ومضات قرآنية (15)

شبكة مزن الثقافية محمد حسن يوسف

﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ

يلجأ الكثير من البشر إلى حكم الغوغاء (الديماغوجية) للتأثير على عواطف الآخرين بدل الاحتكام إلى قوة المنطق والجدال الفكري المثمر، وكلما اتسعت شريحة المتأثرين كلما زادت وتيرة الاحتكام العاطفي لدى المؤثرين بطريقة استخفافية فرعونية كما عبر عنها القرآن الكريم (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ).

في الآية الكريمة المتصدرة وما سبقها من آيات ابتدأ قوم إبراهيم عليه السلام النقاش معه وبما أن نتيجة الجدال المنطقي لم تكن في صالحهم مالوا إلى الحكم عليه بالعواطف (حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ) بدل أن يعترفوا له بالحق.

ما أورده القرآن الكريم من قصص الأمم الغابرة في الاحتكام للعواطف ليس خاصا بنمرود وفرعون والأقوام الأخرى بل إنه سلوك بشري معتاد يجب الحذر منه. الذين حاربوا أمير المؤمنين عليه السلام في الجمل وصفين كانوا يرفعون قميص عثمان ولم يكن أحد منهم هو ولي دمه، و أهل الشام كانوا ينظرون لسبايا أهل البيت عليهم السلام على أنهم خوارج حتى أن أحدهم قال (ماعلمنا لمحمد من أهل بيت إلا معاوية وأهل بيته)، والذين هجموا على بيت النبوة كانوا يشيعون أن ما فعلوه من ظلم لهم هو للحفاظ على وحدة المسلمين.

لسنا بعيدين جدا عن مثل هذا السلوك فممارسة الإرهاب الفكري على الآخر المختلف عوضا عن فتح باب الحوار معه لاتزال، وأسهل طريق لذلك هو الربط بالمقدس، فربما تكون قضية تاريخية ومنهج البحث التاريخي هو الطريق لمناقشتها نحولها إلى قضية عقائدية فتتحول إلى (تابو) لا يمكن المساس به. وما النعت بالكفر والانحراف والخروج من المذهب بأقل ضررا من الأمر بالتحريق والقتل.

جعلنا الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

(إلهِي فَأَلْهِمْنا ذِكْرَكَ فِي الْخَلاءِ وَالْمَلاءِ، وَاللَّيْلِ وَالنَّهارِ، وَالاِعْلانِ وَالاِسْرارِ، وَفِي السَّرَّآءِ وَالضَّرَّآءِ وَآنِسْنا بِالذِّكْرِ الْخَفِيِّ، وَاسْتَعْمِلْنا بِالْعَمَلِ الزَّكِيِّ، وَالسَّعْي الْمَرْضِيِّ، وَجازِنا بِالْمِيزانِ الَوَفِيِّ).

محمد حسن يوسف
١٥ رمضان ١٤٤٦