كربلاءات حسينية و كربلاءات منبرية! (1-2)

اقرأ للكاتب أيضاً
 
كم تشدني مظاهر الشوق و العشق في كربلاء و كم ينتابني شعور تصحبه النهدات أنا المحب للمشاعر المرهفة المنصهرة بين عاشق و معشوق. إني أحب العشق و قصص العاشقين و آنس بقصِّها و قراءتها، و إن كتبت الشعر فإن شعري لا يخلو من جسور أحرف بين عاشق و معشوق، لأن هذا و لي الفخر أجمل و أحلى و أبهى ما تعلمته من الدين الذي ما هو إلا الحب الصادق.
 
أنا أعلم علم اليقين بأن ثمة هنالك من سينبري و بسبب ما أقول ليرشق نيتي بحجارته و يضرب أهدافي بسياطه، و لكني لا أبالي بهؤلاء الذين ينظرون في أغلب المواقف إلى من و ليس ما يقول، فكل مشهور عالم فإن الصحيح و الأمثل متمثل دائما في كلامه و موضوعاته و ما خُلق الصحيح إلا لينطق على لسانه هو أو فارس علمائه وحده.. قد أنتهج الشدة و القسوة نوعا ما، و لكن شدة ما أشعر به من الحرقة جعلت قلمي يؤاخي الحدية أحيانا، فاعتبروني مجنونا و لا تعتبروني غير عالم و حسب و أعملوا (خذوا الحكمة و لو من أفواه المجانين!).
 
  • إغماءات روحانية!
 بينما كنت أتصفح بريدي الالكتروني وجدت رسالة دينية المحتوى كانت قد وصلتني عن طريق إحدى المجموعات البريدية التي كنت قد سجلت فيها سلفا. و لكن ما أهمني في الرسالة هو كونها كانت مرسلة لعدد كبير من المجموعات البريدية، لذلك فقد راودتني رغبتي المعتادة أن أسجل في تلك المجموعات لغايتين أولاهما أن أستقبل رسائل أكثر تحتوي معلومات أكثر إفادة و تواصلا مع مجتمعي و أخراهما أن أتمكن من توسيع مجموعاتي البريدية التي يمكنني أن أراسلها.
 
كان أول ما لفت انتباهي من تلك المجموعات الكثيرة هي مجموعة باسم "شباب القطيف"، و لأن الإنسان اجتماعي بطبعه فقد بادرت إليها أولا راغبا في التعرف على ما يرسل من خلالها و في التواصل مع المشتركين فيها، لذلك فقد وضعت عنوان تلك المجموعة على متصفح الانترنت و فتحت صفحتها، و لكن ما إن وقعت عيني على تلك الصفحة حتى شهقت شهقة عظمى من هول ما رأيت! حتى سمعني بعض من كان حولي و قالوا بتعجب ما حصل لك يا سيد! و يا لفظاعة و قبح ما رأيت!  إنك ما إن تفتح صفحة مجموعة شباب القطيف تلك حتى تُصفع عيناك و مبادئك و أخلاقك و بصيرتك و إيمانك بصورة حيوانية خليعة بشعة تحاول أنياب ذئابها أن تمزق قميص إيمانك لتجرك إلى متاهات منحدرة و إلى التفكير في الوقوع إلى أسفل سافلين، منظر يعين الشيطان بتغطية شهوية و نفسية شديدة القوة و الأثر. حينذاك أخذت أحدث نفسي بهول ما يحيط بصغارنا و مراهقينا و شبابنا إن كان هذا ما يتبناه من يعتبرون أنفسهم شباب القطيف!
 
