كيف ندرِّس التدبّر القرآني للأطفال؟

ملاحظات أولية في سبيل درس نموذجي..

إيمانًا منّا باختلاف خصائص النمو بين المراحل العمرية، وبمبدأ الفروق الفردية بين البشر، ورغبة في إنجاح (درس التدبّر القرآني) للأطفال، وتطويره؛ تلوح أمام أعيننا مجموعة من الاقتراحات، منها:


1-البعد عن الطريقة الإلقائية التلقينية في التعليم، والاستفادة من تقنيات التعليم الحديثة: كأسلوب المجموعات، والتعليم التفاعلي، والطريقة الاستقرائية، وأسلوب الحوار والمناقشة، وطريقة حلّ المشكلات، وأهمّها جميعًا في التعليم الذي يستهدف شريحة الأطفال والصغار هو طريقة التعلّم بالترفيه واللعب.

2- إعمال طريقة (العصف الذهني) والاستنتاج الجماعي التشاركي الحرّ، وفتح مجال الرأي والاستنتاج والإبداع والمشاركة للأطفال؛ لتكون الأفكار أفكارهم وبمستواهم الفكري واللغوي؛ لاستثارة أقصى طاقات العقل، وتمرين الذهن على الاستنتاج، وتدريب الفعل على الإنتاج والإبداع والمثابرة والجرأة، وبثّ روح الحيوية والفاعلية والنشاط، وبناء الشخصية والثقة في رياض الضمير والسلوك. 

3-البعد عن التجريد والمجرّدات والكلام النظري الصِّرف؛ بمزج الدرس بالأمور الحسية والحركية، كالصور والأصوات ومقاطع الفيديو؛ تأسيسًا على أنّ الطفل يصعب عليه إدراك المجرّدات، وأنّ المسموعات أقلّ ثباتًا في الذاكرة من الصور البصرية، والصور البصرية أقلّ ثباتًا في الذاكرة من مقاطع الفيديو التي تدمج المسموعات بالمبصَرات، وأنّه كلّما استُفيد من أدوات حسّ أكثر كانت المعلومة أوضح وأبقى وأسهل استذكارًا واسترجاعًا.

4- الاستفادة من وسائل التقنية والعرض كالبروجكتر والباوربوينت، والاستعانة بالمؤثرات الصوتية: الممهِّدة والموازية والتالية الداعمة والمشجّعة، والأناشيد القصيرة أو مقاطع منها.

5- تنويع الأساليب وتغييرها؛ تبعًا لطبيعة الموقف الدرسي، وطردًا للرتابة والروتين والملل والسأم، وجلبًا للحيوية والتفاعل والانتباه، وغرسًا لأشجار الفاعلية والنشاط.

6- رفد الدرس بكتاب أو مذكرة ذات صور ملونة كبيرة معبّرة، وخطوط كبيرة واضحة وقليلة؛ ليسهل المتابعة أثناء الدرس، ومراجعة الدرس في المنزل؛ لأنّ الصورة تعكس الفكرة للطفل أكثر مما تعكسه قناطر الألفاظ المتراصفة، ولصعوبة رؤيته للخطوط الصغيرة، وسأمه من كثرة السطور والجمل والكلمات، وهذا ما تستعمله الكتب الحديثة الموجّهة للأطفال.

7- ملء الدرس بعناصر الجاذبية والتشويق والإثارة والانتباه، كالقصص والمفاجآت.

8- خلق أجواء التنافس الإيجابي بين المجموعات والأفراد والعمل بروح الفريق الواحد، والانفتاح على الآخر وفكره، والتطوير البيني للأفكار.

9- الاستفادة من الدروس الناجحة الفعّالة ذات الرصيد العالي من الإقبال الاجتماعي؛ للاستفادة من إيجابياتها وطريقة عرض محتواها، والشكل الذي قُدِّمت به، مثل دروس الدكتور طارق السويدان في القصص القرآني، كقصة النبي موسى ـ عليه السلام ـ الموجودة في اليوتيوب، والتي تُباع في بعض المكتبات.

