دقيقة تأمل

أ . بدر الشبيب *

 

 رأى يوسف رؤيا غريبة في منامه، ولا زال يحتفظ بتفاصيلها الدقيقة في ذهنه. كان بحاجة لمن يستمع إليه ليقص عليه ذلك المنام العجيب. وجد في صدر الأب الحنون متسعا لحديثه كله، فأتاه مطمئنا، وبث له رؤياه في هدوء وبأسلوب يراعي مقام الأبوة الرفيع. قال لأبيه: ﴿ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ .

أنصت إليه أبوه حتى النهاية دون أي مقاطعة أو توهين. تفاعل مع ابنه، وتعامل مع رؤياه تعاملا جديا، ثم قام بإعطائه النصائح والتوجيهات المناسبة مع بيان مبرراتها الموضوعية، وما يترتب على مخالفتها. قال له بكل حُنُو وشفقة: ﴿يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ). ولأن يعقوب عليه السلام كان يعلم تأويل الرؤيا، بشَّر ابنه الصغير بالمستقبل العظيم الذي ينتظره برعاية ربه العليم الحكيم (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ

فلنتعلم نحن الآباء والأمهات من هذا المقطع من سورة يوسف كيف نقيم علاقة وطيدة منفتحة مع أبنائنا وبناتنا، ونكون نحن فضاء بثهم الأول عن كل ما يختلج في صدورهم أو يدور في أذهانهم. ولن يكون ذلك إلا بالإنصات لهم وتشجيعهم على الحديث بشفافية ومحاولة فهم طريقة تفكيرهم ونظرتهم للأمور، ومساعدتهم على فهم ما حولهم، والإجابة على أسئلتهم التي لم يسألوها فضلا عن التي يسألونها.

قبل أن نطلب منهم أن يستمعوا إلينا، علينا أن نستمع لهم، وقبل أن نطالبهم بأن يفهمونا، علينا أن نفهمهم. وإذا كنا لا نعلم شيئا عن أحلام اليقظة عند أبنائنا، فكيف سنهتدي لأحلام نومهم؟!

أديب وكاتب وباحث في علوم اهل البيت عليهم السلام