ما هكذا الظن بكم ايها السادة الوزراء !

 

مسمومون وغرقى ومخنوقون عند ضريح الامام السابع, الامام المسموم, وعلى جسر الائمة حيث وضع جسده الطاهر ونُوديَّ على جنازته بذل الاستخفاف هذا امام الرافضة تناثرت اجساد شيعته بعد اكثر من الف  وثلاث مائة من السنين, أطفال ونساء وشيوخ يتساقطون في دجلة ذلك النهر الذي شاءت الاقدار ان يكون الشاهد الصامت على ما حل بأهل البيت   وبشيعتهم ولو قدر له ان ينطق بما جرى  على جانبيه لأبكى الجبال الصم , لم تقف دوانيق المنصور وطوامير الرشيد واسطوانات المتوكل وتقطيع الايدي وقوازيق العثمانيين وبطش البعثيين الصداميين حائلا بوجه الحب الذي اعتمر قلوب عشاق علي وآله, تتزاحم الابدان وتتنافس كي تتشرف بزيارة مراقدهم الطاهرة, ويفعل الحب المقدس فعلته بعد ان أشرأبت به القلوب فتقاطرت الاجساد تهفو بالملايين لتجدد بيعة الحب والولاء لمحمد واهل بيته الكرام مرخصين من اجلهم الغالي والنفيس.

طفل بعمر الزهور, في ربيعه العاشر جاء من المدينة المعذبة المهمشة المسحوقة العامرة بالولاء لأهل بيت النبوة , مدينة الصدر أكرم بسميها وساكنها, جاء هذا الطفل الصغير ليبايع امامه موسى الكاظم متأبطا ً كاتبا ً للادعية والزيارات وما خطر ببال هذا الصبي انه سيموت مسموما ويسجى جسده الطاهر على جسر الائمة كما حدث لأمامه. بكيت من اعماق قلبي وانا اشاهد صورة ذلك الصبي المتحدر من جنوب العراق المهمش والمولود في مدينة الصدر العظيم وقد مات مسموما غريقا مخنوقا, هزني منظره وهو مسجى على جسر الفواجع وقد أحتضن كتاب الادعية التي جاء يناجي بها ربه عند ضريح امامه  .

مشهدٌ ما اصعبه ترى هل دار بخلد هذا الفتى الجعفري ان يموت هذه الميتة ولماذا يموت وبأي ذنب يموت؟ تفطر قلبي ألما ً من هول مارأت عيني وتساءلت ونفسي من المسؤول عن ما حدث؟ هل هو قضاء وقدر كما اراد المنافقون  تصويره؟ ام انه امر دبر بليل وهو الراجح لديَّ؟ واذا كان كذلك فهل سبب ذلك قصور في أجهزتنا ذات الصلة ام تقصير منها؟   

بُعيد الاعلان عن نبأ الفاجعة الأليمة رصدت ردود أفعال المسؤولين وكانت حقا مخيبة للأمال الا البعض منهم . فمن داع الى أستقالة زميله فلان ومن متشفٍ  بزميله علان. ومن مهاجم ٍ وجد ضالته بالكارثة لتصفية حساباته السياسية ومن مدافع رادا ً للتهم متهماً خصومه بتهويل الامور ومعيرا ً الأمة المنكوبة بأنه قَبِل المنصب (من باب التكليف لا التشريف) مذكراً الجماهير المغلوبة على أمرها بأنه صاحب اليد البيضاء عليهم لانه (تواضع)  وارتضى المنصب وهو القادر على العيش في أجمل العواصم الاوربية بدلا ً من ( دوخت الرأس) المتمثلة بوظيفة الوزير وفي عقيدتي ان هذا التصريح زلة لسان في ساعة غضب والا كيف غاب عن السيد الوزير وهوالمتشرع والمتدين حد النخاع الحديث الشريف (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) وكيف غاب عن غريمه الاخر الذي دعى الى استقالته من باب تصفية الحسابات  قول أمير المؤمنين علي ( ياليت رقبتي كرقبة البعير) في أشارة منه الى التأني عند أبداء الرأي وعدم التسرع في أطلاق الكلام على عواهنه. لا ادري هل التفت هذا الوزير  الى ان الرافضين للتغيير من ايتام النظام ما فتؤا يطالبون  بأقالة  زميله الذي طالبه بالاستقالة بعد النجاح الذي حققته البرق والرعد ؟ .

