بين الحواسم والحوازم

واحدة من الظواهر الاجتماعية السلبية العديدة التي خلقها وخلفها النظام الصدامي السابق هي ظاهرة ( الحواسم) والتي نعني بها عمليات السطو والنهب والسرقة. لقد تعمد النظام السابق ,وفي اطار خطة جهنمية مدروسة وبدقة, استدراج شرائح واسعة من ابناء المجتمع العراقي الى مستنقع السرقة واللصوصية تحت ضغط الحاجة والفاقة والعوز التي تسببت بها سياسة النظام الرعناء والمتخبطة.

لقد استهدف النظام ومن خلال خطة محكمة شخصية الفرد العراقي بقصد مسخها  من خلال تفريغها من كل القيم والمبادئ والمثل الانسانية والاخلاقية والدينية كي يسهل اختراقها ومن ثم تسخيرها والتحكم بها كيفما يشاء,ومن هنا جاءت (الحواسم) كأنعكاس لتلك السياسة الخبيثة والتي اوجدت قطعان ومجاميع من البشر لا يجيدون سوى اللصوصية والنهب بأحتراف .

 ورغم الجهود الكثيرة التي بذلتها المؤسسة الصدامية التخريبية في صنع هذه الظاهرة  الا انها لم تستطيع تأصيلها في المجتمع العراقي  ولا تحويلها الى قانون يحكم حياة العراقيين او يتحكم بها. حيث استطاعت شرائح واسعة من الذين تحولوا الى مصاديق لهذه الظاهرة التخلص منها بوقت قياسي دل على اصالة الفرد والمجتمع العراقي وعودته الميمونه ولو تدريجيا الى اصوله وتقاليده العربية واعرافه  الاسلامية الكريمة .

واذا كان النظام السابق المسبب لـ (الحواسم) بارادة ووعي ومع سبق الاصرار والترصد, فأن النظام السياسي الحالي الجديد أفرز ظاهرة جديدة وخطيرة بل أكثر خطورة من ( الحواسم ) هي ما يمكن تسميته بظاهرة (الحوازم) نسبة الى وزير الدفاع السابق في حكومة الاخضر الابراهيمي والتي اعقبت حكومة بول بريمر والمتهم _اي الوزير_ بسرقة مليار دولار خلال فترة توليه الوزارة. ان هذه الظاهرة تمثل من وجهة نظرنا المتواضعة نقلة خطيرة في الواقع السياسي العراقي وفي السلوك الاجتماعي.

وقبل  الولوج لسبر اغوار هذه الظاهرة المرعبة ومقارنتها بظاهرة (الحواسم) لابد من التأكيد على ان (الحوازم) تمثل  انعطافة سلبية خطيرة بدأت تعيشها  أغلب القوى السياسية العراقية المتنفذة وتتعاطى معها بشكل يومي وعلى أعلى المستويات.

وفي الحقيقة شكلت (الحوازم) في نظرنا ردة قيمية في المثل السياسية التي نادت بها تلك القوى طوال معارضتها لنظام صدام البائد لتشكل في النهاية صدمة للطبقات المحرومة من المجتمع العراقي الذي كان يرى في تلك القوى المخلص والمنقذ والذي قُدر له الانتقال من الواقع البائس الذي مثلته (الحواسم) الى الواقع المر الذي تعكسه ( الحوازم) والتي جاءت على صهوة الديمقراطية الموعودة. انه قدر العراقيين التعيس ان يعيشوا بين (الحواسم) و(الحوازم).


نترك (الحوازم) تعرف نفسها بنفسها من خلال مقارنتها بـ (الحواسم) فاذا كان البؤساء والفقراء والعاطلين عن العمل والمحرومين من ابناء الطبقات المتخلفة اقتصاديا  رجال(الحواسم )  , فان ( الحوازم) ابطالها رجال من علية القوم ومن النخب السياسية ( المناضلة) حد التخمة من اجل البؤساء على حد ادعاءاتهم, من وزراء ووكلائهم ومن مدراء وسفراء العهد الجديد والقديم .واذاكانت المواد العينية من اجهزة كهربائية او اثاث منزلي او قطع غيار وغيرها  لا تتعدى قيمتها في احسن الحالات مئات الدولارات تمثل غاية اللصوص في ( الحواسم) فأن الملايين بل المليارات كما كشف عن ذلك مؤخرا تقرير (مفوضية النزاهة) والعقود المليونية المزورة وناقلات النفط المهربة والاشباح التي تتقاضى الرواتب من دون ان يكون لها وجود في الواقع سوى حبر على ورق , والمساحات الشاسعة من اراضي الدولة التي تم الاستيلاء عليها من قبل المتنفذين من دون حسيب او رقيب او تم شراؤها  برخص التراب دفعا ً للاشكال (الشرعي)  وغير ذلك من طرق النصب والاحتيال ومن السرقات الكبرى المنظمة و(المشرعنة) والمحسوبية كل ذلك يمثل مادة وغاية رجال ( الحوازم)  اذ على قدر أهل العزم تأتي (الحوازم).وما المعلومات التي كشفها وزير المالية والدكتور احمد الجلبي عن ضياع 36 مليار دولار منذ عهد بريمر حتى الانتخابات واستلام الحكومة الحالية الا كارثة حقيقية حاقت بالعراق والعراقيين.

ياله من انقلاب خطير, لصوص عاديون من ضحايا (الحواسم) يتوبون ويستقيمون ,ومناضلون (ملتزمون) عادوا الى العراق صفر اليدين لا يملكون شروى نقير سوى تاريخهم (النضالي) المزعوم يتحولون بفضل (الحوازم) الى مليونيريين  لصوص.  

المحزن في الامر ان الصحافة البغدادية الرسمية التابعة للحكومة وشبه الرسمية الناطقة باسم الاحزاب المؤلفة للحكومة مشغولة الان بفضيحة (المليار) دولار التي أختفت  من وزارة الدفاع السابقة التي كان يديرها حازم , والواقع ان في كل الوزارات الحالية  الف حازم وحازم وهذا ما كشفه تقرير القاضي اللاراضي عن اداء تلك الوزارات راضي الراضي  ولنا معه وقفة عن قريب  .