الحاج عبدالله المطرود ... شخصية إنسانية خالدة تنبض بالعطاء

علي آل غراش *

 
بمناسبة الذكرى السنوية لوفاة الحاج  
 
الحاج عبدالله المطرود ... شخصية إنسانية خالدة تنبض بالعطاء

 
لأنه عاش الفقر وتذوق مرارة الحرمان والحاجة... في طفولته... أبى إلا أن يكون المستقبل مشرقاً أمام الأطفال والفقراء والمحتاجين... فقدم ماله ووقته وقوته وفكره … في مجال خدمة الأخرين, وتأسيس المشاريع الخيرية والاجتماعية والتنموية والمراكز الصحية ودار العجزة والمعاقين, وخدمة المجتمع, والاجتهاد في رفع غيوم العوز السوداء عن الفقراء البوساء. كما كان له شرف نيل لقب أول مؤسس لأول جمعية خيرية في السعودية, وأول من أسس عدد من المصانع المهمة في السعودية والخليج في مجال المواد الغذائية, وأول من أنشاء مغسلة ملابس حديثة.
 
ولأنه يؤمن إيمانا حقيقيا بان قيمة الإنسان بما يعطيه لا بما يأخذه, وبحكمة أصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب, وان المال ما هو إلا نعمة وأمانة من الله على من يحملها, وان التجارة الحقيقية الباقية تكمن في العمل الصالح الإنساني وتقديم العون والمساعدة للآخرين, وان السعادة الحقيقية تتجلى بإسعاد المحرومين, وان الإنسان يجني ما يزرع من عمل وحب واحترام وتقدير... بهذه المبادئ وغيرها من السجال الحميدة استطاع أن يكون والدا للجميع وملكا للإنسانية, وان يبقى ذكرى خالدة وأغنية يرددها المحبون.
 
عُرف بين أبناء منطقته ومحبيه برجل العطاء غير المحدود, واشتهر باسم الحاج عبدالله المطرود. والحاج هو اللقب المحبب إليه.
الحاج عبدالله المطرود "رجل الأعمال المعروف والشخصية الإنسانية المرموقة" ولد في وسط أسرة فقيرة في الأربعينيات من القرن الماضي وعاش في كنف الحرمان والعوز بما تعنيه الكلمة..., ولكنه استطاع مع أخيه الحاج إبراهيم توائم روحه وشريكه وزميل دربه أن يحول ذلك الوضع "الفقر" خلال سنوات قليلة إلى ماضي.
 ولكن صورة الفقر والحرمان لم تُمسح من ذاكرته بل كانت حاضرة في وجدانه وفي جميع مراحل ومواقف حياته. ومن أصعب اللحظات التي مرت عليه في ذلك الزمن وكان لها الأثر الأكبر لتغيير الحال.

عندما بعثته والدته بطاسة "قدح معدني صغير " يرهنها بقليل من التمر لسد جوع أسرته, وعندما قدم الطاسة "قدح معدني صغير " إلى تاجر التمر طالبا منه قليل من التمر برهن هذه الطاسة... مسك التاجر الطاسة ثم رمها في وجه الصغير النحيف - الذي جاء من اجل الحصول على بعض التميرات تسد البطون الجائعة- صورة التاجر .... وصوت الطاسة المعدنية وهي تترنح على الأرض بقت خالدة في ذاكرته... تاركة في قلبه الصغير جرحا لم يندمل..., واستطاع أن يحول ذلك الشعور... إلى وقود لكي يغير وضعه المعيشي, وان يصبح غنيا ويكف نفسه عن الآخرين ويعيش كريما... بل لكي يساعد من يحتاج إلى المساعدة والعون وسد البطون الجائعة... ولكي لا يتعرض الفقراء والمحتاجين إلى مواقف مشابهة لما تعرض له.

 
كان والدا للجميع, وملكا للقلوب, وذكرى خالدة في قلوب المحبين.

