المجالس الحسينية النسائية .. مجالس ولجان تمتد عبر الزمن

عقيلة آل حريز *
اقرأ للكاتب أيضاً

شهر محرم من الأشهر التي لها حرمة وأهمية خاصة لدى الكثير من الموالين لآل البيت عليهم السلام في مناطق عدة فهم يستقبلونه كموسم خاص يعبرون من خلاله  عن الولاء والحب والمواساة لآل البيت عليهم السلام ، والكثيرون يعدونه مجال واسع للطهارة من الذنوب وتجديد المحبة والعهد بهم عليهم السلام والاستفادة من تعاليم الإسلام وقيمه التربوية ، لذا نرى الناس في القطيف والأحساء والمناطق الأخرى الموالية لأهل البيت يسارعون لاستقباله وحضور مجالسه بكل فئاتهم العمرية وشرائحهم واهتماماتهم وفكرهم، بل يتفقون فيه على أنه شهر يخضع الجميع للعودة لرحاب الدين والالتزام به وحتى الأشخاص الذين لا يشعرون بالالتزام التام دينياً ، فهم يتساوون في التوجه نحو الحضور لهذه المجالس الحسينية التي هي في مجملها مجالس للذكر والعبادة وإعادة بناء الذات وتقوية النفس بالإرادة والإيمان ، كما أن هذه المجالس التي يحضرها جمع غفير من الشيعة والموالين هي عبارة عن ذكر لمصاب سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام بالإضافة لوجود القراءة والمحاضرة التي ترتبط بالمجلس عادة ولا تكاد تخلو منها، وهي تدور غالباً في نطاق ديني أو اجتماعي تربوي وإصلاحي للفرد أو المجتمع .

 وتجري عادة التحضيرات لموسم محرم خاصة لمن يقوم ببرنامج معين قبل مدة تختلف من شخص لآخر وبحسب المجلس المقام نفسه والفئة المستهدفة فيه، خاصة وأنه لم يعد هناك تعامل تقليدي مع الموسم كالسابق، فقد تغيرت أساليب وطرق المحاضرين والخطباء في التعامل مع المواضيع المطروحة فيه حسب الحداثة والجدة التي يواجهها المجتمع والتغيرات التي طرأت عليه لكن الأكيد أن أجواء محرم بقيت كما هي تعبر وبكل إخلاص تعبيراً صادقاً عن الحب و الولاء والمودة بلا حدود لآل البيت عليهم السلام وهذا ما يؤكده الجميع من محاضرين وخطباء أو مستمعين ومشاركين بمختلف فئاتهم .

  •  المآتم الحسينية الخاصة

 لا تعتقد (أم ماجد) وهي سيدة ترعى مأتم حسيني في بيتها طوال العام وفي موسم محرم بشكل خاص منذ أكثر من خمسة وعشرون عاماً أن المجالس الحسينية بدأت تندثر ، فهي في تزايد مستمر بمشيئة الله طالما تواجد هناك موالين ومحبين لأهل البيت لكن الذي تغير هو الأسلوب خاصة ما يسمى بمجالس شبابية أو مجالس كبار ، فالقراءة كما تراها هي نفسها ولكن الفرق لديها يكمن في اختلاف طريقة القراءة نفسها من شخص لآخر واعتياده على سماعها ، وليس للأمر علاقة بقارئة معينة أو خطيبة معينة . بالنسبة لأم ماجد  شخصياً فهي لا تجد أي حرج في زيارة مجالس تقيمها شابات صغيرات ولا الاستماع لهن طالما يقرأن بشكل صحيح وهي تراعي قرب المكان بالنسبة لها فهي في الأخير مستمعة يهمها حضور مجلس الحسين كما ذكرت ونيل الثواب، وإن كانت لم تخفي لنا أسفها على رحيل (الملايات) أو القارئات اللاتي وصفتهن بالقديرات لكن هذا الأمر لا يد لأحد فيه فالتحول لا بد منه. أما بالنسبة (لأم علي) التي توافقها الرأي تماماً فهي تؤكد أن حضور القراءات والمحاضرات والدروس الدينية أمر لا ينقطع من كل محب وموالي فهي تقيم مأتم حسيني في بيتها منذ عامين ورغم تواجد عدة مآتم وقراءات كما ذكرت في منطقة الناصرة (إحدى المناطق السكنية الحديثة في القطيف) ، إلا أنها تعتبر أن ذلك لا يمنع من زيادة المجالس الحسينية ، وتعلق أم علي على الأمر بقولها، هذه بادرة طيبة فنحن نجتمع عدة نساء في بيت إحدانا للقراءة وغالباً ما تكون القراءة وتكاليفها أمراً مشتركاً بيننا .

