بيان سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد الشيرازي دام ظله
بيان سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله
بمناسبة ذكرى عاشوراء الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام عام 1428 للهجرة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين وصلوات الله على سيدنا ومولانا محمد المصطفى وعترته الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين.
خَطَّ الإمامُ الحسين سلام الله عليه في نهضته العظيمة للبشرية جمعاء على امتداد التاريخ خطّ الفضيلة والعطاء والمُثُل السامية في العقيدة والسلوك حيث قال في وصيته الشاملة التي كتبها لأخيه ابن الحنفية: «إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي»(1).
محاولة إصلاح الأمة هي الخطّ العريض الذي رسمه الإمام الحسين سلام الله عليه في واقعة عاشوراء بقوله وعمله وتقريره وبدمه وروحه وجسمه الطاهرة وبدماء أولاده وإخوته وعشيرته وكل ما يملك، وقد ضحى من أجل ذلك كلَّ شيء، حتى الرضا بأسر وسبّي ذريته ونساء وأطفال أطهر وأنقى وأتقى وأعرق عائلة عرفها التاريخ وهم آل رسول الله صلى الله عليه وآله، هذه النهضة الصادقة والواعية هي التي وضعت للأمة والتاريخ سبيل الحق الصادع والواضح وقد جاء بها رسول الله صلى الله عليه وآله وأراد بنوا أميّة محوها، فبدأت بحكومة متقمصة للإسلام يقودها بنو أميّة وبنو مروان وأودت بعقودها الكبيرة والكثيرة وأعمدتها الواسعة واحدةً تلو الأخرى حتى أتت على آخرها فإذا هي خاوية على عروشها حيث إنه لم يبق منها إلا التاريخ الذي ملؤه المخازي والقصص المقزّزة للنفوس والمنفّرة للبشرية حتى بلغ الأمر بهم أنه لا يوجد أحدٌ يجرأ أن ينتسب إلى بني أمية أو بني مروان وإن كان من ذريتهم وسلالتهم.
ويحدثنا التاريخ المأثور ـ ضمن العشرات والعشرات من النماذج ـ أن واحداً من أحفادهم وهو سعد بن عبد الملك بن عبد العزيز بن مروان كان ينشج في البكاء كما تنشج النساء، فلما سألوه عن ذلك أجاب وقال: «وكيف لا أبكي وأنا من الشجرة الملعونة في القرآن»(2).
وهكذا ولا تزال تتواصل هذه المبادرة الحسينيّة الناجحة التي شاءت الإرادة الربانيّة أن يكون الناهض بها الإمام الحسين سلام الله عليه دون غيره، حتى ممن هم أفضل منه ـ وهم جدّه المصطفى وأبوه الإمام أميرالمؤمنين وأمّه سيدة نساء العالمين وأخوه السبط الأكبر الإمام الحسن صلوات الله عليهم أجمعين ـ .
فالإمام الحسين سلام الله عليه هو (الوتر) الذي تواتر وصفه بذلك على ألسنة المعصومين عليهم السلام في زياراته وغيرها، وهو الإمام الوحيد الذي انتخبه الله تعالى ليكون القيّم بهذا الإصلاح الجذري والشامل الذي أماط اللثام ـ ولا يزال ـ بأقواله النيرة وسيرته المعطائة عن وجه الطّغاة الذين تقمّصوا لباس الإسلام وتكلّموا زوراً باسمه فكشفهم للتاريخ وفضحهم.
فلولا نهضة الإمام الحسين سلام الله عليه كيف كان يفتضح (يزيد) ومن سبقه ولحقه من نظرائه الذين تسنّموا تضليلاً وخداعاً خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله.
ولولا نهضة الإمام الحسين سلام الله عليه كيف كان يفتضح الحَجّاج الذي عذّب وقتل الألوف وعشرات الألوف من الأبرياء ثم كان يَعِظ الناس حتى يبكيهم(3).
ولولا نهضة الإمام الحسين سلام الله عليه النوراء كيف كان يرفع النقاب ـ نقاب الإسلام ـ عن وجه مثل صلاح الدين الأيّوبي الذي كان يحاصر المسلمين في بلادهم ممن ينتمون إلى خط أهل البيت عليهم السلام فيقتلهم ويحرق الشيوخ والنساء والأطفال في مدينة بأكملها(4).
