العزاء إسلامي الأصل .. وخروج الشيعة على الجسر رفض للطغيان

 تعليقا على موضوع الكاتب حامد الحمود :

نشر الكاتب حامد الحمود مقالاً بعنوان (فاجعة جسر الأئمة وظاهرة العزاء الشيعي ) وذلك في عدد الحياة 15506 والصادر يوم الأربعاء 10 شعبان 1426هـ

وخلاصة ما أورده التالي:

1. إن فاجعة جسر الأئمة تخيم على ذهنه وعواطفه.

2. إن تمني الشهادة للأموات لايمنع توجيه النقد لمن شجع ويشجع المبالغة في هذه المظاهر العاطفية.

3. إن التهاني بالاستشهاد، فد تغطي التهرب من المسؤولية.

4. إن جموع الشيعة لم يكافئوا منذ سقوط النظام إلا بالمشاركة في المواكب الحسينية.

5. يحث الكاتب العراقيين على الحماية والبحث عن الأسباب الحقيقية لمحنة الشيعة في العراق.

6. إن البحث عن الجذور التاريخية لبعض الممارسات قد يساعد على فهمها.. والتخلي عنها، ليكن التعبير عن حب آل البيت بوسائل أخرى.. إذ أن أهل البيت لايريدوا الضرر لمحبيهم.

7. وجد في رواية «امبرتو ايكو» تدعو أصحابها للتجمع وسط المدينة وضرب أنفسهم على الصدور كما يفعل الشيعة.

8. قرأ احد كتب احد المفكرين الإيرانيين ووجد أن احد حكام الدولة الصفوية جاء ببعض الطقوس والمراسم الخاص بالمناسبات الدينية، مستعينا ببعض الملالي لإجراء بعض التعديلات، لتصبح صالحة للاستخدام.

9. لم تكن هذه موجودة في الفولكلور الشعبي الإيراني.

10. هناك بعض الفضائيات تريد تحويل أشهر السنة إلى أشهر حزن وعزاء، حتى ان الهوية الشيعية اختزلت بممارسة اللطم.

  •  ممارسة النقد:

بداية أود أن اشكر الكاتب حامد الحمود على إبداء رأيه بصراحة ووضوح، وهذا نقد وتعبير عن الرأي نود أن يمارس في عالمنا الإسلامي بشكل كبير وواسع، فالإنسان بعد أن يبدي وجهة نظره يسمع الآخرين فإما أن تتعزز قناعته، أوتعدل هذه القناعة، أو تنفى من خلال وجهة نظر الآخرين.

أما المظاهر الدينية العاطفية، ومنها العزاء على الإمام الحسين فهي شعائر ومناسبات حزينة يعبر فيها أتباع مذهب أهل البيت عن حزنهم، واعتراضهم على طغيان السلطات الحاكمة في كل زمان ومكان ضمن فلسفة الحزن والعزاء.. وقد كانت متمثلة في ذلك الوقت بيزيد بن معاوية، حيث كانت هذه السلطات تمثل الخروج عن خط الإسلام، ومكافأة سنمارية لأبناء نبي الأمة الذي أنقذ الأمة من سباتها.. وينطوي ذلك على انتهاك حقوق الشخصية المسلمة بحرمة دمه وماله وعرضه.

وفي هذا الصدد أدلة كثيرة بوجوب إحياء هذه الشعيرة عن طريق الأحاديث الكثيرة والمتواترة من أئمة أهل البيت .

لكن الشيعة لايعتبرونه أصلا، ولا شرطا من شروط الإسلام، ولا المذهب، وهذا العزاء مر بحقب تاريخية طويلة ومتناقضة إلى أن وصل إلى تاريخنا الحالي.. ومثله مثل كثير من العادات والممارسات في المجتمع الإسلامي، تعرضت للأخذ والرد والتطوير والتحريف، إلا أن الأساس هو ماورد من إباحة البكاء وتذكر المصيبة، واللطم على الصدر دون إيذاء للنفس.. وما زاد عن ذلك فهو تطوير وتنظيم ومعاصرة.

