهم للأسر، وشرد أطفالهم وهم يرتجفون في منافذ الذعر والهلع .. حين كانت قوافلهم تتسلق ركب الشهادة .