الحقوق الفكرية والحقائق والكاذبة

 

  توطئة

نقصد هنا بالحقوق الفكرية هي كل ما من شأنه أن يدخل في النطاق الثقافي والفروض العلمية وبراءات الاختراع والمناقب والمناصب التشريعية والطبيعية وغيرها من الامتيازات المنسوبة لشخص أو طائفة أو جماعة أو قبيلة أو حتي أسرة، فيُسلب هذا الامتياز لسبب معين- سنشير للأسباب في سياق السطور القادمة- فاما بقبر هذا الحق وإلغاء البتة، أو تحويره إلى شخص أو جماعة لا تستحقه وهذا ما نعنيه في هذا المقام. 

  إرهاصات اختلاس الحقوق:

دأب الغرب- مثال (بارنس- عالم أمريكي) في نسب وانطلاقة الفكر الثقافي من بين حنايا عقول اليونان والرومان، على الرغم من سبق الفكر الشرقي ( الحضارات الصينية، المصرية، الفارسية، السريانية،،،،) لهم بعدة قرون وهذا الفكر الشرقي حقيقةً هو الرافد  الأساس الذي انبرت منه الحضارة الغربية، إلا أن الدراسات اللاحقة تعمدت تهميش الثقافة والحضارة الشرقية و إلغائها تماماً.

لكن الواقع ومن خلال البحث العلمي يؤكد غير ذلك فاليونانيون قد اقتبسوا المعرفة السياسية (السلطة وأنظمة الحكم) والاجتماعية (العقوبات والجزاءات) والدينية (توحيد الآلهة وتقديسها)  والعمارة والنحت والرياضيات والهندسة  كلها من  الحضارة المصرية السابقة لهم، وكذلك الحضارة الصينية "الكنفشيوسية والتاوية" والهندية  "الفكر البوذي"  والكثير من النظريات والأفكار والتشريعات  التي تم تجييرها لصالح الغرب  المستبد والمتعنت (أي نسبها لليونان والرومان).

  الموضوعية  والتدليس في المنهج التاريخي:

صيغ هذا المنهج مع باقي المناهج العلمية (الوصفي، التجريبي، الإجرائي، المقارن,,,) كحقول دراسية تعتمد بوضع الفروض وإيجاد التحليلات العلمية لإثبات تلك الفروض وفق معطيات موضوعية ورؤى منهجية محايدة لغرض الوصول إلى نظرية علمية نستطيع تعميمها من خلال ما أُستنتج من التحليلات للفروض المستقاة.
عموماً وقع الكثير بمغالطة جسيمة -غالباً بالعمد- عندما خالفوا الإجراء المنطقي لاستخدام المنهج التاريخي.

فهذا المنهج يعتمد على الدراسات السابقة ثم  يوضعها في إطار تنظيري مقارن للوضع الراهن ومن ثم يبني تنبؤاته للمستقبل المنظور. إلا انه من الملاحظ  عند الاطلاع على بعض  من هذه الأبحاث والدراسات هو وجود  قلب المعايير لهذا النهج بحيث لا يتم الرجوع إلى الحقائق والشواهد والأحداث المترابطة والأدلة والبراهين سواء كانت مواقف أو مشاهدات مؤرخة ، بل يتم وضع وصياغة التاريخ وفق ما تراه الأهواء والمصالح الخاصة وليس كما يراه التاريخ وتقره الحقائق والمنطق العقلي ، وبهذه الجادة تنتفي الموضوعية والحياد لهذا المنهج ويحل محلها التزوير والتدليس و قلب الحقائق، وبهذا تزيل الغرابة لو رأينا سمو ذو الرنة الخفيفة ويبقع بالحضيض من هو وافي القدر.  