مباشرة أغلقت فتحة المجاري و الفضاعات القطيفية تلك إلى مجموعة بريدية أخرى باسم "صفوى" ففتحتها و اشتركت بها كوني لم أجد بها ما يخل، أغلت الاتصال بالنت و خلدت إلى هدأة من النوم ليوصلني إلى فجر يوم جديد، لأطوي بعده الأحداث و المهمات و أجري ما أقوم به من روتين يومي و أفتح بريدي الإلكتروني و لكن بحدث غير اعتيادي بوجود 120 رسالة كلها من مجموعة البريد "صفوى"! و أي الرسائل تلك؟ سوى أنها رصاصات و صورايخ و قنابل ترسلها حرامل الشيطان الحيوانية إلى قلب من قال: (...إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي...)، جنود شيطانية مجندة من الصور الحيوانية الماجنة التي ما ورَّثنا الغرب نحن المتخلفون الإمعات من حضارته إلا هيه لنمعن تخلفا و ضياعا و سقوطا في أغوار النفايات!! رسائل بعناوين ماجنة تحرك مارد الشهوة محاولة أن تلتصق على جباه الصغار و الكبار لتزيح عبارات "لبيك يا حسين". مباشرة قمت بحذف تلك الرسائل بكل ألم و حسرة و وجع يعتصر كل مشاعر الثورة الحسينية في ذاكرتي مذكرا بـ (كونوا أحرارا في دنياكم) و بـ (...أريد أن آمر بالمعروف و أنهى عن المنكر...) و (...إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي...)، و توجه فكري و توجهت مخيلتي مباشرة إلى معاشر المنظرين على منبر ثورة الإيمان و الوعي و الأخلاق و الروح و المعنى كيف أنهم يسرفون الوقت بإتخامنا عن الفقه و الأصول و العقائد و البروفيسور الفلاني و النظرية الفلانية و المجرة و الكواكب و الذرة و التصور الديني للصلاة فوق الرمال المتحركة و ما إلى ذلك من سرف فكري لا يحل و لا يؤسس أية مشكلة.
 
  • جهل أم تجاهل؟
 
مباشرة حدثت نفسي مستغربا البون الضخم بين ما يطرحه هؤلاء المنظرون على منابرنا المركزية و ما يحدث من حولهم من هول و أزمات و مشاكل و مجاعات أخلاقية و إغماءات روحانية. ألهذه الدرجة يستفحل الجهل عندهم عما يجري أم وصل عندهم التجاهل إلى درجة لم تعد دماء الضمير التربوي المسؤول تنبض في عروقهم؟!! أهو الجهل أم التجاهل؟ أنا أعلم علم اليقين بأن ثمة هنالك من سينبري و بسبب ما أقول ليرشق نيتي بحجارته و يضرب أهدافي بسياطه، و لكني لا أبالي بهؤلاء الذين ينظرون في أغلب المواقف إلى من و ليس ما يقول، فكل مشهور عالم أو خطيب أو إمام مسجد فإن الصحيح و الأمثل متمثل دائما في كلامه و موضوعاته و ما خُلق الصحيح إلا لينطق على لسانه هو أو فارس علمائه وحده. و هذه هي قمة العصبية التي تحشر أصحابها مع أعراب الجاهلية بحسب الحديث النبوي الشريف، و كل صغير فقير لا حظ له في الشهرة فإن الأصل في كلماته و موضوعاته هو الاعوجاج و الخطأ! هذا النوع من الناس هم بالتحديد الهمج الرعاع الذين حددهم أمير المؤمنين في تصنيفه، فهؤلاء لا يقيّمون ما يقال و إنما يركضون وراء الدعايات و المظاهر و البهرجات و الأبهات، و إني لا أكترث لأمثال هؤلاء من إرهابيي الفكر و الرأي أبدا بقدر ما يهمني أحبتي و إخوتي و أولادي الطيبين الصغار ألا يقعوا فيما هو سحيق و إني أخوض في هذا تخوفا على نفسي أولا و عليهم أن نخلد إلى الأرض و نتبع عولمة الحيوان. قد يلومني بعض أحبتي المؤمنين على حدة قد تصاحب أسلوبي نوعا ما، و لكن شدة ما أشعر به من الحرقة جعلت قلمي يؤاخي الحدية أحيانا، فاعتبروني مجنونا و أعملوا (خذوا الحكمة و لو من أفواه المجانين!).
 
