محطة عاشرة

 

متلبّسًا عطشَ الحقيقةِ والنهَم
قالتُ لهُ الأشياءُ: كيفَ؟
فقالَ: كم؟
ومشَى على سورِ الخليقةِ ممسكًا باللهِ في ضلعيهِ
فارتبكَ الصنم!
(وبظهرهِ المكسورِ) قد ربطَ (القِماطَ)
ومدَّ في الأرجاءِ صارية العلَم
وتأذَّنَ الصوتُ الفصيحُ بأن يُراقَ هديرُهُ الموّارُ
من فوقِ الأكم
وإذا بهِ (روحٌ) تغادرُ جسمها المرئيَّ
يعصمُ في العراءِ ويُعتصَم!
شدَّ (العمامةَ) واستدارَ يلمُّ أشلاءَ السماءِ عن الترابِ فكيف لمّ؟
ينعى،
فكيفَ إذن تراهُ إذا تقاذفهُ المصيرُ إلى عشيرتهِ ابتسم؟
هل حارَ؟
أم شربَ الهجيرُ جفافَهُ الضوئيَّ ممتدًا على الأنهار؟ أم؟
هل دارَ؟
أم دارَت عليهِ قيامةُ الآجالِ مذ قسمَ البسيطةَ واقتسَم؟
فردًا
تحيط بهِ جثامينُ الضياءِ،
ينوءُ بالحبِّ العظيمِ فيُحترم
وهُناكَ حيثُ تثاءبَ الليلُ الطويلُ
تضجُّ بالأصواتِ ألسنةُ الخِيَم
وتراهُ يقتحمُ الدخانَ
يميطُ عن وجهِ المسافةِ ما تساقط من ألم
وجهٌ كوتهُ الريحُ
لم تمسسهُ غاشيةُ الطفوفِ ولم تنل وجلًا ولم
وجهٌ تسرَّب منهُ ميزابُ الحياةِ
يموتُ تكرارًا
فيهترئُ العدم!
مرّت على رجليهِ آلافُ السنينِ
وليس تكبو فوقَ أشهرها القدم
يمشي ويعثرُ بين أعيرةِ الحِمَامِ
وبينما ينسلُّ تنتفضُ الحِمم
مذ غادرَ الجيشُ الأخيرُ
وألبسَ التاريخَ والأكوانَ مدرعةَ الندم
وملامحُ الصحراءِ تلمحُهُ يلوِّنُ في البسيطةِ ما تيبّسَ وانحطم
ساروا وظلَّ
يسيرُ دونَ وقوفهِ
وتوقفّوا بمسيرهِم
حين اختتم
لا الموتُ أدركَ ظلّهُ السيّالَ،
لا انقطعَ انهمارُ الفلِّ،
لا الجرحُ احتشم
والأخضرُ العَلَويُّ أول ما يُرى في الظلِّ
حين على الفدافدِ يُقتحم
فالحُكمُ حُكمُ النصلِ لا النصِّ الإلهيِّ المبجلِ والمعلّقِ في الذمم
لم تحتوشهُ هناك أشباهُ الرجالِ وإنما احتوشت بألسنها النِعم
وأتت على الأرواحِ تكنسُ ما تسنّى من حُطامٍ كان خلّفهُ الزخم
فهمُ الأُحاديُّونَ
من بجريرةِ الأديانِ يختصمون
بين فمٍ وفم!
وهمُ الغباريّون
من يُمحونَ في عَرَضِ السرابِ
وليس يُلزمهم قسَم
قبضوا على عرشِ الترابِ
وألبسوا الكثبانَ والأهوارَ مئزرة التُهم
ما بين وشوشةِ الهدوءِ وبين أشذاءِ الدماءِ
يكادُ يُتَّهمُ النَسَم!
إذ كان جلّادُ الطبيعةِ من يُحامي في الصحائفِ عن مقامرةِ الحكَم!
والليلُ آخرُ حاجبٍ يذرو الرياحَ
وأولُ الغافين في شرهِ الأمم
ماكانَ يشكوُ الماءُ من رمدِ الضياءِ على العراءِ
ولم يكن يشكو الصمم
لم تفهم الأفواهُ ما لغةُ الشفاهِ المستباحةِ،
لم تُعلّم بالقلم
لكنَّ سيّدَ كلِّ شيءٍ علَّم الأشياءَ فوق الرملِ ما أصلُ الكرم
لوسادةِ الرملِ الأخيرةِ
كان أسندَ سرَّ ما يُبقي الحياةَ على القمم
متعمّمًا بمشيئةِ الرحمن 
طرَّز جُبّة التأريخِ
والمجدُ احتزم
تركوهُ يُبرئُ أكمهَ الأحلامِ،
يُحيي المستحيلَ إذا تشبّثَ واحتدم
تركوهُ يطحنُ في السنابكِ
يستفزُّ السيفَ بالرأسِ المُشالِ فيُلتهَم
رجلٌ وحيدٌ
لم يساومهُ الفراغُ
فعبّأ التقويمَ
والكونُ ازدحم!