يوم القدس .. لماذا؟؟

يوم القدس  يوم من أيام الله .. فأولى القبلتين وثالث الحرمين قدسيتُها فُرضَت على المسلمين لكثير من الأسباب التي تتعلق بالله تعالى ومنها : أنها كانت قبلة المسلمين منذ بدء الدعوة حتى الشهر السابع عشر من إقامة النبي في المدينة ، فأمَرَ الله النبيَ أن يوجهوا وجوههم شطرَ المسجد الحرام ، بعد أن قال السفها ء من الناس ( مَا ولاَّهُم عَن قبلتَهم الَّتي كانوا عليها ) فعَظُم ذلك على رسول الله وراح يقلِّبُ طرْفيهِ في السماء فجاءه النداءُ الإلهي ﴿قد نَرَى تقلُّبَ وجَهك في السَّماءِ فلنولينكَ قبلةً تَرضَاهَا ، فَولِّ وجَهكَ شطرَ المَسجدِ الحَرام . ومنها : أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يُكرمَ حبيبَه المصطفى ويرفعه إليه ويُريَهُ من ملكوتِ السِّماواتِ وهي مكرمة أختص بها اللهُ نبيِّهُ محمداً فأسرى به في يوم السبت من السنة الثانية عشرة من مبعثه ( 17 رمضان ) من مكة المكرمة الى بيت المقدس ، ومن ثم عُرج به الى السماء السابعة ليرى ما لم يره أحدٌ من قبلهِ من الأنبياء أو الرسل ، والذي يَجدرُ بهِ أن يُذكرَ أنَّ الله أرسل (البُراقَ) الى نبيه ليمتطيه في إسرائه ثم أرسل إليه ( جبرائيل ) ليضعه على جناحيه ويعرج به الى السماء ، وهذا درسٌ عظيم من الدروس التي يراد للمسلمين أن يتعلموه من حادثة الإسراء والمعراج حيث أن في وسع الله أن ينقل نبيه ( دون واسطة ) فيستعمل ( أمره ) الذي إذا أراد أن يقول للشيء ( كن فيكون ) لكنه جلَّت قُدرته حمله الى بيت المقدس على ( البُراق) .. وهي راحلةٌ أكبر من الحمار وأصغر من البغل ، ليقول للمسلمين أن كل شيء يجب أن يكون بسبب ، حتى لون كان الأمر يتعلق بمشيئته فكيف إذا كان الأمر يتعلق بأمر دنيوي كالصراع مع الأعداء ( فأعِدُّوا لَهم مَا استطعْتم مِن قوةٍ ومن رباطِ الخَيل تُرهبون بهَا عَدوَ اللهِ وعدوَكم) . ومنها : أن القدس كانت ( قضية مركزية ) للمسلمين لمئات من السنين ، وقد تناوبوا على السيطرة عليها مع أعدائهم من الصليبين ، حتى أصبحت تشكل محورا مقدسا وشغلت وجدان المسلمين أثناء فترة الصراع عليها ، حتى اتخذ هذا الصراع منحى أكثر خطورة في القرن الماضي عندما دخل ( اليهود ) على حلبه الصراع واختطفوها من أهلها بأيدي الصليبين وأعلنوها عاصمة لدولتهم المزعومة، عندها أصبحت القدس ليست مجرد ( قضية ) بل أصبحت تحدٍّ لوجودهم  و(بارومتر) على حُسنِ أدائهم في صراعهم مع الآخرين ، بل دليلاً على ضعف أهلها من المسلمين ومدعاة لتكالب الأمم علينا وخاصة بعد أن اكتشف العالم أن منطقة الشرق الأوسط هي المدخل للعالم وأن مدخراتها وخيراتها يسيل لها لعاب الجميع وأن في وسع أهلها إذا ما أتيحت لهم حرية استغلالها مع حسن الأداء والوحدة وإشاعة الثقة بين أهلها أن يمنعوا العالم من أن يتحكم بهم ، بل أن في مقدورهم أن يتحكموا بالعالم .

