ومضات قرآنية (8)

شبكة مزن الثقافية

 ﴿يحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ

في الآية الكريمة هناك لفتة لغوية، لماذا وضع الضمير في كلمة (يرضوه) بصيغة المفرد مع أنه يعود إلى مثنى (الله ورسوله)؟ هل الضمير عائد على الله أم على رسوله؟ لماذا لم يقل (يرضوهما) لتتناسب مع السياق اللغوي العام؟

البلاغة القرآنية تحمل في طياتها نكت معرفية وعقائدية وينبغي التأمل فيها. وممكن الإشارة إلى نقطتين ههنا الأولى عقائدية والثانية ابتلائية. في النقطة الأولى يقول علماء الكلام أن الله عز وجل ليس محلا للحوادث أي أنه لا يطرأ عليه الانفعال كالغضب والرضا والسخط وإنما يظهر الأثر الفعلي لذلك كإنزال الرحمة أو العذاب تبعا لأعمال البشر ولذلك أورد رضا الرسول كانعكاس وأثر لرضا الله عز وجل ولذلك جعل الضمير مفردا وهناك آية في سورة الأحزاب توضح المعنى، (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) حيث لا يتصور لدى المؤمن إمكانية إيذاء الله وعليه فإن إيذاء رسوله الأكرم هو إيذاؤه تعالى.

أما النقطة الثانية فإن الله ابتلى عباده بأن أوجد له ممثلين من البشر وقرن طاعتهم بطاعته ورضاهم برضاه وسخطهم بسخطه وفعلهم بفعله وإرادتهم بإرادته وحبهم بحبه وبغضهم ببغضه حتى لا تستطيع أن تفرق بين ما لله وما لهم وعلى رأس القائمة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والقرآن الكريم مليء بالآيات التي تبين هذا المعنى (مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)، (وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ)، ومع رسول الله صلى الله عليه وآله يأتي أهل بيته عليهم السلام وبالأخص أصحاب الكساء والروايات في ذلك مستفيضة (يا فاطمة إن الله تبارك وتعالى ليغضب لغضبك، ويرضى لرضاك)، (يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق)، ( إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض).

فكما ابتلى الله الملائكة بالسجود لآدم باعتباره خليفة الله ابتلى أمة محمد بأهل بيته فلا يأتي أحد ليقول (حسبنا كتاب الله). 
جعلنا الله وإياكم من الممتثلين لأمر الله جل وعلا والمتمسكين بحبله المتين. 

محمد حسن يوسف
٨ رمضان ١٤٤٦