10- البدء في دروس التدبّر القرآني الموجّهة للأطفال بآيات أو سور محفوظة لدى الأطفال، أو في طريقهم لحفظها، وسهلة الكلمات والتراكيب عليهم، وقريبة من اهتماماتهم ومعارفهم وميولهم؛ حتى يتفاعل المضمون مع الشكل، ويلتحم الحفظ مع المعنى، وحتى يشجعهم ذاك على اقتحام نهر التدبّر الخضمّ الزلال، وحبّذا أن تكون تلك الآيات المختارة من آيات القصص القرآني، فهو أكثر ما يتفاعل معه الطفل ويدركه؛ بسبب حركة الأحداث والشخصيات والأفكار والقيم فيه.

11- الاستفادة عند عرض المعلومات والأفكار والقصص القرآنية من أسلوب القراءة التصويرية، والتلوين الصوتي المحاكي للشعور النفسي، من فرح وحزن، ومدح وذمّ، واستفهام وتقرير، وتعجّب ونفي، و....، واختلاف طبقات الصوت رفعةً وانخفاضًا حسب حركة المشاعر وطبيعتها وقوتها، والاستفادة من لغة الجسد؛ عبر بيان الحركات المناسبة للفكرة، بتجسيمها بالوجه، أو باليدين، وغير ذلك.  

12- حثّ الأطفال على استخراج العِّبر والعظات والغايات والفوائد التربوية  التي تزخر بها الآيات، وتحويلها إلى سلوك عملي في حياتهم الفردية والأسرية والاجتماعية؛ للانتقال بالفكر من المستوى المعرفي النظري إلى مستوى التطبيق السلوكي العملي.

13-الاستفادة من أساليب التعزيز: اللفظي والمادي والمعنوي؛ عبر إزجاء أسمى آيات الشكر والثناء والمديح لهم ولأهاليهم الكرام، وترقية درجاتهم، وكتابة أسمائهم في لوحة المتميّزين والمبدعين، وعرضها أمام الجميع أو على السبورة وعند شاشة العرض، وتقديم الهدايا لهم.

14- تغيير مكان الطالب أو المجموعة عند الإجابة الصحيحة، أو إعطاؤهم ألوانًا متّفقًا عليها في الدرس بأنّها متدرِّجة المستوى نحو الأعلى والإنجاز الأفضل، كنمط من التعزيز العملي.

15- عند تقديم الأطفال فكرة بسيطة ينبغي اجتناب لغة التهوين والتسخيف والضحك عليها، وبدلًا من ذلك ينبغي إعلاؤها وترشيدها وإعادة صياغتها وإنتاجها؛ بوصفها فكرة مبدعة عظيمة تفتّقت بها أذهانهم الوقّادة النضرة، وأنّ هذه الفكرة الرائعة المذهلة الراقية هي ما تفضّل به ولدي البطل المبدع الصغير فلان، أو قالتها صغيرتي الوردة الذكية فلانة.

16- عرض الأفكار الختامية الصحيحة والمتبنّاة بوصفها أفكار الأطفال أنفسهم التي قدّموها مشكورين، وأنّ هذا هو ما تفضّلوا بنسج خيوطه البرّاقة الفاتنة، ولو كان إبداعًا خالصًا من المعلّم.

- وختاماً..

فهذه أفكار وملاحظات أولية، قابلة للإنقاص والزيادة والتغيير، ولا شكّ أنّ دمع العلم بالفنّ، والمعرفة بالتجربة، والواقع بالطموح، هو أفضل طريق لتصيّد الأفضل وتكريسه وبناء الدرس التدبّري عليه.
 

القطيف ـ العوامية - ١٨/ ١٢/ ١٤٣٩هـ