دقيقة تأمل

أ . بدر الشبيب *

2015-11-2

قد ينقدح في الذهن تساؤل أو أكثر عند تأمل الآية الشريفة التالية:

(لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).

من ذلك مثلا التساؤل التالي: ما هو الموقف من الفرح؟ هل هو مذموم قرآنيا كما قد يتبادر لأذهان البعض من هذه الآية ومن قوله تعالى: (لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ).؟ 

والجواب على ذلك أن الفرح في حد ذاته غير مذموم، لأنه انفعال إنساني طبيعي. فالشخص يفرح عندما يتلقى خبرا سعيدا، أو يحقق إنجازا متميزا في مجال من المجالات. ولكنه يكون مذموما بحسب متعلقه وآثاره، كالفرح الذي يتجاوز الحدّ ويُخرِج صاحبه من التوازن إلى الشطط والانفعال المتطرف الباعث على الغرور والعُجب والبطر والتفاخر، وهو ما يظهر من ذيل قوله تعالى: (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ). وكالفرح بالباطل كما في: (ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) ، (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهٍ) ، (وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها). وكالفرح بالأمور الدنيوية الزائلة، كما في: (وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ مَتاعٌ). وكالفرح بالعلم الصارف عن التكامل، والباعث على الغرور (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ).

أما الفرح المحبوب والمرغوب والمطلوب فهو الذي يكون ناظرا إلى فضل الله ورحمته، كما في قوله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) ، وفي شأن حياة الشهداء: (فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) وقال تعالى: (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها).

تساؤل آخر قد يرد لذهن المتأمل في الآية السابقة، وهو: ما فائدة تكرار عبارة (لا تَحْسَبَنَّ) في نفس الآية حيث قال بعدها (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ)؟ 

نذكر جوابين على ذلك؛ أولهما إرادة التوكيد وتقرير المعنى في ذهن المتلقي والتنبيه على أهمية الأمر. وثانيهما أنه على سبيل التطرية بسبب طول الفاصلة لئلا يجيء الكلام مبتورا ليس له طلاوة. وأمثلته في القرآن كثيرة منها: (يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) وقوله (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ).

أديب وكاتب وباحث في علوم اهل البيت عليهم السلام