نظرات فقهية

فقه الثابت والمتغير

يمثل التقاء المتغير الزماني مع الأحكام الفقهية الثابتة اكبر تحد تواجهه الشريعة الإسلامية بقوانينها المرسومة سلفا في مصادرها التشريعية , من هنا كان من اللازم النظر إلى نقطة الالتقاء هذه باعتبارها مفترق طرق ما بين امتثال لنص أو لتحرر منه .

   ولعلاج هذه الجدلية التي كثر الحديث عنها , يمكن لنا الإطلاع على جملة من العناصر المشكلة لهذه الرؤية , والتي يمكن عنونتها بالتالي :


1-  نقاش في المنهج .
2-  فقه الثوابت .
3-  فقه المتغيرات .
4-  خاتمة .


1- نقاش في المنهج

لاعتبارات عديدة يمكن تصنيف الفقه الإسلامي أنه أرقى من ما توصل إليه العقل البشري على نحو الإطلاق , ويمكن الاستدلال على ذلك في باب العقائد , وتاليا في المقارنات التي نوجد فيها مقاربات بين الفقه الإسلامي وغيره من أنواع القوانين . حيث يشير بعض المتخصصين في علوم القانون إلى تميز هذا الفقه بصورة تجعله رائدا , يقول   الدكتور عبد الرزاق السنهوري الذي كان أكبر عقلية حقوقية معاصرة في عالمنا الإسلامي ، والذي استغرق عمره في القوانين الوضعية ولم يطلع إلا من نافذة في آخر عمره على الفقه الإسلامي السني والشيعي ، فأعجب به ودعا إلى دراسته ، بل وإلى تطبيقه على البلاد العربية بدل القوانين الأجنبية ، لأنه القاعدة القانونية الوحيدة المشتركة بين شعوب هذه البلاد . . قال في ‹ صفحة 4 › مقالة بعنوان ( القانون المدني العربي ) " الفقه الإسلامي إذا أحييت دراسته وانفتح فيه باب الاجتهاد فمن شأنه أن ينبث قانونا حديثا لا يقل في الجدة وفي مسايرة العصر عن القوانين اللاتينية والجرمانية "  .

وإن كان هذا التميز وهذه الخصوصية لشيء , فإنما لأن هذه الأديان إجمالا تهتم  بتبيان الأهداف السامية التي انطلقت منها , ومن ثم تعكسها عبر جمل متناغمة ومنسابة من الأحكام الشرعية هي بمثابة القوانين التي توضع للحفاظ على تلك المبادئ العامة , ولذا كان الغرض من هذه القوانين والأحكام الشرعية التفصيلية حكمة متعالية ترتبط ارتباطا وثيقا بتلك المبادئ , غاية الأمر أن هذا الارتباط يكون جليا في بعض موارده , وأخرى يحتاج إلى عناية لاكتشاف هذا الرابط الدقيق .

إذا تم هذا التأسيس لهذا التواصل بين الأحكام والمبادئ العامة , ندخل تفصيلا إلى الحديث عن طرائق بيان الفقه الديني , ذلك لأن بيان الفقه الشرعي لا يتخذ شكلا منحصرا , وإنما تبعا لأهمية بعضها أو لتداخل بعضها مع جملة من الظروف , يأخذ كل حكم طريقته الخاصة والمتناسبة معه , ولا شك أن هذا المبحث بالدرجة الأولى يتم بحثه في علم الأصول الذي يناقش الأدلة وأشكال الاستنباط منها , مما يرجعنا هذا البحث قهرا إلى فقه الأدلة وكيفية قراءتها وصولا إلى استنباط الأحكام الشرعية منها..

عالم دين ( السعودية )