ولولا نهضته المباركة من كان يفضح بني مروان وبني العباس والعثمانيين الذين تربّعوا على كرسي زعامة المسلمين وباسم الإسلام، ثم مارسوا أبشع أنواع التنكيل والظلم بحق الأبرياء العزّل.
وفي هذا العصر ـ المسمّى بعصر العلم والحريّة ـ مَن غير الإمام الحسين سلام الله عليه وزياراته وعاشورائه وأرضه الطاهرة يفضح مثل طاغوت العراق (صدام) الذي شرّد وعذّب وقتل الملايين من شعب العراق المظلوم وأباد مئات المليارات من ثرواته وصرفها على إشعال الحروب ونزواته الشخصيّة الطائشة.
وهكذا سيبقى الإمام الحسين سلام الله عليه نبراساً عظيماً ينير الدّرب ـ لا للمسلمين فقط ـ بل لكل البشريّة ليميزوا الخير عن الشر ويفصلوا بين الإسلام الصحيح وبين الإسلام المزيّف.
ومن أجل ذلك نجد الظالمين ـ عبر التاريخ ومنذ أن قتل الإمام الحسين سلام الله عليه وحتى اليوم ـ يواجهون الإمام الحسين سلام الله عليه ومجالسه وعزائه وشعائره، ويحاربونه ويحاربونها، ويحاولون بكل الطاقات طمس آثار الإمام الحسين سلام الله عليه وكل ما يرتبط به بأساليب شتّى مثل تخريب وهدم وتفجير مدينته المقدسة بين حين وآخر وقتل الأبرياء والشيوخ والنساء والأطفال خلال ممارساتهم لشعائره المقدسة، ونشر ثقافة معاوية ويزيد، والاستهزاء بثقافة الإمام الحسين سلام الله عليه وشعائره.
لكن وعد الله تعالى للإمام الحسين سلام الله عليه ـ وعبر لسان جدّه سيد المرسلين صلى الله عليه وآله ـ بأن ذلك كلّه لا يزداد به الإمام الحسين سلام الله عليه وخطّه وثقافته وشعائره إلاّ بقاءً ودواماً وعلوّاً وارتفاعاً، فقال صلى الله عليه وآله: «وليجتهدنّ أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه، فلا يزداد أثره إلاّ ظهوراً وأمره إلاّ علواً»(5).
وهذا طاغوت العراق ـ في زماننا ـ كم قتل وعذّب وسجن ليمنع زوّار الإمام الحسين سلام الله عليه من السير إلى زيارته مشياً على الأقدام لكن اليوم يشاهد العالم قوافل الزوّار المشاة بالملايين، في مناسبات زياراته عدّة مرات كل عام، يمشون صغاراً وكباراً، شيباً وشباباً، رجالاً ونساءً، عشرات ومئات الأميال، في الحرّ والبرد، والمطر والشمس، والليل والنهار، ليفوزوا بالثواب العظيم الذي ورد عن النبي وآله (عليه وعليهم السلام) من أجر الحجّ والعمرة لكل خطوة وقدم يرفعها أو يضعها الزائر(6).
وإنني إذ أسأل الله القريب المجيب ـ ببركة الإمام الحسين سلام الله عليه ـ أن يأذن لكي تنتهي عاجلاً سريعاً ذيول هذه المظالم الموجّهة إلى السائرين في خط الإمام الحسين سلام الله عليه وعلى خطاه في كل مكان، وخاصة في العراق الجريح والأبيّ والصبور.
أبتهل إليه تعالى أن يمنّ على العالم كلّه بتعجيل ظهور ولده ووليّ دمه والثائر من أجله مولانا بقيّة الله تعالى من العترة الطاهرة الإمام المهدي الموعود ـ أرواحنا فداه وصلوات الله عليه ـ وأن يجمع كلمة المؤمنين على الصلاح والسعادة وما توفيقى إلاّ بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
2/محرم الحرام/1428 للهجرة
صادق الشيرازي