 

 

المجالس التقليدية

 

المجالس التقليدية وهي التي تعتمد على القراءة من المنتخب ، وقراءة القصيد وهو عبارة عن مراثي (المجالسي) وهذه المراثي خاصة بشهر محرم ، ثم الانتقال للرواية وبعد ذلك ما يعرف بالدور وفيه تكون الردادية واللطميات، وتخلو من المحاضرة إلا أن بعضها استحدثها فأوجد نوع من الإضافة إليها، وهذه المجالس غالباً ما تكون خاصة بالنساء الكبيرات اللاتي اعتدن حضورها وهن عموماً في الغالب يفضلنها على المجالس الحديثة ، لكننا نجد أن هناك فئة من الشابات يحضرنها ولا يمانعن من الاستماع إليها فكما ذكرت (أم زكي جواد) إحدى (الملالي) أو القارئات المعروفات بمنطقة القطيف والتي تقرأ المجالس التقليدية منذ 30عاماً تقريباً ومنذ صغر سنها ، كما أنها خرجت العديد من القارئات والخطيبات من تحت يدها ، فهي تؤكد على أن القراءات باختلافها مستديمة فلا تخلو القديمة من حضور الفتيات الصغيرات كذلك الحديثة من نساء كبيرات  وهناك تفصيلات في الأيام ففي كل يوم يكون هناك قصيد ورواية خاصة به، مشيرة إلى أنه في كل الأحوال الجميع يطلب الثواب بالاستماع والعبرة . 

 

استعدادات مبكرة

 

وعن التحضيرات لأجواء محرم فذكرت  السيدة (نورية أم حسين) راعية لمجلس حسيني كما أنها محاضرة وخطيبة منذ أكثر من عشرين عاماً تقريباً في منطقة (الأوجام) بأن الاستعدادات تجري مبكراً للتحضير للمجالس لكونها قد تغيرت عن السابق فهي لم تعد مجالس تقليدية تكتفي بالقراءة الحسينية فحسب بل صار للمحاضرات وتنوع المواضيع المطروحة أهمية كبيرة في المجلس وتهتم بتجديد الفكرة المطروحة دوماً إلى جانب الولاء والحب لآل البيت، كما أن هناك الكثير من الإدخالات الجديدة التي أدخلت على المجلس كالعرض بالكمبيوتر وجهاز عرض البروجكتر والمشاهد التمثيلية ومواقف من الحياة وغيرها وهي تابعة لتطور الزمن و وسائله فلا يمكن مخاطبة الأجيال الحديثة بنفس الوسائل القديمة ، وتحدثت (أم حسين) عن  التحضيرات التي تسبق محرم فقالت بأنه لا بد من تجمع معين مع مجموعة من المحاضرات والخطيبات وطرح قضايا تُهم المجتمع، وبالتالي مناقشتها بحيث نراعي تجديدها وتنوعها وعدم تكرارها ، وهم يضعوا في اعتبارهم بأن من الحاضرات الشابة والطفلة الصغيرة والمرأة العجوز، لذا هم يحرصوا على مخاطبة الجميع بما يفهمونه ، وعن الصعوبات التي تواجههن ذكرت أنها تتلخص في تغير الأجيال لذا ركزت على ضرورة الحضور والمشاركة بالاستماع وأن لا يكتفي المرء فقط بالاستماع السريع لمحاضرة معروضة في محطة فضائية لكن لا مانع من كونها تكميلية ، وعن برنامجهم قالت أنه يبدأ بزيارة لعاشوراء ثم كلمة محضرة من نصف ساعة بعده مشهد تمثيلي أو اجتماعي من واقعة الطف ثم تأتي القراءة الحسينية أو المصرع وبعده لطمية أو عزاء،  مؤكدة على أنه يهم الخطباء بشكل عام الحرص على التفكير والتطوير للوسائل التي تخدم القضية المطروحة وهذا التفكير والمتابعة الدائبة أمر متعب كما وصفته ويأخذ وقت وجهد طويل، فهو على حساب البيت والزوج والأولاد ومشاريع ومهام أخرى لأن المحاضرة تلتزم بالحضور الباكر وتخرج متأخرة فما بالنا لو كانت مرتبطة بمجالس أخرى ، والبعض منهن نساء عاملات أو معلمات ملزمات بتحضير الدروس والتصحيح للاختبارات ومع ذلك فهن يتحملن المشاق من أجل إيصال رسالة عن فكر هذه المجالس وكيف أنها تهتم بخدمة قضايا المجتمع أولاً وقبل كل شيء، وأضافت أم حسين لنا بأن قضايا التحاور ومحاربة الإرهاب وطرح السلم من القضايا التي لها اهتمام خاص في مجالس عاشوراء لكون قضية الحسين تتركز حول محاربة الإرهاب وعلاج مشكلته قبل 14 قرن ودعت إلى مبدأ التحاور مع الطرف الآخر ونشر التسامح والمحبة على مستوى أولادنا وبناتنا . 