  •  رجل سبق عصره

من يتابع شخصية الحاج عبدالله المطرود المرتبطة بشقيقه المرحوم الحاج إبراهيم سلمان المطرود ارتباطاً وثيقاً وكانا بمثابة الروح الواحدة. يرى أنها شخصية مميزة ومبدعة سبقت عصر منطقته وبلاده وأبناء جيله فالحاج أسس مشاريع لم يسبقه احد إليها كإنشاء أول مغسلة اتوماتكية عصرية في السعودية والخليج, وتأسيس أول مصنع لإنتاج الألبان والعصائر والايس كريم بطريقة عصرية وبأستخدم أفضل الأساليب والطرق الصحية الحديثة, وتأسيس أول مخبز لإنتاج الخبز والبريد والكورن فليكس والفطائر. وأول من جلب الأبقار من الخارج إلى السعودية, وأسس مزرعة للأبقار, وإنتاج الحليب الطازج وتسويقه بالطرق الحديثة. وعلى الصعيد الإنساني والاجتماعي فكر في تأسيس شركة مساهمة هدفها تنمية البلد وخدمة أبناء المنطقة, وتأسيس أول الجمعيات الخيرية وإيواء العجزة والمعوقين.... في السعودية والملحوظ في مسيرة الحاج العملية انه يتمتع بجرأة كبيرة وأقدام على المشاريع الجديدة التي لم يتجرأ احد قبله على القيام بها, ولعل هناك من فكر فيها ولكنه حتما لم يتصف بالجرأة والأقدام والشجاعة التي لدى الحاج عبدالله المطرود الذي جعل من الفكرة حقيقة وبذلك استحق أن يكون الأول بل منازع.

  • حياته

ولد الحاج عبد الله سلمان أحمد المطرود ببلدة سيهات الواقعة على شريط الساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية في عام 1343هـ في بيت متواضع وأسرة فقيرة كما هو حال الكثيرين من أهل البلدة في ذلك الوقت والذين كانوا يعتمدون في معايشهم على الزراعة والبحر. التحق بحلقات تدريس القرآن كحال رفقائه حيث لم تكن هنالك مدارس وترعرع بين أقرانه متميزاً بنظرته للأمور. والده الحاج سلمان احمد المطرود كان كثير السفر إلى الخارج للبحث عن الرزق في البحرين وقطر... والشخص الذي كان يرعاه الحاج حسن الفويرس الأخ الأكبر غير الشقيق (أخوه من أمه) حيث كان له بمثابة الأب الحنون القلب الكبير والموجه والراعي.

  • أمال وتطلعات

في الحارة الصغيرة في بلدة سيهات القديمة ذات البيوت العتيقة المتجاورة المبنية من حجر البحر والطين التي ولد فيها وترعرع يصعد الطفل الصغير عبدالله المطرود على السطح مع غروب كل شمس يوم مؤلم ويجلس على الجدار الصغير الطيني ينظر بتأمل في الشمس وألوان الغروب الجميلة لعلها تخفف من وطأة ظروفه الموجعة المؤلمة ولتزرع في داخله الأمل... يفكر في وضع عائلته وكيفية الخروج من حالة الفقر والبؤس والحرمان.., متطلعا لمستقبل أفضل.

  • اللؤلؤة فال خير

أجبرته الظروف المعيشية الصعبة على البحث عن مصادر الرزق بشتى السبل والطرق المتاحة في تلك الفترة الصعبة على المجتمع الخليجي فتوجه للعمل في البحر مع الغواصين ولكنه رفض من النوخذه ورفاقه لصغر سنه ولكن إصراره واللحاحه لدرجة الاستجداء سمح له ... وكانت نتيجة الرحلة حصولهم على لؤلؤة قيمة عملت على تغير أوضاع تلك المجموعة التي اصطحبته.وكان نصيبه منها روبية واحدة. فكان فال خير.

  • صدمة كبيرة

الشاب عبدالله المطرود كان يحذوه الأمل أن يسجل في شركة أرامكو التي بدأت أعمالها في تلك الفترة الأربعينيات ميلادية من القرن الماضي فتقدم ولكن لوجود مشكلة صحية بإحدى عينيه لم يقبل فكان ذلك الموقف كالصدمة التي زلزلت امال وتطلعات الشاب الذي يبحث عن رزق حلال يساعد به أخوته.. ومما زاد الموقف صعوبة على الشاب النحيف قبول رفقائه وزملائه وأبناء بلدته, وخفف من الوطأة قبول أخيه إبراهيم... إلا أن ذلك الموقف المؤلم لم يوقفه عن البحث عن وسيلة أخرى للرزق معتمدا على ما يحمله من إيمان مطلق بمشيئة وحكمة خالقه, وما لديه من إرادة وطموح وسعة صدر وصبر وشعور دائم بأنه قادر على بناء مستقبل أفضل.... برغم قسوة الظروف الواقعية المعاشة. فاخذ يبحث بقلبه المكسور والثقيل بالمسؤولية أمام العائلة الكبيرة العدد الفقيرة عن عمل جديد.

