القطيف تتشح السواد في ذكرى عاشوراء الحسين

لم يمنع الجو القارص جموع المستمعين من المشاركة في احياء المناسبة
 في جوٍ قارص وتحت درجة حرارة بلغت 13 درجة مئوية جلس منتظر فتحي (13 سنة) مع مجموعة من الفتيان وسط ساحة القلعة قلب القطيف النابض هذه الأيام، سألناه بدورنا عن سبب قدومه الى هنا فأجاب بعفوية «في عاشوراء أشعر بالحزن، وجئت هنا كي استمع للسيد كامل، ولأتعلم من ثورة الحسين»، والى جانب منتظر جلس زميله حسين الهجهوج (12 سنة) الذي علّق على أسألتنا بكل براءة «الحسين قتل عطشان مظلوم، أنا أكره الظلم وأحب الخير». على غرار منتظر وحسين هناك مئات الاطفال والشباب ينتشرون وسط وعلى أطراف الساحة الشهيرة التي كانت تشكل ذات يوم غير بعيد قلعة القطيف التاريخية، وهم يحرصون على ارتداء الملابس السوداء التي لا تخلو من شعارات «ياحسين» أو «يا أبا الفضل» مع تطويق الرؤوس بعصابات تحمل عبارات مشابه، تناغماً مع أجواء الحزن العاشورائية.
بعض الأشبال المشاركين في مراسم العزاء

من يصل الى ساحة القلعة وسط القطيف يشعر للوهلة الأولى أنه خارج سياق الزمن، فقطع القماش الاسود تكسو جميع الجدران تعبيراً عن الحزن لمصاب آل البيت ، وشعارات الثورة الحسينية التي يتصدرها الشعار الاشهر « هيهات منا الذلة» لا تكاد تخلو منها زاوية واحدة. وقد اتخذت الفنون الحديثة مكانها على جدران أخرى من خلال الرسومات الضخمة التي تصور بعض حوادث عاشوراء والمزينة بأجمل فنون الخط العربي.

مسحة الحزن تعلو الوجوه، الرجال والنساء والأطفال في حركة دائبة، كل يتخذ مكانه للاستماع فالخيارات مفتوحة للاستماع لخطباء مختلفين، مجاميع تتجه ناحية الحسينية القريبة، وآخرون في المسجد المجاور ينتظرون حضور أحد الشيوخ، وفي ناحية ثالثة يستمع المئات في ساحة مفتوحة لأحد الخطباء الذي راح يعدد مناقب آل البيت  وبعض مآثر الثورة الحسينية.

ومن جانب أحد المساجد الصغيرة على طرف الساحة تنطلق أخر كل مساء مسيرات العزاء الحاشدة، التي يشارك فيها المئآت من الشباب، في صفوف منظمة وحركة انسيابية تجوب الشوارع المجاورة، يتناغم فيها لطم الصدور مع ترانيم ونبرات الرادود الحسيني الذي يلقي على مسامع المعزين قصائد العزاء المطولة، فيرددون خلفه بين الفينة والأخرى صرختهم المدوية «يا حسين».

الحملة العاشرة للتبرع بالدم:

الأستاذ خالد القطري

على جانب آخر من ساحة القلعة وتحديداً في مسجد الجواد وقفنا على آخر الاستعدادات الجارية للحملة العاشرة للتبرع بالدم، والتي تصادف ليلة السابع والثامن والتاسع من المحرم، وعن ذلك تحدث لنا خالد القطري أخصائي المختبر في بنك الدم الاقليمي بالدمام قائلاً «كما ترون لدينا خيمة كبيرة تضم اثنى عشر سريراً ويعمل لدينا كادر طبي متكامل يصل الى 40 طبيباً وممرضاً» وعن مصدر تمويل هذه الحملة اشار القطري «انها تعتمد على التبرعات بالدرجة الاولى، عدى الأسرّة التي تزودنا بها وزارة الصحة»، أما عن أعداد المتبرعين فقد اشار القطري« لدينا اقبال جيد على التبرع بالدم وبما يصل في بعض الليالي الى 150 متبرعاً، هذا عدى الحالات التي نعتذر عن استقبالها لانتهاء وقت التسجيل او عدم اللياقة الطبية والتي ربما تصل الى 60 حالة في بعض الليالي، وقد تعرضنا عدة مرات لمواقف يحاول فيها البعض الضغط علينا بشتى السبل بل ويلجأ البعض لتوسيط آخرين في سبيل تسجيله ضمن من تتاح لهم فرصة التبرع بالدم».

 وعن الاجراءات المتبعة يقول القطري« نتبع بهذا الشأن المعايير الطبية المعروفة حيث الاستقبال والتسجيل ثم الفحص المبدئي للمتبرع لمعرفة نسبة الهيموغلوبين والوزن، ويفترض أن يكون المتبرع قد تناول وجبة غذائية في الساعات الثلاث التي تسبق عملية التبرع، ثم تعبئة استمارة الاستطلاع، وبعدها نجري الفحص الاكلينيكي لنبضات القلب وضغط الدم.. ليتم بعد ذلك قبول المتبرع»، أما الدافع الذي يحفز الناس هنا على التبرع بالدم بأعداد ملفتة فيقول القطري« هو دافع انساني وديني في آن، فالناس تأتي هنا للتبرع بالدم حباً في الحسين في ذكرى استشهاده ..» كما أكد« لاشك أن للخطباء والمشايخ دوراً فاعلاً من خلال حثّ الجمهور على التبرع لوجه الله وحباً في الامام الحسين ». ويقدر الأخصائي القطري كميات الدم المتبرع بها بما يصل الى 450 وحدة (الوحدة تساوي 400 سي سي) وهو ما يعادل استهلاك مستشفى القطيف المركزي مدة شهر كامل، حيث تؤخذ هذه الكميات الى بنك الدم الاقليمي في الدمام ومن ثم توزع على بنوك الدم الصغيرة في مختلف المستشفيات حسب الحاجة.