  •  الحضارات التي لاتموت:

الحضارات في العالم وإن سقطت حكوماتها فإنها لاتموت أبدا، وابن خلدون يقول ان الحضارات لها دورة شبيهة بدورة حياة الإنسان، أسماها «قانون الأطوار الاجتماعية الثلاثة»، مقررا بأن الحضارة تبدأ بطور النشأة والتكوين، ثم النضج والشباب، ثم الشيخوخة والهرم، لتعود وتكرر نفسها من جديد.

والعادات والتقاليد لدى الشعوب هي من أكثر الأمور دلالة على التواصل الإنساني بين الحضارات، والرسول محمد وهو الخبير الاجتماعي، عندما بحث لمجتمع جاهلي كان حكيما في تعامله مع عادات ومناسبات الحضارات الأخرى.. لقد منع بعضها، وعدل الأخرى، ونهى عن نوع ثالث منها، خصوصا إذا كانت تتضمن بعضا من الشركيات مع الله سبحانه وتعالى، أوبها ضرر بالنفس الإنسانية.

الحضارات في العالم وإن سقطت حكوماتها فإنها لاتموت أبدا، وابن خلدون يقول ان الحضارات لها دورة شبيهة بدورة حياة الإنسان، أسماها «قانون الأطوار الاجتماعية الثلاثة»، مقررا بأن الحضارة تبدأ بطور النشأة والتكوين، ثم النضج والشباب، ثم الشيخوخة والهرم، لتعود وتكرر نفسها من جديدومما لاشك فيه أن الدولة الإسلامية عند نشأتها لم تكن قادرة على كنس جميع مكتسبات هذه الحضارات خصوصا ماكان متناسبا مع الدين الإسلامي، وبالتالي فقد استفادت الحضارة الإسلامية «وليس الدين الإسلامي» من المجتمعات الجديدة التي إنظمت إليها مثل أبناء الحضارة الفارسية، الرومانية، واليونانية ورأينا كيف أن المسلمين استفادوا من مكتسبات هذه الحضارات على صعيد بعض الخبرات والصناعات، والعلوم والفلسفة مما لا يسع أحد أن ينكره.

فهذا رسول الله يستفيد من الخبرة الفارسية عند سلمان الفارسي فيقوم بحفر خندق وينتصر في معركة الخندق، وهذا ابن سينا قد استفاد مما كتبه الفلاسفة اليونان في الطب والفلسفة، وطورها حتى أصبح الرئيس أبو علي بن سينا، وهذا أبو النصر الفارابي يستفيد أيما استفادة مما كتبه أفلاطون وأرسطو ليقيم المدينة الفاضلة على غرار مدينة أرسطو الفاضلة.

أما المدنية القائمة اليوم في الغرب فلا شك ولاريب أنهم استفادوا من الحضارة الإسلامية عن طريق الاحتلال والترجمة وغيره.

ونحن ندين أيضا اليوم للحضارة الغربية، بكل تفاصيل الأنظمة والتشريعات على صعيد السياسة والاجتماع والاقتصاد... وهذا أمر عادي وليس سيئا.

وبالتالي فإن كون الحضارات تستفيد من بعضها فهذا أمر ليس جديد، خصوصا وان الإسلام لم يمنع هذا التلاقح الحضاري بين الديانات السماوية، «وطعامهم حل لكم، وطعامكم حل لهم» وإذا كان الشيعة قدطوروا العزاء وطريقة الحزن بالنظر لمراسيم عزاء في الدول الأخرى لا يعني أنهم تحولوا إلى مسيحيين، وإذا نظرت إلى كثير من قضايا التراث والفلكلور، فستجد كثير منها مختلط لأن الإنسان واحد، ألا تلاحظ أن اليهودي يهز بدنه، ويبكي عندما يقرا التوراة، وتجد هذا عند المسلمين عندما يقومون بتلاوة القرآن أو الدعاء هل يعني ذلك أن عادة قراءة القرآن بهذه الطريقة هي عادة يهودية ؟!، أنت قلت بأن حمل النعش الرمزي وغيره مثل التطبيل لم يكن موجودا في الفولكلور الشعبي الإيراني، إنما هي مستوردة من المسيحية، أقول لك إن مثل هذه المراسيم أقدم من المسيحية، فقد نقل التاريخ من أن حمل النعش والمشية الجنائزية كانت موجودة في الحضارة الآشورية والبابلية وهم الأصول التي ينحدر منها المجتمع العراقي ومعظم الإيرانيين.. الم نقل أن الحضارات تتواصل ولاتموت، ولو قدر لأي بحث في الفولكلور الشعبي في الخليج العربي والفارسي لرأيت أن معظمها يعود إلى الحضارات الضاربة القدم في التاريخ والتي لم نستطع كشعوب أن نتخلص منها إنما حولناها إلى إسلامية نظرا للثقافة التي اكتسبتاها.. هذه الأمور موجودة في الذاكرة الجماعية، بل قد يبدو لك أنها موجودة في الوراثة والدم.