بين هذه القدسية التي للقدس والمقدس في قلوب المسلمين و بين أنظار الطامعين  إليها ولمن حولها يكمن الخطر الأكبر. لكن كيف عمل أهلها على  إدارة (ماكنة الصراع) ؟ وماذا فعل الطامعون بعد أن أدركوا أن في مقدور ( قدسية القدس ) أن تستنهض الهمم وتدفع بالمسلمين الى (تمسك عنود) قد يقود الى ( حرب ضروس )  وخاصة أنهم علموا علم اليقين أن الإيمان بالقدس هو جزء من الإيمان بالإسلام إذ ليس من السهولة أن تفصل بينهما أو تنزع أحدهما وتبقي الآخر في قلب أي مسلم وخاصة السنة والشيعة .

عندما نجحت الثورة الإسلامية الشيعية في إيران سنة 1979، شعر المسلمون جميعا أن كبرياء أمريكا قد هُزمَت في المنطقة ، وأن نشوة النصر التي استشعرها المسلون في إيران قد قادتهم الى إلحاق هزائم أكثر بكبرياء الغرب الصليبي في المنطقة فعمدوا الى  تبني ( القضية الفلسطينة ) والتي تعتبر لدى أمريكا وأكثر دول الغرب خطوط حمراء لايمكن المساس بها ، ومن أجل أن يعيد المسلمون ثقتهم بأنفسهم بعد هزيمة 1967  وفشلهم في كسر شوكة إسرائيل في حرب 1973 أعلنت إيران بعد نجاح ثورتها تحويل سفارة ( إسرائيل ) في طهران الى سفارة ( لفلسطين ) فكانت تلك السفارة الأولى في العالم لفلسطين ، ثم عمدت الى دعوة ياسر عرفات ليتكلم في طهران من خلال منبر صلاة الجمعة وفي تلك الصلاة التي حضرها مايقرب المليون من المصلين فتحت التبرعات للقضية الفلسطينية وأسرع الإيرانيون الى بذل ما في وسعهم وأسرعت النساء الإيرانيات الى نزع حليهن وقروطهن وما حملن من ذهب دعماً لقضيتهن ( قضية فلسطين ) ، لقد أثار ذلك اليوم المشهود غضب الصهاينة والغرب ، ولم يكتف ( الإمام الخميني ) بذلك فقد أعلن أن آخر جمعة من شهر رمضان هو (يوم للقدس) تقام به المسيرات في إيران وفي كل البلاد التي يتواجد فيه المسلمون الشيعة على أمل أن يستجيب السنة في بلادهم للإحتفال بذلك اليوم وقد استجاب فعلا بعض الفلسطينيين لذلك.
 إن هذه الإلتفاتة الذكية استطاع المسلمون من خلالها جلب انتباه العالم  و للتذكير بأهمية قضية القدس وهي رسالة الى كل العالم من أن القضية الفلسطينية التي ينظر إليها العرب على أنها قضية هامشية هي لدى المسلمين الآخرين قضية مركزية غير قابلة للمساومة أو التهميش أو النسيان . لقد دفع الإيرانيون ثمن هذه الخطوات المهمة من أجل القدس وأهلها ، وضمَّها الأمريكيون وحلفاؤهم الى المواقف الإيرانية الأخرى التي أقدمت عليها ( الثورة الإيرانية ) ، فكانت أول عقوبة تلقتها إيران هو أن الغرب دفع ( بصدام ) ليشن عليها حرباً ضروس دامت ثمان سنوات ، ولم يكتف الغرب بذلك إذ عمدوا الى حلفائهم في المدرسة ( السلفية ) ليشككوا بإسلام الشيعة فراحت الفتاوى تترى على كفر الشيعة من ثلاث مراكز للوهابية والسلفية في العالم ، الأول مشايخ جامعة الملك عبد العزيز في السعودية والثاني من مركزي الوهابية في ( بنارس ) و(لكنو) في الهند حيث يوجد هناك مركزان كبيران للوهابية في شبه الجزيرة الهندية . واستطاعت هذه المراكز الوهابية من خلال مشايخها والإمكانات البترولية الضخمة في السعودية وبدفع من الصهيونية وأذنابها من أن تخلق مدرسة لها أبعادها وطلابها في كل العالم  شغلها وشاغلها هو تكفير الشيعة ومحاولة إبعادهم عن مذاهب المسلمين الآخرى .