سوق الكتاب والصوتيات:

أحد الباعة في سوق الكتاب بساحة القلعة

في ركن آخر من ساحة القلعة وجدنا «موزاييك» مميز تمثل في انتشار العشرات من باعة الكتب وأشرطة الكاسيت والاسطوانات المدمجة(CD) واللوحات الفنية ذات الطابع الديني، وصولاً لباعة الأكفان والسجادات والترب الحسينية. يقول مصطفى أحد الباعة وهو يقف على «بسطة» خاصة بأخيه «بالاضافة الى ان عاشوراء نعتبره موسماً روحياً، نجد فيه كذلك فرصة جيدة لممارسة التجارة في الكتب» وعن الكتب الأكثر مبيعاً أشار الى «انه كتاب مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمي وهو مختص بالادعية وزيارات أهل البيت كما تعلمون» أما حول سعر الكتاب فعلق مصطفى بالقول « الكتاب لدينا غالي الثمن بشكل عام ويزداد غلاءً عندما يكون كتاباً دينياً وغير مصرح للبيع في المكتبات العامة».

الطريف في الأمر أن الزائر لهذا الركن لن يعدم رؤية خليط من الكتب لم يكن مألوفاً في السنوات الماضية، ففي حين كان الغالب في بداية نشوء هذه السوق قبل عقد من الزمن هو تسويق الكتب الدينية والتراثية، اختلف الوضع في السنوات اللاحقة، فلن تعدم الآن من رؤية كتب الدين والتراث الى جانب تلك المختصة بالرشاقة والجمال أو التسلية والترفيه، بل ان فيها من التنوع ما يجعل كتاب «آداب ليلة الزفاف» أو «أحسن الطرائف» يزاحمان كتبا أخرى من العيار العقائدي الثقيل ككتاب «ليالي بيشاور» أو كتاب «المتحولون، حقائق ووثائق» وهو يحكي قصة مجموعة من الكُتاب واهل الثقافة الذين تحولوا للمذهب الشيعي.

أحدى البسطات ليبع الأقراص المدمجة المتنوعة بالساحة

على بعد خطوات من هذه «المكتبة» نجد أيضاً «تعايشا»ً من نوع آخر لدى باعة الأقراص المدمجة (CD) ففي الوقت الذي يزيد فيه اقبال الجمهور هذه الايام على اقتناء الاقراص التي تحوي الاحتفالات الاسلامية، والتواشيح الدينية ومسيرات العزاء، تجد في الوقت ذاته فيلم «الملك الاسد» معروضاً، وذات الثنائية التي تبدو متناقضة الى حد ما تجدها متكررة مع اللوحات الفنية التي تتفاوت بين الديني البحت والآخر «الحداثي».

لا تبدو الحشود في ساحة القلعة هذا العام بمستوى الأعوام الماضية يقول أحمد «معلم»، الذي التقيناه يتوسط الساحة الواسعة المقابلة لحسينية العوامي وهو يتذكر بحسرة عشرات الآلاف من الناس الذين كانوا يتزاحمون لاستماع المحاضرات في هذا المكان. معللاً سبب ذلك الى أن الخطيب الأبرز الشيخ حسن الصفار لم يعد يلقي محاضراته السنوية هنا. ليس هناك من سبب آخر كما يؤكد أحمد وعلامات الاسى ترتسم على محياه.

كشافة الامام المنتظر :

وغير بعيد عن ساحة القلعة، وعلى أطراف حي مياس المجاور تحدثنا للسيد راجي الشاخوري «قائد كشافة الإمام المنتظر » والذي شرح لنا عن الفرقة الكشفية التي قام بتأسيسها بغرض المساهمة في تنظيم حركة مرور السيارات والمركبات، ولتجنب الزحام الذي عادة ما يتكرر في هذا الوقت من العام، وحول فرقته الكشفية حدثنا الشاخوري « من واقع خبرتي الكشفية التي دامت خمس سنوات، خطرت ببالي فكرة انشاء فرقة كشفية خاصة بالحي الذي اقطنه في سبيل تنظيم حركة السير والحفاظ على الأمن ضمن القدر الذي نستطيع»، ويضيف الشاخوري «بدأنا العمل ببضعة أفراد والآن صار لدينا 25 كشافاً، لدي التفكيرالجاد في صقل مواهبهم الكشفية مع مرور الوقت» وحول مدى التعاون الذي يلقونه من الجهات الأمنية يقول الشاخوري «نجد من رجال الأمن مطلق التعاون في تنظيم حركة المرور».

صور متفرقة من الساحة:

سماحة السيد كامل الحسن خطيبا في مسجد المسألة بالساحة  الشعارات الحسينية على جدران مساجد الساحة

أحدى الباعة من الأشبال في ساحة القلعة بالقطيف