  • حياته العملية

ولأن الشاب عبدالله المطرود يؤمن بما تعنيه الآية الكريمة (عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم, وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم), وان الحاجة تصنع المعجزات, ومن خلال إصراره في البحث عن عمل بالظهران ليكون قريبا من رفقائه في ذلك الوقت الذين تم قبولهم في شركة أرامكو وجد فرصة عمل كعامل بسيط بأحد المغاسل اليدوية لدى (باكستاني)، فعمل بهذه المغسلة اليدوية التي كانت بالظهران قبل عام 1947م.  وبراتب شهري مقداره خمس ريالات (أي بواقع حوالي 19.5 هللة في اليوم) نظير الغسيل والتنظيف والكي باليد، فعمل بإخلاص واستطاع من تعلم فنون هذه المهنة ومن تكوين زبائن, وبعد فترة طلب الشاب إجازة لمدة يوم واحد لحضور مناسبة عزيزة عليه تستوجب حضوره في مدينة سيهات, ولكن جميع المحاولات مع الباكستاني صاحب العمل باءت بالفشل.. فلم يحضر الشاب العمل ذلك اليوم, وفي اليوم الأخر ذهب إلى العمل ولكن صاحب العمل قال له كلمة تعني الفصل.. فقرر الشاب ترك العمل.. ومع تراجع صاحب العمل عن قراره وتدخل بعض الناس لإقناع الشاب عبدالله المطرود بالعودة للعمل الا ان الشاب رفض ... لأنه شعر بعدم التقدير وعدم احترام عمله وإخلاصه, وان الوقت حان ليعمل لحسابه الشخصي فأسس مغسلة صغيرة كان يديرها ويشتغل فيها بمفرده. معتمدا بعد الله على الموظفين الذين يعملون بالشركة وله معهم علاقة قوية.. فتطور العمل حيث بدأ يقدم خدماته إلى شركة أرامكو ولجميع مرافق المستشفيات والمطاعم والمساكن ولموظفي أرامكو فوظف معه بعض الشباب من بلده... وكانت عملية الغسيل تتم في أحوض أسمنتية كبيرة.. وفي عام 1959م. أسس الحاج الراحل أول مغسلة حديثة بالمنطقة وهي المغسلة الوطنية بطاقة 10 ألف رطل. وأدى نجاح المغسلة إلى دفع الشاب لمزيد من التفكير زاده في ذلك طموحه الكبير وإيمانه الراسخ بالله وبعد النظر وأفقه الواسع فأتت مشاريعه متوالية حيث تقلد الراحل الريادة في كل مشاريعه الاقتصادية.

  • مشاريع متميزة

وأسس رجل الأعمال الحاج عبدالله المطرود أول مصنع لصناعة الألبان ومشتقاتها على مستوى المملكة في عام 1387هـ، وتعود فكرة إنشاء هذا المشروع الجديد على المنطقة بأنه رأى بأن هناك طلب متزايد من قبل عامة المجتمع على الألبان التي تتوفر بكمية قليلة وتنتج بطرق قديمة.. ففكر بان ينشأ مصنعا متخصصا بإنتاج اللبن بطرق حديثة وصحية وبإنتاج وافر يلبي حاجة السوق... هذه الفكرة أخذت تتسع ثم سافر إلى عدة دول للإطلاع على المصانع والآليات التي في العالم التي ممكن أن تخدم  فكرته..  كما قام بجلب أبقار من الخارج كأول من استورد أبقار للمملكة وأسس أول مزرعة لتربية الأبقار لإنتاج الحليب وزراعة الأعلاف في المملكة (وواجه الكثير من التحديات والصعوبات) وكان عبدالله المطرود هو العامل الأول في المصنع في ظل عدم توفر اليد العاملة، ثم أسس أول مصنع لصناعة الخبز ومشتقاته والفطائر والكورن فليكس على مستوى المملكة في عام 1396هـ.

طبق نظام سعودة الوظائف منذ بداية عمله.. بدوافع وطنية

  • السعودة

منذ بداية أعماله الاقتصادية وهو يفكر كيف يخدم وطنه وأبناء مجتمعه, وكان يدرك أهمية الاعتماد على سواعد أبناء الوطن... لهذا سعى لتوظيف الأيدي العاملة الوطنية من جميع المناطق في جميع نشاطاته التجارية, وقبل 35 عاما تقريبا كان جميع الموظفين لديه في المغسلة و مصنع الألبان الوطني كانوا من أبناء ‏الوطن و لم يكن‎ ‎بينهم أجانب. أي كان يطبق السعودة بدوافع وطنية... وكان الحاج عبدالله المطرود يوظف الشباب في أيام الاجازات المدرسية لاحتواء الشباب في فترة الإجازة وابعادهم عن التسكع في الطرق وأصدقاء السوء والتعلم على حب العمل. وكان يتعامل مع العمال السعوديين والأجانب لاحقا كزميل لهم في العمل, "وكان الحاج ‏يستغل مناسبة الأعياد لأعطاء العيدية‎ ‎لجميع الموظفين. وكان يدفع المساعدات لهم وقت الحاجة وعند ‏زواجهم أو زواج أبنائهم.  ‎كما كان يعطي قروضا طويلة الأجل لموظفيه - بدون فائدة طبعا - مثل هذا ‏العمل لم تقم به‎ ‎آنذاك حتى الشركات الكبيرة, وكان يشجع الشباب على مواصلة الدراسة. وكان قد وعد احد الشباب العاملين لديه بضرورة دراسة الثانوية صباحا والعمل في الفترة المسائية على أن يبعثه إلى ‏الخارج‎ ‎لمواصلة دراسته على حسابه الخاص بعد التخرج من الثانوية "‎( احد الموظفين الأوائل / جاسم هلال آل طالب - مهندس متقاعد من شركة أرامكو).