  أسباب اختلاس الفكر:

عاشت المجتمعات الإنسانية منذ بداية الخليقة في تفاعل مستمر وظل هذا التفاعل يتفق حيناً ويختلف حيناً آخر، وذلك لحكم التعقيدات والتداخلات السيكولوجية و السيسولوجية الاجتماعية من جهة والتناقضات الايدولوجية من جهة أخرى حتى وصلت لمستوى الصراعات المقيتة واقتلاع الآخر، ومع تطور وارتقاء الجنس البشري تعقدت وزادت المسوغات التي جعلت الإنسانية في تناحر وتصادم مستمرين حتى أمست ما يعرف "بحتمية الصراع الإنساني" أو ما أستجد اخيراً "بصراع الحضارات".
ومن هذا ندرك ما من سبيل بإلغاء الآخر إلا باغتيال الفكر قبل الجسد، وهذا بالفعل ما أنتجته من تحوير الكثير من الحضارات والثقافات والمناقب والنفوذ من زيد إلى عمر. فالأهداف (الالمبيرالية) الاستعمارية هي من تلك الأسباب التي لا يستطيع المحتل بسط نفوذه إلا بإيهام الآخر بقوته وتفوقه بمختلف  الصٌٌعد.
كذلك لعب الاقتصاد رغبةً في تنشيف وتجفيف منابع الحضارة للكل ماتراه ضد هيمنتها القمعية، بالإضافة إلى العنصرية القومية وتباين العرق والدم والنظرة القبلية والطائفية لهي من الأسباب التي تجعل من احتكار وسرقة الفكر مبرراً لسيادة  مجتمع  أو طائفة أو حزب  على نظرائهم الآخرين، وأيضاً قد نردها  إلى ترسبات تاريخية  أو ثقافية تراكمت عبر الحقب التاريخية.


  حقائق كاذبة:

على ضوء ما مررنا من دراسة موضوعية لهذا الحقل فإننا نستشفي بأن تجيير الفكر أو النفوذ من جهة على حساب أخرى هي الأحق بهذا الحق ليس في العصور المتأخرة فقط، بل يتضح بعده التاريخي السحيق، فمنذ القرون السالفة قبل الميلاد وحتى يومنا هذا. فقافلة نزع الحقوق تسير بوتيرة واحدة وبنفس الموال مادام هناك تفاعل، وهناك سبب أو عدة أسباب للاختلاس و حسب ما سبق الإشارة إليه فسرقة المكانة والمنزلة والمنقبة شي أُجِبل عليه الإنسان وأصبح متنفس يعوّل عليه إرضاء جموحه التوسعي وسلوى هلعته المستديمة، فقد يتفاجئ القارئ عندما يعلم أن "افلاطون" أو لربما "سقراط" قد أشارا إلى أطروحات علمية ونظريات فلسفية هي في الأساس مأخوذة من المذهب الكنفشيوشي أو المذهب التاوي (مدارس صينية قديمة)، ولو تطرقنا إلى بعض الأمثلة في هذا العصر لأصابه الوجوم والاستغراب وذلك عندما يعلم أن"كلمبوس" ليس هو من اكتشف القارة الأمريكية أو "أديسون" الذي أضاء العالم ليس هو من اخترع المصباح وغيرها من الأمثلة، وهذا الأمر لم يدع الجانب الديني -خاصة الدين الإسلامي- بمنأى من عملية السطو الفكري فجرى عليه ما أصاب سواه.
 

  نتيجة:

لذا فأن  ثقافة الإقصاء قد جرعتنا  الحسرات عندما حطت برحال حقدها  وتجرأت بالمساس بكيان الأمة الوسطة.
فأننا  نعرف تمام المعرفة بان رمز قد نٌصب لمستوى أو منقبة معينة فلا تستغرب عندما تجدها قد جُردت منه وقُلدت إلى أخر لا يستحقها، وليس مستغرب أن نجد شخص قد أُنزلت فيه آيات بينات في محكم التنزيل وقيلت فيه أحاديث وروايات من أكرم الخلق صلى الله عليه وآله وسلم، تٌبين هذه الآيات وتلك الأحاديث مكانته وشأنه على البسيطة  جمعاء وجعله الرافد الخلف لمنبع الفكر الرسالي السماوي الخالص .

إلا أننا نجد من يحور تلك المناصب والمناقب لطرف آخر لم يكن يوماً مناصراً أو حتى قائماً لشرع الله، بل لشريعة ومنهج وضعي لم تقره حتى الوصايا العشر التلموذية، ولتحقيق مصالح دنيوية لم يألُ ذرة من جهد في سبيل إضمار الرسالة المحمدية النقية، لكن هيهات من  أن يتسنى هذا الأمر فالحق حقيق  والنص محفوظ بأمر المنزل وليس خزعبلات مكذوبة رقعها رهط النكث وأصاغها  في ديوان بني ساعدة.