 

لجان نسائية حديثة

 

أما بالنسبة للجان الحديثة في المنطقة والتي تهدف إلى تطوير المجالس الحسينية وإيضاحها وإبراز القضية الحسينية بصورتها الصحيحة، فأفادتنا عضوة من إحدى اللجان المقامة في منطقة سنابس منذ ثلاث سنوات تقريباً أن الاستعداد لبرامج شهر محرم يبدأ مبكراً بحيث يتم التنظيم لها وتفعيل الكفاءات فيها خاصة أن أغلبها ينبثق من حوزات فقهية، وغالباً ما تعتمد هذه المجالس برامج معينة بدمج القراءة والمحاضرة التي تستغرق مدة (45 دقيقة) ويتم فيها مناقشة قضايا معينة عن المرأة بشكل خاص والمراهقين ، بعدها موقف تمثيلي وإن كان قد وجد من قبل لكن محاولة عرضه هنا تكون بأسلوب يحرص على جذب الحاضرات ، مع استخدام وسائل حديثة للعرض ، وأغلب هذه المجالس والبرامج الحديثة تصاحبها تقسيمات لبرامج أخرى تعنى بالصغار مثلاً ، وهم يحرصون على تصوير الشخصيات وتصوير قضية الطف ويستعينوا في ذلك بالكتيبات والقصص وإرسال دعوات معينة للحضور بالتعاون مع لجان أخرى ، مع اهتمام من جانب آخر بالتركيز على شخصيات فرعية كان لها حضور في الواقعة ، وطرح أسئلة ومسابقة يومية يكون عليها سحب كنوع من تشجيع الحضور ، مؤكدة بأنهم لا يعتمدوا على الجانب العاطفي في مناقشة القضية والتعريف بها فقط ، لكن هناك صعوبات تواجههن منها عدم توافر الأماكن المهيأة التي يمكنها أن تخدم اللجنة والحضور بشكل جيد ، مشيرة إلى أن أغلب أسباب النجاح للجان المتواجدة حالياً هو كون القائمات عليها من الخريجات سواء مدارس أو حوزات أو جامعات ومعاهد تربوية أو ممن درسوا دورات معينة ، ونفس الرأي هذا أكدته لنا (أم حيدر) إحدى عضوات (كوكبة باب المراد بمنطقة العوامية) كلجنة حديثة أخذت على عاتقها إحياء أمر أهل البيت بأسلوب جديد مع وجود نفس البرامج المتبعة من قراءة القرآن وزيارة الحسين ونعي خاص بالمصيبة كل ليلة ثم كلمة مباشرة بتقديم غيبي مؤثر بحيث يشعر الحضور بالمعركة وكأنه حاضر فيها، ثم النبذة وفيها قراءة تقليدية للسيرة بعدها عزاء ثم يقرأ دعاء قبل انتهاء المجلس ، وتعتمد لجنة باب المراد والتي تدخل عامها السادس الآن على الكثير من المؤثرات الحديثة التي تستخدم البروجكتر والأضواء والمؤثرات الصوتية والدخان وإتقان متميز للمشاهد التمثيلية التي يتفاعل معها الحضور المتنوع من فئات عمرية مختلفة ، وهو الأمر الذي ميزها كثيراً على لجان أخرى ، ولا تنكر أم حيدر الدور المهم لتعاون اللجان مع بعضها والأخذ منها سواء داخل المنطقة نفسها أو خارجها ، وهم في كتابة نصوصهم وهي قوام عرضهم يعتمدوا على مصادر ومعلومات عدة ، مؤكدين بأن المرء حين يشعر بمعايشته للأحداث نفسها لا يصبح بعيداً عنها ، ويراعوا التصحيح لبعض الروايات والمعلومات المدخلة على عاشوراء بذكرها للناس وإن عرضوها كقصة زواج القاسم من سكينة بنت الحسين عليهم السلام .