  • الرياضة

وكان الحاج يحب الرياضة ويشجع على ممارستها رغم انه لم يمارسها, وقد أسهم في تأسيس نادي الخليج الرياضي برفقة رفقائه: سلمان العيد" أول رئيس للنادي" وعبدالله منصور اليوسف وجاسم سلهام وأخيه إبراهيم المطرود " راس النادي". وكان الحاج من أكثر الداعمين والمشجعين للنادي, وللأندية الأخرى في المنطقة, وكان يرى أن النادي له دور ايجابي في المجال الرياضي وخدمة المجتمع في المجالات الأخرى. وقد فرغ ابنه الأكبر لخدمة النادي الأستاذ محمد المطرود الذي راس النادي, والرئيس الحالي للإتحادين العربي والسعودي لكرة اليد, ويرأس النادي حالياً ابنه محمود بعد ابنه سلمان الرئيس السابق للنادي, وكان طوال حياته من المشجعين و المتابعين للشأن الرياضي.

  • العمل الخيري

على رغم ما حققه الحاج عبدالله المطرود من نجاح باهر في مجال العمل التجاري الأنشطة الاقتصادية الا انه لم يجد نفسه إلا في ميدان العمل الخيري والاجتماعي ومساعدة المحتاجين فهو العمل المحبب إلى قلبه, ولهذا كان منذ شبابه يقوم على تحسس حاجات أبناء المجتمع وبالتحديد الفقراء والمحرومين والأيتام وكبار السن والعجزة, وتقديم المساعدات والعون والمساهمة لكل الجمعيات الخيرية بالمنطقة بدون استثناء. وكان الحاج عبدالله سلمان المطرود مسكونا بحبه لأهله ومواطني بلدته ودائم التفكير في همومهم وقضاياهم منذ الحرب العالمية وما أفرزته من آثار اقتصادية وصعوبة كبيرة في سبل العيش فأورثت جيشاً من الفقراء والمعوزين ليس في بلدته سيهات وحدها بل في جميع أنحاء العالم ولما كان تفكير الرجل يسبق سنه وعصره أخذ بالتفكير في كيفية الخروج من هذا الوضع فاهتدى مع مجموعة من بلده في تأسيس صندوق سيهات للبر كأول جمعية خيرية على مستوى السعودية عام 1375هـ تم الاعتراف بها رسميا في عام 1387هـ. - ومن أسباب تأسيس صندوق سيهات للبر يعود إلى إصابة احد معلمي القران الكريم بالبلد بمرض السل... وعلاجه يكمن في السفر للخارج لعدم وجود فرص للعلاج في داخل البلد ولان الأحوال المعيشية في تلك الفترة صعبة بالإضافة إلى عدم توفر رجل قادر على تحمل مصاريف العلاج في البحرين الدولة الأقرب للعلاج.. طرحت فكرة الصندوق لجمع التبرعات لعلاج المعلم- وكان العمل الإنساني الخيري وكيان الجمعية هو حياته " فهو المؤسس والرئيس والموظف والعامل حيث كان يقوم بنفسه بإيصال المعونات والخدمات للمحتاجين، وكان عندما يعترض عليه أحد العاملين بالجمعية ويشير عليه بأن يرتاح ليقوم عمال الجمعية بخدمة الناس يقول أنا كأحدكم لا أختلف أريد أن أكسب رضا رب العالمين بخدمة المحتاجين" كما يقول الدكتور جميل الجشي.
 
