سماحة العلامة الحبيب : حجية السنة 1-3

سماحة العلامة الشيخ محمد حسن الحبيب
سماحة العلامة الشيخ محمد حسن الحبيب


لا خلاف ولا إشكال بين المسلمين على أن ما صدر عن النبي من قول أو فعل أو تقرير سنة، ولكنهم اختلفوا في مدلولها من حيث السعة والضيق، فذهب غير واحد من السنة إلى القول بتوسعتها إلى ما تشمل الصحابة، وذهب الشيعة إلى القول بتوسعتها لتشمل كل قول أو فعل أو تقرير صادر عن أئمة أهل البيت .

فالحديث عن حجية السنة يعني البحث حول حجية المواقع الثلاثة.

  • أولا: حجّية سنّة النّبي

حجية السنة المطهرة من الضروريات التي لا مجال لانكارها لأن فيه درس للدين وتغييب لشريعة سيد المرسلين، وعليه لا حاجة لإقامة البرهان على حجيتها.

يقول العلامة السيد محمد تقي الحكيم: والحقيقة اني لا أكاد أفهم معنى للإسلام بدون السنة، ومتى كانت حجيتها بهذه الدرجة من الوضوح فإن إقامة البرهان عليها لا معنى له، لأن أقصى ما يأتي به البرهان هو العلم بالحجية، وهو حاصل فعلا بدون الرجوع إليه. (1)

ولكن العلماء في هذه المسألة دأبوا على الإستئناس بذكر الأدلة من الكتاب وغيره ونحن في هذه العجالة نذكر بعض مما أوردوه من الآيات التي تظهر بجلاء حجية السنة المطهرة.

1. قال تعالى ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ سورة الحشر، آية 7

وهذه الآية المباركة وإن أتت في سياق آيات الفيْء، إلا أن المفسرين غضّوا النظر عن هذا السياق، وصرّحوا بشمولها لجميع أوامر النبي ونواهيه(2)، وعليه يكون معنى الآية: كلّ ما أمر به النبي فخذوا به، وكل ما نهى عنه فانتهوا عنه.

2. قال تعالى ﴿بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ سورة النحل، آية 44

توضح هذه الآية أن مسؤولية تبيين القرآن الكريم هي من صلب مسئوليات النبي ، فلابدّ إذن من اعتبار حجية قوله و إلاّ لا يترتب على هذا التبيان فائدة.

3. قال تعالى ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً سورة الأحزاب، آية 21

يقول العلامة الطباطبائي "و المعنى: و من حكم رسالة الرسول و إيمانكم به أن تتأسوا به في قوله و فعله و أنتم ترون ما يقاسيه في جنب الله و حضوره في القتال و جهاده في الله حق جهاده". (3)

4. قال تعالى ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى سورة النجم، آية 3،4

قيل في تفسير الآية: أنه ما ينطق فيما يدعوكم إلى اللّه‏ أو فيما يتلوه عليكم من القرآن عن هوى نفسه ورأيه، بل ليس ذلك إلاّ وحياً يوحى إليه من اللّه‏ سبحانه.

 

(1) الأصول العامة للفقه المقارن ص 126.
(2) راجع: التبيان في تفسير القرآن: ٩ / ٥٦٤ ؛ الميزان: ١٩ / ٢٠٤ ؛ التفسير الكبير: ٢٩ / ٢٨٦.
(3) تفسير الميزان ج١٦ ص ٢٨٨.