أغرب ما في القضية هو هذا التراشق بين مسؤولي الحكومة الواحدة وكيِّل التهم لبعضهم الآخر والتحقيق لمّا يبتدء بعد. فبدلا ً من ان تتكاتف جهودهم وتتوحد صفوفهم في سبيل تخفيف هول المصيبة على الشعب المنكوب وأحتواء الازمة والتعالي على الجزئيات في سبيل الكليات وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الحزبية او الفئوية الخاصة وجدناهم يتصرفون وكأنهم أعداء لا اصدقاء تجمعهم وزارة واحدة منذ ان تشكلت ولحد كتابة هذه السطور والمؤامرات تحاك ضدها بالسر والعلن لأنها حكومة جلُّ اعضاءها يشهدون الشهادة الثالثة ويهتفون بـ ( حي َّ على خير العمل) فهل تصفية الحسابات في الازمات من (خير العمل)؟ ما هكذا الظن بكم أيها السادة الوزراء ! ولا المعروف عنكم ياأبناء المقابر الجماعية ! لكم كان منظر اعضاء حكومة السيد بلير رائعا حينما حدثت هجمات لندن الارهابية . لم نرَ او نسمع وزيراً منهم طالب زميله بالاستقالة لا لأن ذلك مخالف للاعراف والتقاليد الحكومية التي تقتضي في العادة ان يستقيل الوزير الغير راضي عن أداء حكومته لا ان يبقى متمسكا بكرسي الوزارة ويطالب الاخرين بالاستقالة فحسب بل لأن جميع وزراء حكومة السيد بلير كانوا قدر المسؤولية التي انيطت بهم وظهروا متحدين من اجل عبور الازمة وعدم تفريق الامة وهذا ما لم نلمسه لدى بعض وزراء حكومتنا الميمونة. 

أعود فأتساءل هل فاجعة جسر الأئمة سببها القصور أم التقصير؟

أغلب الظن لدي ان الامرين معا. فالقصور متمثل بحداثة الاجهزة المختصة , فمازالت أجهزة الحكومة قاصرة على ان تستوعب مثل هذا العدد الكبير من الحجيج والزوار وكذلك لعدم أمتلاكها الخبرة الكافية لمواجهة مثل هذه الازمات وايضا لتواضع امكانياتها الفنية والادارية على حد سواء وافتقارها للخبرات المطلوبة رغم ان العراق متخم بالطاقات والكفاءات الواعدة لكن تركيبة الحكومة الحزبية والمحاصصة السياسية في انتقاء الوزراء والوكلاء والمدراء حالت دون وضع الرجل المناسب في المكان المناسب وهذا تقصير اكثر منه قصور.

هذا بالنسبة للقصور واما التقصير فيتمثل بعدم الاتعاظ من التجارب السابقة وخصوصا تجربة اغتيال السيد محمد باقر الحكيم وتجربة تفجيرات كربلاء حيث استخدمت نفس آلية التفجير اي قذائف الهاون والقصف من بعد الامر الذي كان يتطلب ضرب طوق امني ليس بأقل من ثلاثين كيلومترا وايضا عدم الاستفادة من تجارب الاخرين ومنها تجربة رمي الجمرات وكيف استطاعت السلطات السعودية التعامل معها بنجاح بعد الحادثة الاليمة التي حصلت قبل عامين ومن التقصيرعدم التحسب للطوارئ والاستخفاف بأرواح المواطنين وهذا جرم عظيم لابد من التحقيق فيه ففي الدول المتقدمة كارثة ككارثة جسر الائمة كفيلة بأسقاط الحكومات وفقدان الساسة لمستقبلهم ابد الدهر لكن في مجتمعاتنا الامر مختلف لماذا؟  لانه وببساطة لا قيمة للبشر لدى حكوماتنا خصوصا اذا كانوا من الطبقات المسحوقة فموتهم يكون في هذه الحالة افضل من بقائهم او( طمطمة) الامر بجمع التبرعات لذوي الضحايا لتطييب الخواطر واعلان الحداد العام واصدار بيانات الاستنكاروتقديم التعازي وترديد الاناشيد الوطنية ومن ثم تسجيل الحادث كالعادة ضد مجهول والمشتكى لله رب العالمين.