 

مستمعات يبدين رأيهن

 

التقينا في هذا الشأن بمجموعة من الشابات ممن يحضرن المجالس الحسينية التقليدية التي تقيمها نساء كبيرات في البيوت وقد وذكرن لنا بأنهن اعتدن على هذا الأمر بسبب عدم وجود بدائل كثيرة خاصة في المناطق الحديثة ، مؤكدات على أنهن يحرصن على حضور المجالس بشكل عام لكنهن لا يجدن مانع من حضور المجالس النسائية التقليدية طالما تؤدي الغرض وتسترجع مصيبة الحسين وهي بالطبع تختلف عن المجالس القديمة بشكل عام. وعن التغييرات التي يجدنها الآن في أجواء محرم عن السابق فقد أكدن على أن الأمر حصلت فيه أمور كثيرة ، وربما قد يكون من الصحيح أن هناك فرق بينهما، مؤكدات على أن محور الحديث عن قضية الحسين هو نفسه لكن الاختلاف متواجد في الطرح ، فالجديد أنه الآن  في المجالس تتواجد أمور تناقش قضايا المجتمع والشباب والمشاكل المستجدة الحاصلة لدينا وتعرض حلول لمشاكل عدة وتبحث عن طرق جدية وفاعلة في مواجهتها. وعن الحضور ذكر البعض منهن بأنه كثيف جداً خاصة في موسم عاشوراء(أي العشرة الأولى من المحرم) فهن يجدنه فرصة لتلقي بعض الدروس والعبر وحضور برامج تربوية ودينية مفيدة (كالصلاة والعبادة وبر الوالدين وترك الخصومة وتقوية العلاقة مع الله والاطلاع على قضايا المجتمع) وتذكر (فاطمة وهي طالبة في المدرسة) بأنها عادة لا تلتزم بحضور المحاضرات الدينية طوال العام لكنها تحرص على الأمر في شهر محرم رغم أنه يصادف أحياناً كثيرة اختبارات ودراسة مكثفة ، لكنها كما قالت يعتبر فرصة جيدة يجب استثمارها في تلقي برامج روحية وتربوية مفيدة.  بينما خالفتهن مجموعة أخرى الرأي معبرات عن أنهن لا يفضلن الحضور للمجالس النسائية خاصة التقليدية منها والتي ترتكز على قراءة السيرة الحسينية بصورة خاصة ودون أن يصاحبها وجود محاضرة أو درس ديني. كما أنهن أشرن إلى كون  القراءة غالباً غير واضحة وتغلب عليها العاطفة فهي تجسد هذا الجانب فقط في حين عللت إحداهن بأن المجالس الجديدة (التي تقرأ السيرة الحسينية بالإضافة لمحاضرة ملحقة أو برنامج ملحق بها قد يصاحبه عرض لمشهد تمثيلي بمؤثرات ووسائل حديثة) تكون أكثر فاعلية وأكثر جذب لهن كما يشعرن نحوها بالتجاوب وهن على كل الأحوال يفضلنها وأضافت أخرى بأن ما يسمى بالمجالس الجديدة تضيف معلومات لنا وحتى لو كان هناك تكرار للقديمة فهي تعطي المستمع تذكير وتحفيز لسماعها لأنها تعرض بشكل متجدد غير رتيب ولا يبعث على الملل من السماع فيتحجر القلب . بينما تؤكد (أم أحمد) وهي ممن اعتدن على حضور المجالس التقليدية بأنها يمكنها استيعاب قضية الحسين جيداً فيها كما أن الأمر لا يخلو من عبرة ودروس وقصص يستفيدوا منها ولم تجرب حضور مجالس حديثة لكثرة الزحام من الفتيات عليها ولكونها مليئة بالحركة التي تقطع التركيز والاستماع لكن لا مانع لديها من حضور مجالس القراءة بشكل عام . 

