كتاب : العولمة الثقافية للعلامة الشبيب أعلى مقامه

شبكة مزن الثقافية
كتاب العولمة الثقافية - للعلامة الشبيب أعلى الله مقامه
كتاب العولمة الثقافية للعلامة الشبيب أعلى الله مقامه

صدر عن مؤسسة نور الهدى الثقافية  " كتاب العولمة الثقافية "الطبعة الأولى -  لمؤلفه سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة الشيخ عبداللطيف الشبيب «أعلى الله مقامه» 

 

مقدمة الكتاب

    بقلم الأستاذ بدر الشبيب حفظه الله

مثل كثير من المفاهيم التي تخرج من دهاليز السياسة ، يأتي مفهوم العولمة غير محدد المعالم مما يجعل الاتفاق على تعريف جامع مانع له أمرا في غاية الصعوبة .

    ومن المناسب في هذا المقام أن نذكر الوصف الذي استحسنه كثيرا الدكتور نبيل علي في كتابه ( الثقافة العربية وعصر المعلومات ) ،حين نقل بإعجاب ما فعله روند لوبرز رئيس وزراء هولندا الأسبق" حيث أوجز فأوفى بعرضه ظاهرة العولمة في صورة مصفوفة رباعية ( مصفوفة : 2 x 2 كما أطلق عليها )
    ويقصد بذلك أن ظاهرة العولمة قد أحدثها محركان أوليان ، أديا بدورهما إلى متحركين أو ناتجين .

أ‌) المحرك الأول : الابتكار التكنولوجي في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أساسا .
ب‌) المحرك الثاني : سيطرة الليبرالية الجديدة ، ويقصد بها انتصار أيديولوجية اقتصاد السوق الحر والنمط الاستهلاكي وإعلام الترفيه والخصخصة وما إلى ذلك . وتُقدم الديموقراطية في هذا الإطار كتوأم لاقتصاد السوق الحر ، واللذان يكوّنان معا استراتيجية النموذج الغربي للرأسمالية في صياغته الأمريكية .

أما النتيجتان فهما 
أ‌)النتيجة الأولى : تقلص سيادة الدولة وتهميش دورها .
ب‌)النتيجة الثانية : ردود الفعل أو العولمة المضادة من قبل الجماعات والمؤسسات ، سواء تحت دوافع عرقية أو دينية أو اقتصادية أو سياسية أو لغوية أحيانا " .

    إن العولمة بهذا المفهوم تعني بالتحديد تعميم النموذج الأمريكي على كافة المجتمعات ، أي أمركة العالم .

    أما العولمة الثقافية فهي حسب تعبير الدكتور عبد الإله بلقزيز " فعل اغتصاب ثقافي وعدوان رمزي على سائر الثقافات . إنها رديف الاختراق الذي يجري بالعنف – المسلح بالتقانة – فيهدر سيادة الثقافة في سائرالمجتمعات التي تبلغها عملية العولمة " .

    وفي بحثه القيم ( العولمة والهوية الثقافية : عولمة الثقافة أم ثقافة العولمة ) المنشور في كتاب ( العرب والعولمة ) الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية  يطلق بلقزيز على ثقافة العولمة : ثقافة ما بعد المكتوب . ويعني بذلك الثقافة التي تعتمد الصورة مادة ثقافية قادرة على تحطيم الحاجز اللغوي وإعادة تشكيل الوعي والوجدان والذوق . ويقرر في هذا البحث ما ستفعله هذه الثقافة قائلا " ستغدق ثقافة العولمة على الجسد ما سيفيض عن حاجته من الإشباع تماما مثل جدتها العولمة الاقتصادية ، غير أنها ستقتل الروح وتذهب بالمحتوى الأخلاقي والإنساني لسلوك الناس . أليس مرعبا أن يصبح التلفزيون المؤسسة التربوية والتعليمية الجديدة التي تقوم – وظيفيا – مقام الأسرة والمدرسة ؟ "
    والسؤال الذي يطرح نفسه علينا : هل العولمة ظاهرة حتمية ؟
لقد انبرى بعض الكتاب لترديد مقولة مفادها أن العولمة سيرورة تاريخية حتمية لا يمكننا بحال من الأحوال أن نقف في طريقها . وهذا القول يتضمن اعترافا صريحا بالعجز عن مواجهة هذه الظاهرة ، وهو أمر في غاية الخطورة لأنه يقتضي الاستسلام التام للآخر ودفن قوى الممانعة التي يمكن أن تسهم في تحصين الأمة .