  • لا أخلاقيات إلى أين؟
 
ليست هذه الوقائع و النماذج من الانزلاقات الوبيلة هي فقط ما يتربع عليه الشيطان نحو الإغماء الروحي و لكن هذا غيض من فيض. فما أسهل للشيطان أن يسول للإنسان الحرام إذا كان هذا الحرام قنبلة تقذف مباشرة عن طريق بريده الالكتروني الخاص عبر الانترنت أو جواله الخاص عبر البلوتوث فلا فائدة حينذاك لمدينة تقنية تتولى التشفير، و لربما تقذف القنابل في المدرسة أو السوق أو الشارع أو حتى في واحدة من أقدس البقاع كالمسجد أو الحسينية أو حتى أثناء خطابة الخطيب و تنظيره عن بزوغ الشمس من المغرب على كوكب زحل. و برغم هذا و ذاك لا نجد حتى الآن مؤشرا على استجابة خطبائنا المركزيين ذوي الحضور الكثيف نحو التصدي إلى الإعداد الروحي الوقائي لمجموعة المساكين الصغار و الشباب. و رحماك ربي لو سلم الأفراد ذوي الفئات العمرية الكبيرة ممن قد يصلون بالمسجد في الصف الأول أو الثاني أو الثالث أو حتى من المقربين من الخطيب و من حاشياته أو حتى من المدرسين في الدورات الدينية أو المدارس و لدينا نماذج سيئة عن كل هؤلاء، بل قلما يسلم الناس و أنا منهم من أمراض الرياء و الحقد و العصبية (الدينية، القبلية أو الأسرية) و الحسد و البغض و سوء الظن و القطيعة و سوء الأخلاق إلى درجة أن يختصم بعض رواد المساجد في بعض الأحيان على الأذان في المسجد أو قراءة الدعاء! رغم أن ظاهر ذلك لله، و لكنه بالخصام لا يصمد أن يكون لله فيما لو كان مبتدؤه أصلا لله. فمتى يحين دور التربية الروحية و إصلاح ذات البين نحو المدينة الفاضلة؟ و على من برأي المتصدين يقع نصيب الأسد من المسؤولية؟ أليس على الخطيب و إمام المسجد؟
 
كنا نسمع بأن خليفة المسلمين و أمير المؤمنين علي  كان هو بنفسه من يتصدى لتربية الناس رغم أن منصبه يتطلب منه كثيرا من عدم التفرغ! و أنه هو الأجدر بالتحدث عن كل العلوم من أقطار السماوات و ما هو أعظم و أقل و هو الذي قال: (سلوني قبل أن تفقدوني!)، و برغم كل علمه و إحاطاته فقد ألزم نفسه بالحديث عن التربية الروحية و المعنوية و ذكر الموت و صناعة الأخلاق و الفضائل، و لم يهتم بالتنظير الثقافي و الفكري كثيرا إلا مع خواص أصحابه الذين تلقوا بعض علومه على شكل دروس لا على شكل خطابة، و هذا ما حصل حينما علم أبا الأسود الدؤلي علم النحو، و من هنا فقد ركز خليفة النبي ص على التهذيب و التربية خصوصا لكون الدور خطابيا، فلو كان تدريسيا لكان كدور الإمام الصادق الذي لم نسمع بأنه ارتقى المنبر العام و أخذ يدرس الكيمياء و الفقه! و لكن منهجه كان تدريسيا للطلاب الذين هم من خواص الناس الذين يريدون هذه العلوم و يتخصصون فيها و ليس من عوامهم و كان في حلقات متخصصة و خاصة! فما هو الأهم و ما هو المهم عند أمير المؤمنين؟ و أي عذر للخطيب الحسيني و إمام المسجد عندما يختار التحيز إلى تخصصه العلمي الفقهي و الثقافي على منبر عام ليهمل الدور التربوي التهذيبي المعنوي مقدما المهم على الأهم الذي هو حاجات المرضى الذين لا يحسنون تشخيص علاجهم فيما لو اختار سؤالهم عما يشتهون من الموضوعات؟!! و المصيبة أن طرح بعض الخطباء صار مؤطرا و محصورا في موضوعات ردات أفعال على ما يثيره الآخرون في صورة دفاعية بحتة بعيدة عن سبر أعماق و آفاق و جماليات الدين، فقد لوحظ في كثير من الأحيان أن موضوعات بعض مرتقي المنابر العاشورائية ليست إلا مجرد موضوعات مختارة من مجلات ثقافية و ما إلى ذلك و كأن شهر المحرم و قضية عاشوراء مسألة ثقافية!! فهلا ننصف القضية الحسينية هوينا؟.
 