 

لجان خاصة بالأطفال

بل إن حتى الأطفال صار لهم من يعطيهم اهتمامات خاصة حول قضية الحسين ويوضحها لهم  فقد تواجدت العديد من اللجان المنظمة والمواكب الخاصة بهم في أنحاء المناطق ففي (منطقة الشويكة) كانت هناك  لجنة الإمام الحسن التي تأسست منذ عام 1407هـ وتضم اللجنة الشبابية بالإضافة إلى اللجنة النسائية ..فرقة الإمام الحسن الإنشادية والمسرحية وأيضاً فرقة القاسم بن الحسن للأشبال وموكب العزاء ولها مشاركات فاعلة في العديد من الأماكن والمناسبات وبالنسبة لفرقة القاسم بن الحسن بالشويكة تأسست عام1424هـ تحت مسمى فرقة الإمام الحسن عليه السلام للتمثيل ثم أعيدت صياغتها لتصبح فرقة إنشادية تمثيلية تحت مسمى فرقة القاسم بن الحسن.وتهدف الفرقة إلى غرس حب أهل البيت في نفوس الناشئة والعمل فيما يرسم الصورة الطاهرة لهذه الأرض المحروسة وقد شاركت الفرقة في تمثيليات مسرحية،.بالإضافة للمشاركة في تأسيس مخيم القاسم بن الحسن في الأيام العاشورائية والمشاركة في أوبريت الرقيم ، و إحياء بعض مناسبات أهل البيت (ع ) إنشادًا وتمثيلاً وترتكز نشاطات الموكب في شهر محرم بشقيه الرجالي والنسائي في إقامة مخيم القاسم بن الحسن ومخيم سكينة بنت الحسين للناشئة من( 9 وحتى 14 عاما) وهو يشتمل على نشاطات متنوعة من القراءة الحسينية والمشاهد المسرحية وركن تعلم مع الحسين للأطفال من ( 4 وحتى 6 سنوات ) ومخيم رقية بنت الحسين المكون من أركان للرسم والتلوين والمسرح الحسيني ومسرح العرائس ولهم  نشاطات أخرى في المرسم الحسيني بمشاركة فنانات تشكيليات من كافة نواحي القطيف  . فلم تعد قضية الحسين تعني بكاء وتعزيز لجانب واحد هو التأثر والتعاطف مع القضية بقدر ما هي إظهار جوانب جديدة وإبراز كفاءات وقدرات معينة ومناقشة وحل للمشكلات التي يعاني منها المجتمع ، ففي السابق كان هناك مجلس واحد هو الذي يجمع جميع الفئات العمرية بدون تخصيص لا لعمر ولا لتركيز على جانب تربوي أو ديني واحد ، أما الآن فقد تغيرت أمور كثيرة  وهذا ما أكدته لنا (هبة قريش ) إحدى القائمات على مشروع (المدرسة الحسينية) بمنطقة (صفوى) والتي تأسست قبل (5 سنوات تقريباً) ، فقد ابتدأت فكرة المشروع كما قالت بناء على الازدحام الحاصل في إحدى الحسينيات المتواجدة لديهم (حسينية أم علي مرهون) وهي ناتجة بسبب امتلائها بالنساء والأمهات مع أطفالهم مما سبب تشويش وفوضى وإعاقة عن الحضور والاستماع  للدرس والقراءة ، ومنها انبثقت فكرة تأسيس مكان يجمع هؤلاء الأطفال من سن الروضة وحتى المرحلة المتوسطة وإنشاء برنامج خاص بهم يبدأ التسجيل له كل عام من الأول من شهر محرم برسوم رمزية، وتخصيص برنامج معين لهم طوال فترة محرم ومن ثم  متابعة على مدى العام ، ومن هذا البرنامج يتم التركيز على موضوع معين والحديث عنه حتى الثالث عشر من الشهر بغرض استفادتهم منه، مع تنوع طرق الطرح له بحيث تحصل عندهم حالة إشباع لموضوع معين ويخرجوا بفائدة كالصلاة