ولم يكتفي بذلك بل أشتمل العمل على شريحة كبار السن والمعوقين والمتخلفين عقلياً فأسس أول مشروع في السعودية لخدمة هذه الشرائح تقدم لهم فيها خدمات الإيواء والغذاء والعناية الصحية ومن جميع مناطق المنطقة، ويذكر أن سبب تأسيس مركز الإيواء للمعاقين تعود أن في احد الأيام طرق احد أبناء البلد باب الحاج يحمل على كتفه طفلا معاقا عمره 8 سنوات قائلا للحاج خذ الولد فاني غير قادر على التعامل معه ولا يوجد مكان أرسله ماذا افعل به؟... فطلب الرجل من الحاج أن يأخذ الولد المعاق.. فاستجاب الحاج لذلك... , وكان الحاج بشخصه يقوم بالعناية والاهتمام بالطفل المعاق ويأخذه معه إلى العمل.. إلى أن قرر الحاج استئجار مبنى عام 1965م ليكون مركزا لإيواء العجزة والمعاقين.
 ويبدو أن الحاج قد تمعن في طفولته وأقرانه فأبى إلا أن يكون المستقبل مشرقاً أمام الأطفال فجاء مشروع رياض الأطفال تحت مسمى بيت الطفولة السعيدة (1) و (2 ) ليكمل حلقات خدمات جمعية سيهات.
وكان الحاج عبدالله المطرود من المؤسسين والمشاركين في عضوية جمعية البر بالدمام، وعضو لجنة أصدقاء المرضى منذ تأسيسها، وعضو مجلس إدارة شركة سماد حتى 1412هـ، وكان عضواً بمجلس الغرفة التجارية الصناعية بالمنطقة الشرقية ما يقارب 17 عاماً، وكانت له علاقات قوية جدا برجال الأعمال بالمنطقة الشرقية وخارجها وخارج الوطن.


أعماله الإنسانية تجاوزت حدود المنطقة والوطن

  •  المواقف الإنسانية

للحاج عبدالله المطرود الكثير من القصص الإنسانية في حياته يصعب إيجازها ضمن هذا الملف, أو رصدها بشكل حقيقي لان في كل يوم يتم إماطة اللثام عن موقف إنساني جديد. حيث كان الحاج يقوم بهذه الأعمال بالسر... وخاصة أن أعماله تتجاوز العائلة والبلدة والمنطقة والوطن والمذهب والدين والقومية والعرق, وكان ينظر للحالة الإنسانية والسعي لعلاجها بغض الطرف من صاحبها. فعطائه كان للإنسان بما هو إنسان وبلا حدود.. ومن المواقف كما يرويها احد رفقائه المرحوم أبو عبد الوهاب البوري: في احد أيام الشتاء القارص والجو ممطر كنت جالسا بمنزلي وإذا بالباب يطرق والطارق هو الحاج عبدالله المطرود فاستغربت من مجيئه في هذا الوقت من الليل والجو الممطر...! فقال الحاج: أريدك أن تأتي معي بدون أن يحدد لي الجهة. ذهبت معه وأنا اسأل نفسي طوال الطريق إلى أين سنذهب في هذا الوقت ؟ وإذا بالحاج يوقف سيارته بقرب احد البيوت القديمة.. ويخرج من السيارة طربال...ثم يضعه على البيت القديم بنفسه لكي يمنع سقوط المطر على أصحابه. وكان يتعامل مع كل حالة - للفقراء والمحتاجين- بنفسه ليكون قريبا جدا من المستحقين.
 
وكان الحاج مبادرا في عمل الخير والعمل الاجتماعي. ففي فترة ما قبل الكهرباء قام بمبادرة ذاتية بإنارة البلد بالفوانيس. كما انه وظف مكانته الاجتماعية المرموقة لدى الدولة وجميع طبقات المجتمع في خدمة المجتمع والصالح العام.. فقد سعى في استخراج العديد من رخص بناء المساجد والجمعيات والأندية الرياضية, ودعمه لها ماديا داخل الوطن وخارجه فقد ساهم في بناء مسجد في أمريكا, وتدخله في الصلح بين ذات البين, وفي حل العديد من القضايا التي لا تحل لدى الجهات الحكومية. منها تدخله في أقناع أصحاب الحق عن القصاص بالتنازل.

وكان الحاج صاحب وفاء يقل وجوده فهو إلى اخر أيام حياته وفيا لزملائه ورفقائه وأبناء منطقته ووطنه من فقراء وأغنياء حيث كان يحرص على زيارتهم بمنازلهم وتقديم المساعدات لهم والحضور في المناسبات - الأفراح والأحزان- كما كان للموتى نصيب من حياته حيث كان كل يوم اثنين وخميس يزور المقابر كما كان له اهتمام بالعناية والاهتمام بالمقابر, كما كان له علاقة خاصة ببيوت الله "المساجد" حيث سعى في استخراج العديد من رخص البناء للمساجد في مدينته وخارجها والمساهمة في البناء, كما انه تكفل ببناء عدد من المساجد على حسابه الشخصي, وكان دائما يحاول أن يزور جميع المساجد في البلد ليكون احد المصلين فيها والاطمئنان على أوضاعها وتقديم المساعدة في حالة احتياجها.
وطوال حياته لم يقبل الحاج المطرود أن تكون له حالة عداء مع أي إنسان بعيد أو قريب غني أو فقير, بل كان يبادر ويسعى لتذويب أي خلاف, وكان يقول كلمة الحق ويطالب بالحقوق بدون الاصطدام, وكان له مواقف رائعة مع منافسيه ومع من يختلفون معه حيث انه يبادر بالوقوف معهم في الأزمات ومساعدتهم بمبالغ كبيرة.

