محاضرة الليلة التاسعة من محرم 1441 هـ

إدارة الأولويّات في العلاقات الأُسرية || سماحة الشيخ أمين محفوظ

شبكة مزن الثقافية مسجد الزهراء (عليها السلام) بسيهات
سماحة الشيخ أمين محفوظ
سماحة الشيخ أمين محفوظ

قال تعالى (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)

تجمع الدراسات التي كُتبت في حقل الحياة الأسريّة ، أن مستوى اِستقرار الأُسرة ينعكس على الحياة العامة للانسان و على أدائه.

فهناك دراسة تحدّثت عن مستوى الرضا العام عند الانسان وعن مناشئ هذه السعادة و الرضا ، فوجدت بعض الأسباب التي تُساهم في خَلق الرضا العام عند الأشخاص والنجاح والتقدم في الحياة.
و من أهم الأسباب هو الحياة الأسرية ، فهو المنشأ الأول للسعادة عند الانسان.
فمن يعيش في الأسرة الاِستقرار والسعادة لاشك أن ذلك سَينعكس في حياته العامة .. أما من يعيش الاِضطراب الأُسري والتوتُر ، سينعكس أيضا هذا الأمر بِصورة سلبيّة على أداء الإنسان في الحياة العامة ، فهو يَحُد مِن إنتاجية الإنسان و قدرته على النجاح والتقدم.

لذلك فإن الاِضطرابات الأُسرية التي نجدها مُنتشرة في واقع المجتمعات اليوم والتي تضاعفت في هذا العصر ، لأن مناشئها واسبابها تضاعفت أيضا .. ولا شك أن تَضاعُف هذه الخلافات الأُسرية يُلقِي بِظلاله على الأداء العام للمجتمع ، فَتقدُّم أي مجتمع مَرهون بِسلامة الأُسرة و أيّ ضرر في الأسرة ينعكس على المجتمع.


مِن مناشئ الكثير من المشاكل الأسرية هو سوء إدارة الأولويات في الأُسرة ، فترى البعض يُقدّم المهم على الأهم ، و قد يُقدّم غير المهم على الأهم.
فنجد قِسمًا كبيرًا من الناس يُقدّم الكثير من الاِهتمامات الزائفة لدى النساء و الرجال ، فَتراهُم يَصرِفون أعمارهم في أمور غير مهمة وغير ضرورية ، كَبعض قضايا الترفِيه والموضة.

فالحياة الأُسريّة هي خطوة كأي خطوة يخطو بها الإنسان ، يجب عليه إعداد خطة لها و للأهداف المهمة و يكون لديه تَصوّر واضح.
والزواج قضيّة تتوقّف عليها الكثير مِن القضايا في حياة الإنسان ، إلا أن تعامل الكثير من الناس مع هذه الخطوة هو تعامل عشوائي غير مَدروس ، والذي قد يخلق اِضطراب في أولويات الأُسرة.
فالزواج عبارة عن عقد و اتفاق بين طرفين، فيه شروط يجب مراعاتها.
فالاِتفاق من البداية والتخطيط المُسبق والواضح في غاية الأهميّة ، و يُريح الإنسان من المشاكل المستقبلية.

هناك مجموعة من الأولويات الأساسية الثابتة التي لا غِنى عنها في جميع الأُسَر ، من أهمّها :-

١) الأبناء : يُعتبر الأبناء أولويّة أساسية في الحياة الأُسرية .. فَتُقدَّم على أي قضية أخرى ، فهم ثمرة هذا الاِقتران الذي أراده الله عز و جل.
فالأبناء بحاجة للحصول على بعض الأمور في ظِل الأسرة ، منها :
- فيض الحنان والعاطفة ، فهو أمر أساسي لتغذية النفس.
- الإرشاد والتوجيه والتعليم.
-الحاجة للخبرات والتجارب من الأب و الأم لِشق طريقهم في الحياة.

فالاِهتمام بالأبناء هو أمر مشترك بين الأم و الأب، و عملية التعاون والمسؤولية بين الطرفين في مسألة الاهتمام هي أساسية و مهمة.

ولكن نجد بعض الظواهر السلبية من إهمال هذه الأولوية وعدم الاِكتراث بها ، من ضمنها أن الأم و الأب يَستفرِغو طاقاتهم في قضايا أخرى ترتبط بالحياة العامة ثم يُترك الفتات من جهدهم لأبنائهم .. فينبغي للطرفين التعاون لإيجاد حل لهذا الخلل.

ومن بعض مظاهر الإهمال هي قضية الخلاف بين الزوجين ، فهو يؤثر نفسيًا على الأبناء بصورة كبيرة .. بل إن بعض الآباء و الأمهات يُقحِمون الأبناء في خلافاتهم!

فينبغي على الطرفين مهما كان حجم الخلاف بينهما أن يُؤثِرا سلامة الأبناء و أن يتحمّلا الضغط و الصبر من أجل أبنائهم.


٢) الأمن الاقتصادي : فهي من العوامل المُسبّبة في المشاكل الأُسرية ، لذلك أوجب الإسلام على رَب الأسرة الإنفاق على الزوجة و الأبناء ، فهي مسؤولية شرعية مُلقاة على عاتِقه فينبغي له بذل الجهد في طريق توفير المُستلزمات المادية للأسرة.
كما أن قضية التفاهم على إدارة الموارد المالية في الأسرة هي قضية مهمة و ضرورية وتقوم عبر التفاهم والتعاون بين أفراد الأسرة.


٣) الإهتمام العاطفي : إهمال هذه الأولوية في الحياة الأسرية يؤدي إلى الجفاف العاطفي ، وقد يصل لمرحلة يُطلق عليها الطلاق العاطفي ، أي أن نرى زوجين في بيت واحد لا توجد بينهما مودّة ، وحالة المحبّة بينهما غائبة.
فمن اللازم على الطرفين أن يجعلا في سِلّم أولويّاتِهما سِقاية شجرة الحب بينهما والعناية بهذا البُعد العاطفي.
فالتودّد و اِهتمام الطرفين ببعضهما البعض يُساهم في تقارب القلوب.