كلمة سماحة الشيخ جواد جضر في أمسية (معاً ضد الارهاب) بسيهات

الشيخ جواد أثناء إلقاء كلمته في الاحتفال

ألقى سماحة الشيخ جواد آل جضر كلمة قيمة في الاحتفال المقام في مدينة سيهات والذي حضره جمع غفير من المشاركين سنة وشيعة من كل من سيهات والنابية وعنك وحضرته فاعليات مختلفة وكان شعار هذا اللقاء الجميل هو معاً ضد الارهاب في حملة وطنية تأتي في وقت تتكالب فيه قوى الارهاب مستهدفة البنية التحتية للانسان المواطن قبل أي شيء آخر من عقول خاوية الوفاض آثرت زعزعة الاستقرار وهدر المقدرات الوطنية واستنزاف العقول بثقافة معاكسة لتيار الحياة  وهذا هو نص الكلمة :   

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله الواحد المنان الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام والإيمان وصلى الله على نبيه خير الأنام محمد المصطفى صلى الله عليه وعلى آله الشرفاء وأصحابه الأوفياء وسلم تسليم كثيرا .


أيها الإخوة الكرام :

 لقد شرفنا الله بنعمة الإسلام والإسلام هو دين المحبة والرحمة والسلام لأن الإسلام هو التسليم والتسليم هو الطاعة الكاملة لله عز وجل فيما أمر به وفيما نهى عنه ﴿ ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما النساء 65 .  والتسليم هو الإذعان التام ﴿وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22) سورة لقمان  ومن يسلم لله فقد أدخل نفسه في حالة السلم يسلم هو على نفسه وماله وعرضه ويسلم المسلمون من يده ولسانه وهو ما صرح به الصادق الأمين حين لخص تعريف المسلم بحالة السلام فقال : ( المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه ) وقال :  ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يشتمه  ) وقال : ( المسلم أخو المسلم  لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله ) وفي حديث آخر ساوى المصطفى بين الإسلام وحسن الخلق فقال : ( الإسلام حسن الخلق ) وقد شدد رسول السلام عليه وآله وأصحابه خير التحية والسلام على اجتماع المسلمين وتكافلهم وتوادهم وتراحمهم فقال : ( المسلمون يد على من سواهم تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ويرد عليهم أقصاهم ) وقال : ( المسلمون إخوة لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى ) وخير صورة تعكس ترابط المسلمين وتشكيلهم لحمة واحدة هي التي أبان عنها رسول الله بقوله : ( المسلمون كالرجل الواحد إذا اشتكى عضو من أعضائه تداعى له سائر جسده ) .

ولأن الإسلام دين الأخوة والمحبة والسلام فقد صار السلام هو شعار المسلمين وتحيتهم كلما تلاقوا واجتمعوا بل حتى عندما يمر بعضهم على بعض راكبا أو راجلا وقد خلد الله تحية السلام فجعلها تحية أهل الجنة فقال جل شأنه : ﴿ تحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ إبراهيم 23 / يونس 10 .

وعن تحية السلام التي تورث الشعور بالأمن والطمأنينة وأمن العدوان من الطرف الآخر يقول رسول السلام : ( إذا تلاقيتم فتلاقوا بالتسليم والتصافح ، وإذا تفرقتم فتفرقوا بالاستغفار ) وقال : ( إن من موجبات المغفرة بذل السلام وحسن الكلام ) وقال : ( إن أبخل الناس من بخل بالسلام ) وقال : ( أفش السلام يكثر خير بيتك ) وقال : (ألا أخبركم بخير أخلاق أهل الدنيا والآخرة ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، فقال : إفشاء السلام في العالم ) وقال : ( إن السلام اسم من أسماء الله تعالى فأفشوه بينكم ).


وبهذه التحية المباركة الطيبة يستشعر المسلم السلام والطمأنينة ممن حوله من مجتمعه وبيئته ومن يدخل عليهم ومن يدخلون عليه ومن يمر بهم ومن يمرون به بل إنها الطمأنينة من الذات والنفس لئلا تقع فريسة وساوس الشيطان حين يدخل بيتا ولا يرى أحدا فقد قال جل شأنه : ﴿ فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً . وقال رسول الله : ( إذا دخل أحدكم بيته فليسلم فإنه تنزله البركة وتؤنسه الملائكة ) .


وتمتد علاقة الإسلام بالسلام حتى تراها في كل تشريعاته ابتداء من الدعوة إلى الله تعالى والتي تكون بالحسنى بلا جبر ولا إكراه فقد قال عز من قائل ﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ البقرة 256 . وقد امتدح الله نبيه حين صنع المجتمع المسلم المتآلف عن طريق الحسنى والمعاملة الطيبة ولين الجانب والخلق الحسن فقال عز اسمه : ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) سورة آل عمران. وقد امتن الله على عباده بنعمة النبي الرحيم نبي الرحمة والسلام فقال جل شأنه :﴿ َقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (164) سورة آل عمران


ولو أردنا تتبع مصاديق الرحمة والسلام للمسلمين بل للبشرية والإنسانية في كل تشريعات الدين لطال بنا المقام ويكفي أن الرسول قد أخبر أن أحاسن الأخلاق هم أقرب الناس منه مجلسا في الجنة .


 أيها الإخوة الكرام :

كان هذا استعراضا موجزا لبعض جوانب علاقة الإسلام بالسلام على الصعيد النظري ولكن المهم أين نحن كمسلمين من كل هذا ؟ أين التطبيق العملي ؟ أين الاتباع الذي يلي التصديق ؟


للأسف الشديد لقد غابت كل هذه الحقائق الواضحة عن أذهان البعض مع شدة وضوحها في كتاب الله وسنة رسوله ومع كثرة تناول العلماء والفقهاء والمفسرين لها , وبغيابها ضلت فئة عن الطريق الواضح السديد وجعلت نفسها في جزيرة منفصلة عن محيط المسلمين الهادر واعتقدت أنها على الحق وأن كل هذه الملايين من المسلمين حكاما ومحكومين على باطل ، فانقلبت المفاهيم واضطربت الحقائق والرؤى فصنفوا المسلم كافرا وهو يشهد الشهادتين ويصلى ويصوم ويزكي ويحج البيت الحرام وشرعوا الجهاد ضد المسلمين وشرعوا في سل سيف البغي والفتنة فسفكوا الدماء البريئة وهتكوا الأنفس المعصومة وانطلقوا يخبطون خبط عشواء وهم مع ذلك يحسبون أنفسهم في قمة الجهاد ومنتهى التقوى وصدق الله العظيم حين يقول وماأصدق هذه الآية عليهم : ﴿ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) سورة الكهف


لقد تدارك الله برحمته بعض من أفتوا وقعدوا ونظروا للفئة الضالة فأعادوا النظر وبصرهم الله الحق ثم جاءت فرصة العفو لمن يتوب ويرجع قدمها الحاكم ببعد نظره وحسن سياسته لمن يستدرك ويعود وأما من ختم الله على قلبه بالزيغ واتباع الهوى فهو سادر في غيه مستمر في ضلالته ولكن الله قيض لهذه البلاد من يحميها ويرعاها  وليس للضال المضل إلا الخيبة والهوان والذل وسوء العاقبة في الدارين

 نسأل الله حسن الخاتمة والعافية والمعافاة ، اللهم احفظ هذه البلاد وأهلها من كل سوء وكيد وبغي وعدوان فأنت خير حافظ وارحمنا برحمتك فأنت خير راحم واهدنا من عندك فأنت الهادي إلى سواء السبيل ، والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبيه الأمين محمد وآله الطيبين الطاهرين .