  • إنكار الذات

من الصفات الحميدة التي يتجلى بها الحاج صفة إنكار الذات أمام خدمة المجتمع. وفي قصة شراء ارض الجمعية التي تقدر بمساحة مليون ونصف متر ما هي إلا دلالة تدل على ما يحمله الحاج عبدالله المطرود من مبادئ وقيم وحالة يقل نظيرها خاصة في وسط طبقة من يتعامل بالتجارة وتكنيز الأموال ونموها. الا أن الحاج اشترى الأرض ذات المساحة الخيالية بمبلغ خيالي في ذلك الوقت من جيبه الخاص,  وسجل تلك الأرض باسم جمعية سيهات الخيرية. ولان الأرض تقع في موقع استراتيجي الجهة الشرقية من مدينة سيهات وتقع على ساحل الخليج العربي ولها مستقبل ناجح في ظل الطفرة وزيادة الرقعة العمرانية حاول عدد كبير من التجار من انتزاعها وشرائها... ولكن الحاج رفض جميع العروض وجميع الأساليب من ترغيب وضغوط والنيل من شخصه. وكان الحاج باستطاعته أن يسجل الأرض باسمه أو أن يمنح جزءا منها للجمعية والاحتفاظ بالجزء المتبقي لتحقيق عائد من الربح الخيالي لان من يملك تلك المساحة في تلك الفترة فهو يملك مدينة.. إلا انه لم يفعل ذلك بل لم يسجل الأرض باسمه وهذا قمة الإنكار للذات.

  • حلم المدينة النموذجية

منذ كان شابا وهو يحلم بإقامة مشروع نموذجي ضخم يحتوي على مستشفيات ومراكز إيواء للعجزة والمعاقين والأيتام, ورياض أطفال ومدارس ومركز ثقافي يحتوي على متحف ومركز نسائي متكامل وصالات أفراح, ووحدات سكنية وعمائر تجارية وفلل سكنية ومجمعات تجارية ضخمة... يعود ريعها جميعها للجمعية... وحقق الحاج الجزء الأكبر من الحلم عبر شرائه للأرض التي تقدر مساحتها بمليون ونصف متر تم بيع أجزاء منها لإقامة وبناء بعض المشاريع على ارض الجمعية كنواة للمدينة التي سميت باسم مدينة الأمير محمد بن فهد السكنية بسيهات في عام 2003م أثناء استقبال الأمير للحاج عبدالله الرئيس الفخري للجمعية وأعضاء مجلس الإدارة بجمعية سيهات للخدمات الاجتماعية. وتقدر المساحة الإجمالية للأرض نحو 300 ألف متر مربع وبتكلفة إجمالية بلغت 348 مليون ريال. وسيستفيد من مشروع الوحدات السكنية ما يقارب 1200اسرة. . وقد أمر الأمير محمد بن فهد أمير المنطقة الشرقية في عام 2006 م 1427هـ الشروع بالعمل في المشروع.

سعى لدعم وتفعيل دور المرأة بالعمل الاجتماعي

  • دعمه للمرأة

الحاج عبدالله المطرود سبق عصره فقد كان له نظرة بعيدة وواقعية للإنسان كما هو إنسان من ذكر وأنثى بدون تمييز, وكان يشعر بأهمية دور المرأة في التنمية والبناء الاجتماعي لأنها أساس بناء المجتمع وجوهر الأسرة لأنها الأم الرعاية للإنسان. ولهذا تعامل معها في حياته في المنزل وخارجه بأنها شريكة مكملة للرجل في بناء وتنمية المجتمع... وكان لها نصيب من اهتمامه ورعايته وعطائه.. ولهذا حرص على دعم المرأة بالعمل بالجمعية في رياض الأطفال منذ عام 1377هـ. لما لها دور وقدرة على المساهمة بفعالية في إنجاح الرسالة الاجتماعية والخدماتية للجمعية..., و كانت المرأة منذ دخولها الجمعية تشارك في تلك الفترة في اجتماعات الجمعية بجانب الرجل, وقد واجه الحاج والعاملون في الجمعية الكثير من التحديات على هذا الصعيد الذي لا يخلو من حالات التثبيط و التحبيط من قبل البعض. وسعى من خلال الجمعية لتأهيل المرأة في مجال الخياطة والتدبير المنزلي في البداية.  وفي عام 1412هـ تم تأسيس مركز نسائي متكامل يقدم جميع الخدمات وتأهيل المرأة في جميع المجالات: دورات الخياطة و التفصيل، دورات الحاسب الآلي، دورات الآلة الكاتبة، دورات اللغة الإنجليزية، دورات أعداد مربيات رياض الأطفال، دورات الأعمال اليدوية و الرسم و الفن التشكيلي، الإسعافات الأولية، دورات العناية الشخصية و التجميل، دورة مهارات التفكير الإبداعي، دورة المهارات الأدبية، الدورات الإدارية، دورة اللغة الإنجليزية للسيدات و الأطفال، العودة إلى الفصحى والتأهيل الوظيفي.