  • جرعة معنوية يتيمة و جرعات ثقافية
 
عندما ننتقد بعض هؤلاء الخطباء أو أئمة المساجد فإنهم يقتنعون بما نقول و لا يدافعون عن وجهات نظرهم بنفي نقدنا أو عدم قبولـه، و لكنهم يطعمون بعض الليالي من عاشوراء المحرم بقليل من الموضوعات الروحية الهزيلة المتواضعة، و هذا لا يجدي أبدا بدليل أسلوب القرآن الكريم في ذلك عندما نلاحظ بأن أغلبه قصص وعظية و تربوية و تذكير بالعالم الآخر و هدف خلقة الإنسان -الذي هو الوصول إلى الفضيلة- و الاكثار من عبارات (واتقوا الله) و ما يشير إليه بالعبارة: (و ذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين)، و إن أغلب القرآن كذلك و إن أقله هو آيات الأحكام و الفقه. أنا لا أتكلم عن جرعات روحية يشذ بها الخطيب عن ديدنه الثقافي الفكري البحت، لأن هذا الأسلوب لا يجدي إلا على المدى المؤقت و الشاذ عن روتين الحياة تماما كشذوذ الموضوع نفسه عن العادة و الديدن لدى الخطيب. إننا نحتاج إلى مشروع روحاني معنوي عرفاني يكون هو الأساس و الديدن و يكون الطرح الفكري و الثقافي البحت هو الشطحة و الخروج عن الديدن و خصوصا على المنابر العامة و في عاشوراء الحسين ع، فيجب أن يكون الطرح المعنوي هو الغالب و الطرح الفكري هو المغلوب و خصوصا في مناسبات أسستها مشاكل معنوية مثل عاشوراء الحسين ع، و أنا أراهن على النقاش في كونها كذلك. لماذا هذا الإصرار من الخطباء على طرح ما يناسب أمزجتهم أو ثقافاتهم أو اهتماماتهم؟ لماذا هذا التجاهل اللامسئول لمآسي و ضياعات و آلام هذا الجيل المبتلى بمآزق و عقد الشهوات و المغريات؟ لماذا لا يسمع هؤلاء الذين لم يعيشوا مثل هذه الآلام و المغريات في عصرهم لما نعانيه نحن الشباب من جنود الشياطين الغوغائية في عصرنا المعولم لقيم الحيوان؟ أولسنا نعيش معهم في عالم واحد؟ أولسنا شيعة للحسين و لنا الحق أن نكون حبيبا و زهيرا و وهبا؟ إلى متى يضل أهل المنابر على طريقتهم الثقافية الفكرية المعزولة عن أمراض الشارع و تربيته و سموه و تكامله؟
 
كنا نسمع و ندرس في الثانوية القانون الفيزيائي المعروف (لكل فعل ردة فعل مساوية له في المقدار و معاكسة له في الاتجاه)، و ها هو المارد الغربي الحيواني الشيطاني العولمي يفعل فينا ما يفعل من انتكاسات و تخلف عن صراط الله و يقوي الضربات و الوسائل و الأساليب ليعاون الشيطان ضد الصفاء و الإيمان و الحسين ع، فأين ردة فعلكم يا من ارتقيتم منابر سيد الشهداء؟ منابر الذي ما خذله و قتله و قطع رأسه إلا عبادة الناس للدنيا فكان يقول: (كونوا أحرارا في دنياكم)، لماذا لا تحاولون ردنا إلى الله كلما حاول الغرب خطفنا عنه؟ إنا لا نرانا إلا أن الشيطان مستوحد فينا يجتذبنا دون مطالب فينا ليحررنا من الأسر نحو الله و كأننا أيتام بلا عشيرة!