الدكتور علي شريعتي من المفكرين المسلمين الذي قدم الكثير من الأفكار للعالم الإسلامي آخذ بمبدأ النقد للواقع المعاش، بالاتكاء على دراسته الأكاديمية في البلدان الغربية.. ومع انه يعد من رجالات الثورة في إيران، وقد قضى عليه الشاه، وهو مقبول من قبل شريحة من علماء الشيعة، إلا انه متهم عند شرائح أخرى بأنه علماني، أو شيوعي أو ما شابه ذلك.

ولقد أوضح الدكتور شريعتي في كتابه الذي استشهدت به عن التشيع العلوي والتشيع الصفوي المفارقات بين التدين الفاعل، والتدين المنوم.. مستهدفا حكومة الشاه أكثر من استهدافه الحكومة الصفوية.. اذ يقارن بين العلماء الذين اصبحوا وعاظا للسلطان لايرون في الدين مجالا للسياسة، ولايرون محركا لهم للدفاع عن الضعفاء، وكان ذلك في الماضي «والأمور نسبية» فإيران بمقدارها قدتغيرت ناهيك عن الواقع في العراق الذي هو مختلف جدا فكثير من العلماء دفع حياته في سبيل هذا الوطن، والدفاع عن المبادئ والقيم.

  •  العراق.. والصبر الكبير:

إن فلسفة العزاء عند الشيعة هي طريقة صحية للتنفيس عن الغضب، والقهر والتشنج، كبدائل مشروعة بدل التنفيس في الأولاد أو الشارع مما لا يحمد عقباه.

وأمر العزاء معرض للأخذ والعطاء في الصف الشيعي كنقد ذاتي، ولكن في الأخير لايمكن إلغاؤه، لأنه وسيلة تعبير قوية للمحرومين، ألا ترى معي أن الصبر الكبير والجلد الذي يتحمله العراقيون الشيعة هذه الأيام قد فوت الفرصة على الأعداء بنشوب حرب أهلية، والعزاء واحدة من الأمور المساعدة في هذا الصمود.

ولماذا تلوم الناس الذين خرجوا على جسر الأئمة للتعبير عن مناسبة مقتل الإمام موسى الكاظم ولاوجود في هذه الملامة لمن يقتلهم، لاأحد يبرر قتل الناس الأبرياء.

إن خروج هؤلاء الناس تعبير أيضا عن رفض مبدأ قتل الرأي الآخر، وحرمان الإنسان الحرية، وكون الشعب العراقي يريد أن يحول مع بعض الفضائيات الى مناسبات متواصلة للعزاء، ذلك إن الواقع العراقي لا يشعر به إلا المكتوون بناره، وإلا فهو شعب يحب النكتة و يحب الفرح، ولكن أين فرصة الفرح، وكيف يمكن أن يشعر هؤلاء الناس بالفرح  وقد تحول عراقهم إلى مدابح يومية.. لماذا تلوم الناس إذاً هم تعلقوا بالله سبحانه وتعالى،بالدين وبالأئمة لأن الواقع المر يجعلهم يلجئون إلى الغيب بدل الواقع الذي لا أمل يرجى منه.

في الأخير نحن معك في التفتيش عن أسباب محنة العراقيين الحقيقية، والبحث عن حاجاتهم، ومساعدتهم في ذلك.. وأنا أقول معك ذلك،والعراق يحتاج إلى عدم التدخل وهو كفيل بأن ينهض من جديد، أتمنى من الله العلي القدير أن تنقشع سحابة الغيم السوداء عن أرض العراق، فهو شعب يستأهل العيش بأفضل مما هو واقع فيه وتقبل تحياتي.