ومضات قرآنية (13)

﴿وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ ۖ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا﴾
من الغايات الكبرى للخلق غاية الابتلاء (لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ) وهو ميزان الاستقامة وعليه يقوم تفضيل البشر (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ)، ولامناص للإنسان إلا أن يكون مبتلى بالخير أو بالشر (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً)، وطالما هو يعيش في هذه الدنيا فهو مبتلى لأنها دار ابتلاء وفناء والآخرة دار جزاء وبقاء.
كثيرا ما يتبادر للأذهان لفظ الابتلاء بمعنى المصاعب فنطلق على المريض والفقير مثلا مبتلى ولا نقول ذلك على الصحيح والغني، كما أن لفظ فتنة يؤخذ بمعنى المضلات فنقول المال و المرأة فتنة. والواقع اللغوي والقرآني يضع الابتلاء والفتنة في خانة واحدة بمعنى الامتحان والاختبار، ولكن بما أن الإنسان إذا انغمس في النعمة يغفل عن ربه - إلا من رحم - فإنه لا يلتفت لكون النعمة ابتلاء وفتنة أما إذا مسته البأساء والضراء فبطبيعته ذو دعاء عريض يرى فيها سبيلا للاتجاه إلى ربه.
الابتلاء بالغنى والصحة والجاه والعلم والجمال والأمن أصعب من الابتلاء بالفقر والمرض والخوف، وقليل من هم على شاكلة نبي الله سليمان عليه السلام ليلتفت أن (هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ).
روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، أنه قال: لا يقولن أحدكم: اللهم إني أعوذ بك من الفتنة لإنه ليس من أحد إلا وهو مشتمل على فتنة، ولكن من استعاذ فليستعذ من مضلات الفتن، فإن الله يقول: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ).
محمد حسن يوسف
١٣ رمضان ١٤٤٦