المحطة الحادية عشرة

كَأَبْعَد مَا تَمْتَدُّ في الأَرْضِ رِجْلُهَا

وَأَعْمق مَا يَرْتَدُّ في الضَوْءِ شَكْلُهَا
 
تَوَضَّأَتْ الأَيَّامُ بِالتُرْبَةِ التي تُصَلِّي عَلَيْهَا الشَمْسُ،
مُذْ شَفَّ رَمْلُهَا!
 
وَسَالَتْ على الأَيَّامِ،
حَتّى كَأَنَّهَا مِنَ المَاءِ – إِذْ لَا مَاء – يَمْتَدُّ حَقْلُهَا
 
وَمَدَّتْ على الآفَاقِ (خِدْرًا)،
فَأَلْهَمَتْ مِنَ السِتْرِ مَا يَكْفِي لِيَشْتَدَّ ثِقْلُهَا
 
وَدَارَ عَلَيْهَا الكَونُ،
تَمْشِي وَتَرْتَقِي!
فَهَلْ مِشْيَةٌ؟
أَمْ عَانَقَ العَرْشَ ظِلُّهَا؟!
 
وَهَلْ يَرْتَدِيْهَا الصَوْتُ؟
أَمْ يَخْشَعُ الصَدَى بِتَرْتِيْلِهَا الغَيْبِيِّ؟
وَالضَوْءُ غُسْلُهَا
 
كَأَنَّ المَرَايَا تُعْشِبُ الآنَ
كُلَّمَا تَكَرَّرَ في إِيْمَاضَةِ الحُلْمِ وَبْلُهَا
 
كَأَنَّ أَرَاجِيْحًا مِنَ الغَيْبِ طَوَّقَتْ فَرَاشَاتِهَا الحَمْرَاء
مُذْ حَطَّ رَحْلُهَا
 
وَمشَّطَ كُثْبَانَ المَسَافَاتِ وَعْيُهَا،
على نَاقَةٍ تُسْبَى، وَبِاللهِ شُغْلُهَا!
 
فَلَا لُغَةٌ لِلْقَيْدِ إِلَّا تَضَاءَلَتْ
إِذَا سَبَّحَ الرَحْمَنَ في الجِيْدِ حَبْلُهَا
 
وَلَا جِهَةٌ لِلْسَيْرِ إِلَّا تَفَرَّعَتْ
إلى وجْهَةٍ يَمْتَدُّ لِلْدِيْنِ أَصْلُهَا
 
فَعَنْ أَيِّ وَحْيٍ سَاكِنٍ في فُؤادِهَا سَتَسْأَلُ؟
وَالأَمْلَاكُ في الغَيْبِ نَسْلُهَا
 
وَعَنْ أَيِّ تَأوِيْلٍ؟
وَعَنْ أَيِّ رُؤيَةٍ؟
وَأَيِّ مَجَازٍ لم يُفَصِّلْهُ غَزْلُهَا؟
 
كَحَتْمِيَّةِ الأَقْدَارِ،
كَالوَقْتِ،
كَالمَدَى،
تَوَقَّدَ في تَلْوِيْحَةِ الوَعْي عَقْلُهَا
 
وَأَلْوَتْ رِقَابَ المُسْتَحِيْلَاتِ كَيْفَمَا تَشَاءُ
كَأَنَّ الصَعْبَ في الوَقْتِ سَهْلُهَا!
 
فَمَا قِيْلَ: إِصْلَاحٌ،
وَلَا قِيْلَ: نَيْنَوَى
إِذَا غَابَ عن مَتْنِ الرِوَايَاتِ فَصْلُهَا
 
حُسَيْنِيَّةُ الأَطْبَاعِ
قَالَتْ وَأَسْهَبَتْ!
فَلَمْ يَفْتَرِقْ عن وَاقِعِ القَوْلِ فِعْلُهَا
 
وَمَا كَانَ لِلْدُنْيَا بِأَنْ تَسْتَمِيْلَهَا
وَلَوْ وَسِعَ الأَعْبَاءَ في العُمْرِ حِمْلُهَا
 
فَهَلْ وُلِدَتْ بِالصَبْرِ؟
أَمْ أَنَّ كُلَّ مَا نَرَاهُ مِنَ الصَبْرِ المُوَزَّعِ كِفْلُهَا؟
 
تَكَادُ وَإِنْ لَمْ تَمْسَسْ النَارُ ظِلَّهَا تُضِيْءُ
وَيَطْغَى في المَيَادِيْنِ فَضْلُهَا
 
شُمُوْخٌ كَهَذَا!
أَوْقَفَ الكَوْنَ كُلَّهُ
فَثَبَّتَ قَلْبَ الأَرْضِ فِي الأَرْضِ تَلُّهَا!
 
شُمُوْخٌ كَهَذَا!
هَزَّتْ الأَرْضُ جِذْعَهُ
فَمَا مَالَ عن شُمِّ السَمَاوَاتِ نَخْلُهَا
 
وَحِيْقَ بِهَا،
لم تُسْلِمْ الرِيْحَ كَفَّهَا!
وَلم يَفْتَرِقْ في فُسْحَةِ القَلْبِ شَمْلُهَا
 
فَلَو جَاءَهَا الطُوْفَانُ (جُوْدِيُّهَا) ارْتَقَى!
وَلَو (مَسَّها قَرْحٌ) يُدَاوِيْهِ نُبْلُهَا
 
وَإِنْ (جَاءَ نَصْرُ اللهِ) فَالفَتْحُ فَتْحُهَا
وَإِنْ جَاءَ (بَأسُ اللهِ) فَالقُفْلُ قُفْلُهَا
 
فَظَلَّتْ صَلَاةً
كُلَّمَا أَذَّنَ الفِدَا
يَفِيْضُ بِمِحْرَابِ السَمَاوَاتِ بَذْلُهَا