  •  جائزة استحقاق من الدرجة الأولى

نال الحاج عبدالله المطرود العديد من الجوائز والأوسمة, وتميزت معظم الجوائز التقديرية التي حصل عليها من الدولة وغيرها بأنها تحمل الطابع الإنساني والاجتماعي لما يقدمه من خدمات لأبناء الوطن وهي أعمال يعشقها وأبدع فيها واشتهر بها. ومن أهم الجوائز التقديرية التي نالها من الدولة جائزة استحقاق من الدرجة الأولى من الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود, وهي جائزة يعتز بها أي مواطن سعودي نظير ما يقدمه لهذا الوطن من مشاريع الإنماء. وكذلك جائزة سمو أمير المنطقة الشرقية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز ال سعود لأعمال البر وهي تكريم لمسيرته في مجال أعمال الخير واهتمامه بالجانب الإنساني للفقراء والمحتاجين والعجزة حيث أسس دار العجزة بجمعية سيهات الخيرية التي تعد من الأعمال التي يشار لها بالبنان نظرا للإمكانات المتطورة بهذه الدار.

  • سر النجاح والتميز

من أسرار نجاحه اتصافه بالأخلاق العالية وعلى رأسها التواضع والحلم والكرم, وحسن التصرف, وفن إدارة الوقت والتخطيط, فهو الشخص الرئيسي في أعداد المشاريع حيث لا يكتفي بما يقدم له من دراسات... وإنما يدرس أدق التفاصيل, ويتعامل مع العمال بأنه عامل كأحدهم, وكان بابه مفتوحا للجميع.., وكان يؤمن بان العمل التجاري الحقيق يكمن في تحريك المال في المشاريع المنتجة ولو كانت صعبة (وليس في شراء الأراضي ولهذا لم يتاجر في مجال العقار) بالإضافة للإبداع والإقدام حيث عُرف عن الحاج عبدالله المطرود "وكذلك عن أخيه إبراهيم"  انه رجل عصامي بنى مشواره الحافل بالإنجازات في المجالات المتعددة بتعب وعرق وجهد ذاتي حتى وصل إلى المكانة الاجتماعية المرموقة كأحد أعيان ووجهاء المنطقة الشرقية الذين عملوا بجهد الرجال الأوفياء. حول ذلك كتب الكاتب نجيب الزامل:  فلسفة " الاستطلاع التقدمية في الأعمال للحاج عبدالله المطرود" لم تكن ُتتاح إلا لعصاميين كبار في هذه الدنيا، هؤلاء الكبار يأتون للدنيا، ثم لا يرحلون منها إلا وقد أضافوا لها جديدا، جديدا ينفع الناس.. لذا كان الشيخان عبدالله المطرود وأخوه إبراهيم من ألمع رجال الأعمال في المنطقة من حيث الرؤية العملية الملتصقة في حاجات الناس، وفي تطوير الذائقة في هذه الخدمات.. أما العنصر الذي أبقيته قاصدا متأخرا، فهو عنصر الجسارة والشجاعة، فكم كان سهلا على المطرود إخوان أن يلجآ إلى الأعمال التجارية التقليدية من التجارة، والعقار، ولكنهما بشجاعة الأذكياء والأخيار اختارا الطريق الشاق والصعب.

  • حلم لم يتحقق

للحاج عبدالله المطرود الكثير من الأحلام والتطلعات التي تخدم وتنمي المجتمع منها ما شهدت النور ومنها ما لم تتحقق على ارض الواقع من تلك الأحلام وأهمها بالنسبة إليه حلم تأسيس شركة مساهمة. هذا الحلم الذي يراوده منذ عقود من الزمن حاول أن يجعله حقيقة ولكن لم تخدمه الظروف. الفكرة كانت أن يشارك جميع أبناء المنطقة أغنياء وفقراء من خلال شراء أو منح أسهم لكل فرد, وعبر هذه الشركة يتم تأسيس مشاريع خدماتية وصناعية كبرى تخدم المنطقة وتوظف أبناءها وتساهم في رقي وازدهار وتنمية المجتمع والوطن في جميع المجالات.