الذي يؤسف أن هذه المدرسة استطاعت أن تجد لها مواقع قوية في الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي وفي فلسطين بالذات الأمر الذي يضر بالقضية الفلسطينية ويفقدها أخلص المدافعين عنها ، وكلنا نشهد اليوم أن المسلمين الشيعة مازالوا يحتفلون في يوم القدس الذي مرت ذكراه يوم أمس الجمعة ، وفي ذات الوقت نجد أن المسلمين العروبيين والذين يتشدقون بالقومية في الدول العربية يسارعون الى إقامة العلاقات الوطيدة مع إسرائيل ... ولذا أنا ارى أنه من الواجب الشرعي والحرص على القضية الفلسطينية ومن أجل منع التداعي الخطير الذي أصابها نتيجة للتخاذل العربي ونتيجة للمؤامرة الكبرى التي اشتركت فيها الدول العربية والتي حولت القضية الفلسطينية من قضية للمسلمين الى قضية عربية ومن ثم فلسطينية داخلية ، أرى إن المشايخ الإسلامية الفلسطينية والتي تتحدث بلغة الوهابية التكفيرية إنما تشارك بصورة فعالة في تمرير المؤامرة الغربية اليهودية في حصر القضية الفلسطينية بين إسرائيل والشعب الفلطسيني بعد أن كانت قضية كل العرب والمسلمين .
وأحب أن أطمأن شعبنا الفلسطيني أن المسلمين الشيعة ليس أقلَّ حرصا منكم  على ضرورة إرجاع فلسطين الى أهلها ، وكلكم تشهدون الصراع الحالي بين إيران وبين الغرب والذي تكلل أخيرا بتصريح جريء للرئيس الإيراني من ( أن إسرائيل يجب أن تُمحى من الخارطة) واعلموا أن هذا الموقف هو موقف صادق وليس كما يصوره السلفيون والتكفيريون من أنه صراع كاذب لتبقى الشبهة قائمة في عقول الفلسطينين ، وأنا عندما ابين هذه الحقائق لا أريد أن أدافع عن إيران بقدر ما أريد أن أبينها حيث يحاول أعداء القضية الفلسطينية والذين يتمشدقون بالإسلام أو العروبة طمسها ( علما أن للحكومة الإيرانية الكثير من المواقف السلبية إزاء القضية العراقية الحالية وأن الشعب العراقي له موقف واضح رافض من تلك المواقف ، ولكن لغة العقل والمصلحة المصيرية تجعلنا كمثقفين نسارع في الفصل بين الصالح والطالح وهذا ما أريد أن أصله لأبناء شعبنا الفلسطيني وخاصة المثقفين منهم ) وأنا واثق من أن محاولات التشكيك التي تصدر عن بعض وسائل الإعلام الفلسطيني وخاصة الإسلامية منها  بالذات هي فقط تأتي نتيجة لتأثر البعض بالدعاية السلفية التكفيرية المتأثرة بالمدرسة الوهابية أما الليبراليون والإسلاميون المعتدلون وحتى المحافظون منهم فإن مواقفهم من إخوتهم المسلمين الشيعة في العراق وإيران واضح وهذه المواقف صدرت نتيجة لوعي وفحص دقيق لمواقف المسلمين الشيعة من قضيتهم الفلسطينية وهذه المواقف صادرة عن وعي سياسي لما يحصل في المنطقة وهي صادقة لأنها مجردة من أي نفس طائفي أو عنصري كما هو حاصل مع المواقف الوهابية والتي تسعى أن تفرق بين المسلمين الشيعة والسنة حتى لو تطلب ذلك الإضرار بمصالح المسلمين ومنها قضية فلسطين.