أيها التونسيون: احذروا تصدير الطائفية لكم

حسين أحمد بزبوز *

 

ربما نكون نحن الخليجيون، بحكم الالتزام الديني المتشدد والتجربةالدينية الخاصة، أعلم وأعرف منكم أيها التونسيون، بمعاني ومصائب الطائفية المستترةخلف هالة قداسة الشعارات الدينية، وانعكاساتها على الحياة العصرية. وإن أردتم ماهو أفضل من ذلك في استجلاء الحقيقة، فاسألوا أيضاً أهل باكستان وأفغانستان والعراقولبنان، عن ويلات ومصائب الطائفية عندهم، فهم أعرف منا ومنكم، بحكم التجربةوالمعايشة المرة والمؤلمة والمريرة، بتلك الطائفية ومصائبها الحقيقية المدمرة والخطيرة،على الحياة الاجتماعية الإنسانية بصفة عامة، وعلى الحياة المدنية العصرية بصفةخاصة. وأما عنا نحن ونحن هنا في الخليج، فإننا رغم ما لدينا من خيرات معلومةومعروفة تشهدها كل الدنيا، فلم نفلح - خصوصاً في البلاد التي ترسخت فيها جذور تلك الطائفيةالمريضة بقوة - حتى اليوم بعد، ببركات تلك الطائفية وببركات التزمت الديني، في أن نتقدمنحو الأمام ونحو أهدافنا الحقيقية التنموية والصناعية والحضارية والمعرفيةوالعلمية قيد أنملة واحدة ... بما يتلاءم مع هذا العصر وإنجازاته الضخمة ... فخذواالعبرة منا جميعاً هنا وهناك ... ومن تخلفنا وتأخرنا ... وكفى.


وأنا أقول هذا لكم، وكلي حرقة وألم، على بلدٍ كلما تأملته ونظرت فيه من بعيد فيخضم هذا الربيع العربي المضطرب، كنت أرى فيه كل الأمل لديمقراطية عربية ناشئة وليدةواعدة، فهو بعيدٌ جداً عن تزمتنا الديني وعن طائفيتنا المريضة، بينما أشاهدكم اليوموالتحريض وتصدير الطائفية والتزمت الديني ضيفاً مرحباً به في بلادكم الحبيبة،الطامحة لمستقبلٍ أفضل، حيث يبث البعض اليوم هناك سمومه الطائفية في بلادكم، في فسحةغير مسبوقة من الزمن، في نسيجكم السياسي الوليد، وفي بنيتكم الاجتماعية المتحولة، وفيقلوب أناسٍ طاهرة وبريئة.

 إن تونس الخضراء الجميلة، كما يجب أن تكون في تحضرها، وبما تستحق منغدٍ زاهر مزدهر، ليست بلداً للسنة ولا بلداً للشيعة ولا بلداً للأحباش ولا بلداًللعلمانيين ولا بلداً للشيوعيين ولا بلداً لغيرهم، بل هي بلدٌ لجميع أبنائها، منهؤلاء وغيرهم، مهما اختلفت أطيافهم وألوانهم ومذاهبهم، في ظل حرية الاختياروالعبادة والتعبير عن الرأي. بلد المشاركة والتسامح والتعاون والتشاور وتحكيمالديمقراطية والقبول بالحلول التوافقية والإقبال على التنمية والمشاريع العلميةوالصناعية والاقتصادية، لا بلد الاصطفافات الفاقعة والهيمنة الديكتاتورية والحلول والمشاريعالأيديولوجية المسببة للفرقة والدمار ... وهذا ما يجب أن يكون، لا ذاك.

 ويبدو أن البعض، لا يعجبه هذا الانسجام والنجاح والتآخي المثمر، الذييمكن أن يتحقق بقيادة المعتدلين منكم، لذا يريد لكم هؤلاء بيتاً كبيت العنكبوت أوهو أوهن من ذلك، وذلك بتصدير نزعة مريضة من هنا أو هناك، تنتمي لهذا المذهب أو لذاك.ولن يفت في عضد تونس الجديدة شيءٌ، كاستسلامها لمن يصدرون لها حروبهم الطائفية،ويغررون بأبناء تونس ضد بعضهم البعض، أو ضد بقية إخوانهم من المسلمين أو غيرهم، منأبناء بقية الدول العربية والإسلامية، ويزرعون في بيوتكم التعنت والتشدد، ضد بعضكمالبعض، أو ضد إخوانٍ لكم في الخارج.