مثلاً أو مساوئ اللسان الكذب وضده وغيرها ، وهذه السنة سينتهجون بعض القصص مثل (قصص التوابين) فهم يحاولوا  كل يوم طرح  قصة معينة للأطفال والناشئة، وتذكر هبة أن هناك إقبال شديد من الأطفال على المدرسة الحسينية فيتجاوز العدد أحياناً ( 500طفل وطفلة) ، وبالنسبة لاختيار الموضوع فتهتم به كل واحدة من أعضاء اللجنة المؤسسة بالتحضير له جيداً عن طريق البحث والتوثيق من المصادر المؤكدة ، وتشير إلى كون الغالبية من العضوات هن خريجات حوزات أو تربويات وبعضهن معلمات أيضاً ولهن خبرة طويلة في التعامل مع الأطفال وفئاتهم العمرية، محاولين استغلال هذه الفترة بإعطاء الفتيات دورات فقهية لمدة أيام وتتويجهن خلال المهرجان في اليوم الثالث عشر، ويركز برنامجهم على استخراج المواهب القادرة على التمثيل والتي تمتلك موهبة معينة في الصوت والأداء، ويعتمد برنامجهم على مشاركات الأطفال وقراءة القرآن وعرض لقصة من قصص التوابين بعده يتم طرح موضوع محضر مسبقاً  للحديث، ثم عرض لموقف من مواقف محرم  بالتركيز على إعطاء الأطفال صورة واضحة وربطها بالشخصيات الأساسية في الموقعة، وبالنسبة للمنهجية في التعليم فقد ذكرت بأنهم  حريصين على أخذ الحقائق كاملة من مصادرها سواء عن الواقعة نفسها من المشايخ أو من كتب  معتمدة وموثقة ، أما بالنسبة للأمور التربوية أو الدينية كتعليم الصلاة وطريقة أداءها وآثارها وفضائلها عقوبة تاركها، فهي تؤخذ من عدة مصادر وكل هذه الأمور تأتي عن طريق ربطها بالمواضيع المختارة ، مراعين في ذلك الفئات العمرية وبلورة المعلومات بما يتناسب وعقولهم ، كما يستخدمون الوسائل الحديثة في العرض كالبروجكتر والتمثيل والمشاركة والأخذ والتلقي. وتضيف بأن هناك تعاون على الصعيد المحلي بينهم وبين المناطق الأخرى حتى أن البعض أعجبته فكرة المدرسة الحسينية وقرر أن يطبقها ، و المدرسة الحسينية وإن كانت تعمل بمقابل رمزي سنوي بمبلغ لا يتجاوز( 50 ريال لكل طفل طوال العام ) ، فهي إنما تستثمر في مجالات أخرى لصالح البلد ، فريعها يعود لخدمة الحسينية ومصاريفها بالإضافة لمصاريف الأطفال أنفسهم ومن مبدأ شيء مقابل شيء ، فكما ذكرت بأن البعض ليس من السهل عليه دفع أي مبلغ مهما كان بسيط كتبرع ، لكنك قد تسهل الأمر عليه حين يأتي من باب تعليمي وإرشادي لطفله فهو في جميع الأحوال سيستفيد، والشيء اللطيف الذي ذكرته لنا السيدة هبة وهي تعرف عن مشروعهم بأنه في  العام الماضي  زارتهم مراسلة مصرية تابعة لإذاعة (البي بي سي) البريطانية لتتعرف على أجواء محرم في المنطقة وتنقله بصورة حية كما تشاهدها وكانت تسأل عن الموضوع البارز الذي يهتم به الأهالي أنفسهم بشأن واقعة الطف ، وتعلق هبة قريش على الأمر بأن دروس الحسين وآل البيت جميعاً ليست خاصة بزمن محدد أو معركة انتهت لأنها مدرسة لازلنا نستفيد من دروسها حتى اليوم  وهي فرصة لنستفيد منها ويستفيد صغارنا وشبابنا من دروسها بما يخدم قضاياهم الحالية. 

