من علمك حرفاً صُيرت لهُ عبداً


العلماء والحمد لله... كثر، وخيرهم القيادات الربانية التي تستلهم قيمها وقوانينها من القيم السماوية، وهناك حكام لجئوا إلى العلماء في كثير من أمورهم، واحترموا العلماء ومن بينهم الدكتاتور "هولاكو"، وهناك من أباد العلماء وعمل على تعذيبهم وإبعادهم عن أوطانهم كزعيم بغداد السابق، وهناك حكام رفعوا الشعراء إلى منزلة العلماء.. ﴿وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) سورة الشعراء، فالأموال الطائلة، والهدايا التي لا تعد ولا تحصى والمراتب المرموقة كلها من أجل أبيات شعر في حق الحكام!! فهل أخذ العلماء نصيباً مما أخذ الشعراء؟

أما المتتلمذين على يد العلماء هم أكثر الناس احتراماً لعلمائهم ومعلميهم، وأكثر الفئات تمسكاً ومعرفة بأهل العلم والعلماء، ولعل أول التلاميذ هم الملائكة!!، فعندما أنبأهم آدم عليه السلام بتلك الأسماء المقدسة، والتي لم يكن لهم علم بها، فمع كونهم ملائكة مقربين إلا أنهم كانوا..﴿وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء (255) سورة البقرة... عندها أمرهم الله بالسجود لآدم إكراماً واحتراماً له عليه السلام.

وعلاقة المعلم بتلاميذه كعلاقة الأب بأبنائه، فالمتعلم يحترم المعلم ويجد أن في احترامه قدسية منه وتقديراً من المعلم، أما المعلم فيجد في تعليمه أمانة يتوجب عليه إيصالها بطريقة بارعة وسلسة وحضارية أيضاً.

والمتعلم الذي لا يظهر للمعلم افتقاره إلى العلم، ويدعي العلم بين الملأ يحرم نفسه من التزود بالعلم، فقد يكابر (أبو العريف) وتأخذه العزة على أن يسأل ويستفسر عن أمور هو في أمس الحاجة لمعرفتها، وقد يكون أول المجيبين على نداءات المعلم بقوله: "أما عن نفسي لا يوجد لدي أي سؤال!".

وعندما ننظر إلى علاقة نبي الله عيسى بمعلميه، وعلاقة نبي الله موسى بمعلمه الخضر تتضح لنا عدة أمور:

فنجد موسى وقد خاطب الخضر بخطاب لطيف للغاية عندما قال: ﴿قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا؟ (66) سورة الكهف.
فمن الأمور التي تتضح في هذا الخطاب أن المتعلم يتبع معلمه في مسيرته العلمية..

 أيضاً استئذان ومشاورة المعلم في أخذ العلم منه ينم عن الأدب والاحترام، ومنها أن العلم النافع هو الذي يأخذ بيد صاحبه إلى طريق الخير والرشاد: ﴿قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) سورة الكهف، قد يكون عيسى ابن مريم لم يجد علماً فيمن كان يعلمه ولكن موسى هو من أولي العزم ومن المرسلين والذي أعطاه الله من العلم الكثير، ولكنه وجد علماً أودعه الله في الخضر: ﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65) سورة الكهف.. هذا العلم لم يكن موجوداً لدى موسى، فالكنز المفقود جعله يطلب وبكل تواضع من الخضر أن يعلمه مما علمه الله.

وكما يقول الشاعر:  قم للمعلم وفيه التبجيلا      كاد المعلم أن يكون رسولا

فهناك من يقول أن الخضر نبي وهناك من يقول أنه عبد من عباد الله الصالحين، وبصرف النظر عمَ إذا كان نبي أم لا، نجد افتقار موسى للعلم يتجلى بوضوح في تواضعه وتبعيته لرسول من رسل العلم والمعرفة، ولا ننسى أن من شروط تحصيل العلم في هذه القصة الرائعة هو: (الصبر).. ﴿وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) سورة الكهف.. إلا أن موسى وطن نفسه على الصبر ولكنه لم يفعل!! ﴿قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) سورة الكهف فكم كان سيثري حصيلته العلمية لو أنه كان صابراً على تحصيل العلم.

ومن جهة أخرى: نجد أن مريم العذراء كلما أخذت عيسى إلى صاحب حرفة كي يتعلم منه، يعيده صاحب الحرفة من حيث أتى!! وانه تفوق على معلمه، فلم يعد هناك شيء ليعلمه إياه، حتى انه في يوم من الأيام قال لمعلمه قم لأجلس أنا مكانك فستجاب المعلم لطلبه فأخذ عيسى يعلم التلاميذ ومن بينهم المعلم!! فلم يكن عيسى   مفتقر للعلم، ولكن الناس هم من كانوا يفتقرون لعلمه ومعرفته.

وقد سأل عيسى ربه يارب.. أنبئني عن هذه الأمة المرحومة!!، قال: أمة أحمد، هم علماء حكماء كأنهم أنبياء، يرضون مني بالقليل من العطاء وأرضى منهم باليسير من العمل...

فليحفظ الله علماء الدين أجمعين، وليأخذ بيد طلاب العلم والفضيلة إلى طريق الخير والرشاد، وليلهمهم الصبر.. انه على كل شيء قدير.