    بالإضافة لذلك ، فهو قول يغفل قوانين علم اجتماع الثقافة التي تقول بأن الثقافات يمكنها أن تقاوم السيطرة الثقافية من الآخرين بطريقة فعالة وإيجابية  بخاصة إذا كانت تمتلك عوامل ذاتية تتسلح بها في مواجهة الآخر ، وتستفيد في الوقت نفسه من المنتجات الحضارية المتطورة التي تسخرها الحضارة المسيطرة .

    إننا في العالم الإسلامي مدعوون أكثر من أي وقت مضى إلى تجديد ثقافتنا لتستجيب لحاجات العصر ومتطلباته . ولتحقيق ذلك نحتاج إلى :

1-معرفة واعية بذاتنا وبنيتها ، وما تختزن من طاقات أو معوقات .
2-وضع الاستراتيجيات الواضحة والخطط الكفيلة باستغلال طاقات الأمة إلى أبعد مدى .
3-تأسيس مجتمعات مدنية تمارس دورها الحضاري في جو من الحرية والوئام الاجتماعي ، لتقديم النموذج الإسلامي العملي البديل للعالم كافة .
4-ممارسة النقد الذاتي لمعرفة جوانب القوة والضعف الحقيقية لتقدم الأمة ، وهذا النقد ينبغي أن ينبني على أسس علمية سليمة ، وأن يستخدم الأدوات المنهجية الحديثة في العلوم الإنسانية .
5-تجديد خطابنا الثقافي بصورة مستمرة ليكون مؤهلا لمواجهة خطاب الآخر ، أو على الأقل تحسين شروط وظروف المنافسة معه .
لقد حمل سماحة الشيخ  عبد اللطيف الشبيب أعلى الله مقامه هم تجديد الخطاب الديني ، وألف سماحته مجموعة من الكتب القيمة في هذا المجال بالاشتراك مع سماحة الشيخ محمد العليوات .

    والمحاضرة التي بين يدينا شاهد على ذلك النهج ، وقد ألقاها سماحته في شهر شعبان 1421 هـ في احتفال أقيم بمناسبة المبعث النبوي على صاحبه وآله أفضل الصلاة والسلام ،  ونستطيع من خلالها أن نتبين بعض الملامح التي تشكل شخصيته الفكرية :
أولا : إيمانه العميق بقدرة الدين الإسلامي على إنتاج وإبداع الحلول لمشاكل العصر .
ثانيا : غيرته الشديدة على الدين ، ووقوفه الجاد أمام محاولات تغريب الأمة .
ثالثا : نظرته العميقة للأمور ، وقدرته الفذة على تشخيصها ، اقرأ قوله " إن العولمة الثقافية هي النافذة الأهم في موضوع العولمة "
رابعا : احترامه للعلم والنقاش العلمي ، فهو يقول " ولا نعني هنا بالشك الشك العلمي والشك المنهجي الذي يقوم على أسس وثوابت علمية وضمن الحوارات العلمية ، ذاك بداية اليقين "
خامسا : اهتمامه بالمواضيع المستجدة على الساحة الإسلامية .
سادسا : رؤيته التي لا تتزعزع في كون الحل الأمثل لمشاكل الأمة بعودتها إلى كتاب الله وعترة نبيه .

هذه ملامح ستة ، وربما هناك أخرى  .
أخيرا أتركك عزيزي القارئ مع الوريقات التالية التي تمثل الكراس الثاني في سلسلة (تأملات في الفكر والثقافة) التي بدأها سماحة الشيخ بـ ( المثقف وأمانة الكلمة) ، وكـان يأمل مواصلة مشروعه التجديدي .
وآمل أن نستفيد من إنتاج هذا العالم الجليل ، سائلا المولى أن يتغمده بواسع الرحمة والرضوان .