دقيقة تأمل

أ . بدر الشبيب *


كثير من الناس لا يتحمل أدنى مقولة تخدش من مقامه كما يعتقد، وقد يخرجه انفعاله عن طوره فيجهل فوق جهل الجاهلين، خصوصا إذا امتلك القدرة على رد الصاع بصاعين. وكأنه من حيث لا يشعر يؤكد عدم قدرته على ضبط ذاته، وأنه في غاية الضعف، إذ (أعجز الناس من عجز عن إصلاح نفسه).

الله تعالى، السميع البصير العليم الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، يسمع ويرى من كثير من عباده ما لا يليق بمقامه جل شأنه في كل آن، ولكنه مع نفاذ قدرته التي لا عجز فيها، لا يتعجل في إنزال العقاب على مطلقي الأكاذيب والافتراءات في حقه، بل يحلُم ويحلُم ويحلُم. وكما جاء في الدعاء عن الإمام زين العابدين : والحمد لله الذي تحبب إلي وهو غني عني، والحمد لله الذي يحلم عني حتى كأني لا ذنب لي، فربي أحمد شئ عندي وأحق بحمدي.


لنتأمل في قوله تعالى: ﴿ لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (181) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (182).

فهؤلاء بجهلهم يتهمون الغني المطلق الرزاق الذي يتقلبون في نعمته بأنه فقير، ويرون جهلا أنهم أغنياء وهم عين الفقر والحاجة. لكن الله تعالى لم يسلبهم القدرة على التفوه بأباطيلهم وأكاذيبهم، ولم يعاجلهم بالعقوبة، إذ أمره سبحانه كما قال زين العابدين أيضا في دعاء آخر: وقد علمتُ يا إلهي أنه ليس في نقمتك عجلة ولا في حكمك ظلم، وإنما يعجل من يخاف الفوت، وإنما يحتاج إلى الظلم الضعيف، وقد تعاليت يا إلهي عن ذلك علوا كبيرا.

تأمل جيدا في قوله عز وجل: ﴿سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ)، إذ مع حلمه يسجل الوقائع كما هي، حتى إذا أنزل بهم العذاب كان ذلك جزاء وفاقا لما عملته أيديهم دون أي ظلم، (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ.

ما أحلمك يا رب، وما أصبرك على عبادك الجاهلين. وما أحوجنا لهذا الخلق الرباني الكريم.

أديب وكاتب وباحث في علوم اهل البيت عليهم السلام