دقيقة تأمل

أ . بدر الشبيب *

17-11-2015 

ذهب علماء الصرف إلى أن هيئة (المفاعلة) تدل على المشاركة وتتقوم بطرفين، كما هو في مثال المجادَلة والمناصَرة والمبارزة وأمثالها. ولكن بعض المحققين من الفقهاء رأى أن التحقيق خلاف ذلك " كما تشهد به الاستعمالات الصحيحة الفصيحة القرآنيّة وغيرها، كقوله: (يُخادِعُونَ اللّهَ) (وَمَنْ يُهاجِرْ في سَبيلِ اللّهِ) (يُراؤُنَ) و(نافَقُوا) و(شَاقُّوا) ، وقولهم «عاجله بالعقوبة»، و«بارزه بالمحاربة»، و«ساعده التوفيق»، إلى غير ذلك ممّا لا يصح نسبة المادة إليهما، أو لا يراد منها ذلك". وذهب إلى أن صيغة المفاعلة قد يُفهم منها التعمد والتقصد والتصدي للشيء، وبهذا يكون الفرق بين الضارّ والمُضارّ أن المُضار هو المتصدي لإيصال الضرر للغير، بينما الضارّ قد يقع منه الضرر دون قصد وتعمد، كما في الطعام الضار. فقول النبي لأحدهم: "إنك رجل مُضار" يعني بحسب هذا الفهم: إنك رجل متصدٍّ للإضرار بالآخر. 

واستفاد فقيه آخر معنى المبالغة والكثرة والتكرار من هيئة (المفاعلة)، وبالتالي يكون معنى الحديث: إنك رجل يتكرر منك الضرر بالآخر. بينما استفاد ثالث معنى الامتداد والطول، أي المداومة على الفعل لمدة طويلة. 

وربما، والله أعلم، كانت هذه المعاني المستفادة، أي المشاركة والقصدية والمبالغة والتكرار وطول المدة، ملحوظة في قوله تعالى (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى‏). فالصلاة تحفظ المصلي الذي يحفظها، وحفظها يحتاج إلى حضور القصد بشكل دائم وعند كل صلاة وفي أثنائها دون أدنى تقصير أو انصراف. فالشيطان متيقظ دائما، ويبحث عن أي ثغرة من لحظات الغفلة لينفذ منها، ويبعد المصلي عن الاتصال بربه، وقد أقسم على ذلك كما جاء في سورة الأعراف: قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (17).

لذا فإن على المصلي حين يقف في المحراب أن يتذكر أنه دخل في حرب مع إبليس وجنوده، وأن عليه تحقيق الانتصار الحاسم، فقد ورد عن النبي : لا يَزالُ الشَّيطانُ ذَعِرًا مِنَ المُؤمِنِ ما حافَظَ عَلَى الصَّلواتِ الخَمسِ، فَإِذا ضَيَّعَهُنَّ تَجَرَّأَ عَلَيهِ فَأَدخَلَهُ فِي العَظائِمِ. 

في سورة (المؤمنون) بين هاتين الآيتين (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ)  (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى‏ صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ) كان المؤمنون المفلحون يتحلَّون بأرقى الممارسات على المستوى الشخصي والاجتماعي، ومن ثم نالوا أعلى الجوائز وأغلاها: أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ (11).

أديب وكاتب وباحث في علوم اهل البيت عليهم السلام