 

الصم والبكم يتعرفون على قضية الحسين

 

 يظهر الاهتمام واضحا بهذه الفئة لدى «أصدقاء الصم والبكم في مسجد العباس في منطقة العوامية» من خلال بادرة أولى وصفها البعض بـ «الممتازة» فهي إن لم تكن الأولى من نوعها لكنها من المؤكد أنها الوحيدة المتخصصة فيها ، خاصة ما إذا كان مجالها يعد أمراً مستصعباً لدى البعض ، بأن تدمج هذه الفئة في المجتمع وتعمل على تحقيق التوافق بينهم وبين من يتعامل معهم فقد انبثقت الفكرة من (الأستاذ محمد أحمد الشيخ أحمد) كبداية ومن نادي السلام بالعوامية ومن منطلق إقامة ترجمات وصفية لهذه الشريحة ودمجها في المجتمع.

 ولم تكن عاشوراء بعيدة عن هذا المشهد فقد استطاعت المجموعة أن يحققوا الكثير فيها فهم لم يعتمدوا على عزل الصم والبكم في أماكن مغلقة وعمل ترجمة وصفية لهم وإنما انتهجوا منهج دمجهم مع أفراد المجتمع جنباً إلى جنب والقيام بالترجمة الوصفية الحية لهم فقد ذكر أن هناك مشاريع قد أقيمت ولكنها كانت في أماكن مغلقة بعيدة عن دمجهم مع القضية نفسها لكن ما يميزهم هو أنهم يعملون على إشراك هذه الفئة مع غيرهم وتفاعلها بصورة طبيعية  .

وبالنسبة للأعداد التي هي آخذة في التزايد فقد أوضح لنا بأنهم أحصوا ما يقارب من (215 صماء) من مختلف المناطق خلال الفترة الماضية . وتعتبر لجنتهم هي الوحيدة التي شهدت هذا النشاط والتزايد في الأعداد ، خاصة وأنهم من ضمن أنشطتهم الفاعلة يقومون بإعطاء دروس فقهية لتعليم الوضوء والصلاة ، بالإضافة لإحياء ليلة القدر وإحياء الموالد الشريفة ، وأول عمل مسرحي خاص أقيم  لهذه الفئة انطلق من هذه اللجنة في عام (1425هـ -1426هـ)

 ويصف (الشيخ أحمد ) شعورهم بقوله بالطبع سعادتنا لا توصف لكوننا استطعنا أن نوصل قضية الحسين لهؤلاء الذين وصفهم بالمحرومين ،  وقد ذكر لنا بأن أول امرأة بكت على مصاب الحسين كانت سيدة تبلغ من العمر (50 عاما) ولكونها لم تكن تعرف غير الرسول والزهراء وزوجها علي وابناها الحسن والحسين الذي قتل ولا شيء بعدها ، وما أبكى هذه السيدة هو أنها لأول مرة تعرف عن وجود علي الأكبر ابن الحسين وأنه قد قُطع بالسيوف قطعاً في المعركة.

