الحركات الإسلامية و المجتمع

 

 ما إن يبلغ الإنسان سن الرشد حتى تخطو قدماه نحو تيارات الهواء الحارة منها والباردة، فالنضوج الفكري يحتاج إلى بيئة لصقل هذا العقل فلا يمكن للإنسان أن يضع نفسه في بيئة إلا ويكون عالماً بخلفيات فكرها وعملها، فلا يمكن له أن يضع نفسه ونتاجه العملي والفكري في بيئة مغايرة لتفكيره وأهدافه، كما لا يمكن أن يضع نفسه وهو في سن الرشد في بيئة غامضة الأهداف وسرية الأساليب.

     فلابد للإنسان أن يصنع ويُعَبِّد مسيرة حياته، فلا يتركها للرياح ترمي بها أين شاءت، فلا مجال للصدف في مسيرة حياة الفرد كما لا مجال للصدف في مسيرة المجتمع، وكما يحتاج المجتمع إلى قيادة تقوده إلى بر الأمان كذلك يحتاج الفرد إلى قيادة ذاتية تبحر به في وسط الأمواج العاتية مخترقة كل الصعوبات وكل الأوهام التي تشل طاقات الإنسان وتجعله عاجز عن مواجهة الصعاب.

فالحركة الإسلامية التي تجعل من الفرد مولداً للطاقة التي يسير بها المجتمع هي حركة التغيير التي ينبغي على المجتمع الترحيب بها، فكل حركة تخلص النية في تغيير المجتمع إلى الصلاح وتُصيّر نفسها وأفكارها وعملها لخدمة المجتمع هي الحركة الأفضل، أما من يجير المجتمع وأموال المجتمع ورجالاته لخدمته الشخصية والصعود على أكتافهم إلى نجومية الإعلام والتقرب إلى الأعلام فهذه حركة ستتخلخل في يومٍ ما (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) سورة الرعد.

    ومن الطبيعي وبحسب مراحل الحركات تمر الحركة في مرحلة الجمود التي تتبع مرحلة الثورة، فينبغي على الحركيين استغلالها عملياً لإعادة الروح للعاملين وسد الثغرات التي تضعف الحركة وبالخصوص إعادة الثقة للمجتمع الذي عادة ما يكون ينتظر أمل إشراق الشمس من جديد، وعادة ما يغفل أبناء الحركة عن معالجة الأخطاء التي تمر بها الحركة وخصوصاً ما يرتبط بالجماهير وذلك لانغماس الحركيين في محاسبتهم لأنفسهم وأقرانهم، ولذلك فالحركة تحتاج إلى منظرين تتوافق أفكارهم ونظرياتهم مع تفكير وقناعات العاملين لكي يسهل الانسجام بين الجميع،وهذه هي مسؤولية القياديين في الحركة على حسب التدرج القيادي فعليهم أن يسدوا الثغرات بين العاملين و التنظيريين وأن يخرسوا الأصوات التي تبعد المسافة بينهم، لأنه لا يمكن أن تقوم حركة منظمة بعمود واحد دون الآخر، فلا يمكن للحركة أن تتابع المسير برجل واحدة.

  هل مجتمعاتنا بحاجة إلى حركات أو تجمعات..؟

   من الطبيعي بأن المجتمع يحتاج إلى تغيير إيجابي لتراكم العادات والتقاليد الدخيلة عليه من الأوساط الأخرى فالمجتمعات النيرة لابد وأن يكسوها الظلام في يومٍ ما، فلابد وأن يخرج من هذا المجتمع فئة تقاوم هذا الظلام وتحاول دفنه ونشر النور محله(فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) سورة التوبة

ومن الأسس التي ينبغي على الحركة الاستناد عليها هو العلم الذي تتفرع منه الحركات بحسب الفكر والمنهج الذي تستلهمه و تؤمن به، فالمصدر يكون واحد ولكن النظرة العملية  تكون مختلفة في أغلب الأحيان، وفي الواقع مجتمعاتنا ومع الصراعات الموجودة تحتاج إلى تنوع الأساليب في معالجة قضايا المجتمع ولهذا فنحن نحتاج إلى تعدد الحركات الإيمانية التي يكون هدفها رضاً لله سبحانه وتعالى لكي يستطيع أبناء المجتمع بناء صرحهم الفكري ليسهل عليهم اختيار الأفضل من بين الحركات الإيمانية أما الحركات الموالية للطاغوت أو التي تستخدم الأساليب الغير شرعية فهي بعيدة كل البعد عن المنهج الإيماني وإن تغطت بغطاء مفردة من مفردات الدين فعلى المجتمع الإبتعاد عنها لبعدها عن الجانب الإيماني.

 واليوم حيث تحضى الشعوب بحرية كبيرة في تقرير مصيرها فلا تجرأ الأصوات المعادية لمثل هذه الحركات بالبروز على الساحة ولكنها قد تغلف أفكارها  بغلاف التهور أو غلاف الوقت أو أي غلاف وقد تعلن الحرب عليها بأسباب وهمية ولا يكون ذلك إلا تعبيراً عن الضعف الإيماني الذي يعيش فيه مثل هؤلاء.

نسأل الله أن يلهم المجاهدين الصبر ويجعلهم ممن يتواصوا به وأن يجمع شملهم ولايفرقهم ابدا إنه سميع مجيب.