 فإذا أردتم العبرة والعظة - وهذا مرهون بالشرائح الواسعة وبالغالبية منكملا بالقيادات فقط أو الأقليات ونضج بعض رموزها فحسب، وهو ما يتطلب من الواعين منكمالعمل الدائب في ميادين التوعية وبث الاعتدال والتسامح وحفظه وصيانته، في سبيلتحقيق الحرية والعدالة والديمقراطية المثمرة -، فانظروا للدول الإسلامية التيابتليت بالطائفية وبالتزمت الديني، نظرة بصيرٍ معتبر، فتدبروا كيف أعاقت الطائفيةفيها مسارات التنمية، وتدبروا ذلك الضياع والانحطاط الذي وصل إليه الطائفيونببلادهم ... وأنتم لستم في النهاية بحاجة لمرجعية دينية ولا مذهبية أو أيديولوجية تستقونهاأو تفد عليكم من خارجكم لا من هنا ولا من هناك ... فكونوا أحراراً من التبعية وقادةأنفسكم ... مهما كان الطعم ومهما كانت المغريات ... فابنوا إيمانكم وهديكموإسلامكم المعتدل ونهجكم في الحياة بأنفسكم دون وصاية من أحدٍ أو تبعية لأحد ...وقدموا الشراكة والحرية والتعاون والتسامح والتنمية والعلم والصناعة والديمقراطيةعلى كل التفسيرات والتأويلات الدينية المغرضة والمريضة التي قد تقدم لكم ... وعلىكل المكاء والتصدية وإشعال الفتنة(*).


واحذروا كل المخططات الصهيوأمريكية التي - في إطار إرادة صهيونية وأمريكية لن تستهدفإلا تحقيق مصالحها في إطار بحثها عن نجاحها في حربها على القاعدة والإرهاب وبحثهاعن أمنها القومي وازدهارها المبني على الاستعمار والسلب والنهب والاستلاب وفي إطارمواجهة رعبها من جمهورية نووية أو صناعية إسلامية إيرانية متطورة وقادرة - قد تسعىلتدشين المزيد من حروب استنزاف الخصوم الإسلاميين هنا أو هناك خاصة في عالمنا العربيوالإسلامي ومفاصله الحساسة، لتجر ربما الجميع لحرب قطبين مسلمين أحدهما شيعيوالآخر سني عبر ألاعيب وفنون تلك الدول في نشر الأكاذيب والأوهام المفعلة بأسبابعدة أهمها ما تعيشه من فوبيا الهزيمة السياسية ورعب نقص الموارد ... فكفى هنا ضحكاًعلى الذقون ... ولعب على الصراعات والأوتار الحساسة في العالم العربي والإسلامي واستسلاملذلك نتيجة ما يحققه البعض من مصالح خاصة رغم ما يجره ذلك علينا من تفتيت وتأخير للأمةوتمزيق للطاقات ولمصالح الشعوب المسلمة لصالح العدو المستعمر الأجنبي وتأجيلللنهضة المرتقبة في البلاد الإسلامية ... القادمة وإن طال الزمن.


وهي هنا نصيحة لوجه الله خالصة ما أراد الله لها ذلك، لا شيعية ولا سنية ولا تعرفأية تلونات أيديولوجية ولا انتماءات سياسية سوى الصبغة والطبيعة الحضاريةوالإنسانية المنبعثة من الوعي الإنساني الحضاري ومن الزهد في ملذات الدنياالمحدودة الزائلة والفانية ... والسلام.


 

(*) يوتيوب - إجابة عن أسئلة مهمّة ومفيدة للشعب التونسي:

http://www.youtube.com/watch?v=_6XSEpfwrpg ))

و

(http://www.youtube.com/watch?v=pSFa1RL4Wbc)