وعن سؤاله عن مدى تثقيفهم بقضية الإمام الحسين وطرق بعض جوانب التصحيح لبعض الروايات المتداولة كقضية عرس القاسم وسكينة ، أفادنا بأن عامة الناس لازالت تفتقد لهذا التثقيف فكيف بنا أن نوضح الأمر ونحن في طور التأسيس لهم وبناء قاعدة معينة ، وعن المشاركة للنساء في المراسم والعزاء فقال أنها مشاركة طبيعية فلا تكاد تميز المرأة الصماء عن غيرها وكذلك الأمر بالنسبة لقسم الرجال .

 أما بعض الرجال من هذه الفئة فهم يحضرون المجالس مسبقاً كالعادة  ويشاركون روحياً بحضورهم دون أن يعرفوا أي تفاصيل أكثر عن قضية الحسين ، وقد أتاحت اللجنة التي انبثقت من جهود فردية  للكثيرين على مستوى مناطق الشرقية ودول الخليج أيضاً كالبحرين والكويت الاندماج في المجتمع والمشاركة مع غيرهم شأنهم شأن الأسوياء ، ويذكر الشيخ أحمد بأن هناك دعم مقدم من العديد من الأخوة والأخوات سواء المادي أو  العيني أو بالجهود الشخصية .

 

كلمة أخيرة ..

إن قياس حجم الجهود والعطاء والانجازات المبذولة ليس أمراً سهلاً ، سواء للمجالس التقليدية التي حافظت على تراث الحسين وحملته معها لأجيال عديدة حتى وصل لنا وبالتالي انبثقت منها فكرة مجالس مطورة بإدخال محاضرات دينية وبعدها مجالس مستحدثة ولجان تطور نفسها وتدخل الوسائل الحديثة لخدمة القضية بالعرض والتمثيل الذي يجسد أحداثها وهي الأكثر انتشاراً اليوم ، ومن ثم التفكير بجدية لتخصيص مجالس ومواكب حسينية خاصة بالأطفال وفئاتهم العمرية واستغلال دروس الحسين لتعليمهم أمور الصلاة والأخلاق وغيرها، ومن بعدها تفاجئنا أفكار نيرة جديدة بإدراج فئات خاصة مع القضية الحسينية ودمجها في المجتمع مع سائر الناس لتتفاعل مع الحسين وقضيته ، كل هذه الأمور ما هي إلا حركة واعية مستمرة من نفوس وعقليات شربت حب الحسين عليه السلام وتعلمت من مدرسته ، وعليه إن كنا ننجز الكثير ونحقق المزيد ونطور فنحن أيضاً لا يمكننا أن ننسى الجهود الأولى التي قامت بها المجالس التقليدية ولا يمكننا أيضاً أن نختلف في كل الأحوال وعلى امتداد المراحل الزمنية بأن الجميع هنا مع تعدد التقسيمات وتكثيف الاستعدادات والتحضيرات لشهر محرم فإنه في الأخير الأمر الذي يقيس مدى الارتباط بآل البيت عليهم السلام من مواليهم ويؤكد على مدى الحب والولاء لهم مهما كانت إمكانياتهم ، لكن ذلك أيضاً لا يعني أنه آخر المطاف  فطالما كان هناك ولاء وحب لأهل البيت تنبض به قلوب محبيهم ستبقى مجالس الحسين وستستمر قضيته حاضرة وستبقى أجواءها لا تنطفئ وحرارتها لا تبرد مع زحف الأيام ، "رحم الله من أحيا أمرنا أهل البيت".

كاتبة وقاصة (سعودية )