 
الحاج عبدالله المطرود... احب تجارة لن تبور

  • أفضل الأوقات

من أفضل الأوقات لدى الحاج التي يجد نفسه فيها كانت أوقات العبادة حيث إذا دخل وقت الصلاة يترك أي يعمل مهما كان ويعتذر لأي شخصية لديه.. ويتفرغ للعبادة لمدة 45 دقيقة, كما يجد نفسه في خدمة الأخرين والجلوس مع الفقراء والأيتام وأصحاب الحاجات كالمعاقين, واسعد لحظات حياته عندما يوفق بتقديم مساعدة وقضاء حاجة محتاج.
ومن أصعب اللحظات التي مرت على الحاج لحظة وفاة شقيقه وتوائم روحه وشريكه ورفيق دربه الحاج إبراهيم في عام 1998 م.  حيث ظهرت عليه علامات التأثر بشكل كبير لأول مرة بهذا الحجم وقال كلمته "أنا الآن تيتمت" إذ العلاقة بينهما اكبر وأعمق من علاقة أخوة فقط... فالثقة المطلقة متبادلة بينهما بما تعنيه الكلمة, والمحبة القوية بينهما متبادلة... فلم يحدث بينهما أي خلاف على رغم الشراكة, وكان المال لا قيمة له بينهما وبين أبناءهما, وكان كل منهما يعتبر أبناء الأخر أبنائه وكلمته مسموعة.

  • برنامجه اليومي

كان الحاج مبدع في إدارة الوقت وإدارة حياته.. يستيقظ مع صلاة الفجر يتناول إفطاره في المنزل وكان يعشق تجهيز الإفطار بنفسه قبل أن تتدهور حالته الصحية وقبل الساعة السابعة صباحا يكون في العمل إلى وقت صلاة المغرب, ويزور أبناء شقيقه بشكل يومي قبل أن يتوجه لمنزله في ظل سفر أخيه إبراهيم خارج الوطن, -فهو يتعامل مع أبناء أخيه كأبنائه وكذلك شقيقه إبراهيم يتعامل مع أبناء أخيه كأبنائه بدون تفريق- ويهتم بصلة الرحم . كل خميس ليلة الجمعة يحضر الاجتماع الأسبوعي للجمعية, وكان يسهر لوقت متأخر لدراسة الملفات, وفي صباح كل يوم جمعة لغاية الظهر يقوم بزيارة الفقراء ومتابعة ما يتعلق بأمور الجمعية. ويتناول وجبة الغداء مع جميع أفراد العائلة كغداء جماعي أسبوعي. وفي عصر يوم الجمعة يتواجد بمكتبه في المصنع للتخطيط بشان العمل.

لا يوجد لديه ما اسمه إجازة رسمية أسبوعية أو سنوية في حياته أو سفر للاستجمام فهو لم يسافر إلا للعمل وأخيرا للعلاج.
وكان الحاج قريبا جدا من أبنائه وأبناء أخيه إبراهيم من الذكور والإناث فهو الداعم والمشجع لهم على ممارسة العمل التجاري والخيري. وكان يحب أن يستمع لأرائهم وأفكارهم.
وكان دائما يذكر أبنائه وأبناء أخيه بأهمية النعمة واحترامها والاعتناء بها فالنعمة زوالة ودائما يذكرهم بالحياة الصعبة التي عاشها في طفولته. هكذا كان طوال حياته.

  •  تشكيل مجلس إدارة

وقام الحاج المطرود - ونتيجة دخول شركات كبرى مساهمة في مجال صناعة الألبان والعصائر, وزيادة حدة المنافسة في السوق, وشيوع حالة الدمج بين الشركات ذات المجال الواحد- بالاندماج مع شركة الريف في مجال صناعة الألبان والعصائر. كما قام بإنشاء وتنظيم وتشكيل مجلس إدارة لمجموعة شركة عبدالله وإبراهيم أبناء سلمان المطرود. كما حدد العلاقة بين المجموعة والشركاء في المجموعة, وفي ذلك خطوة استباقية... لعدم حدوث أي مشاكل, وها هي الشركة بعد عام من وفاة الحاج (المؤسسين), المجموعة تسير والحمد لله كما كان يخطط الحاج وأخوه إبراهيم.  وتسعى المجموعة من خلال مجلس الإدارة لتطوير ما هو قائم, وإنشاء مشاريع جديدة.

  • تجارة مع الله

ومن الأمور المثيرة في شخصية الحاج انه لا يتوان في المساعدة والدعم مهما تكون الظروف المادية حيث عنده إيمان بان التجارة مع الله والإنفاق في سبيله هي التجارة الرابحة, كما انه يتمتع بروح التوكل على الله في اتخاذ الأمور والقرارات. فقبل سنوات قرر بناء أضخم مسجد في المنطقة

كاتب سعودي