فقه أدب التعايش (2)

 

  • الفقيه والمفكر

إن القضايا المشتركة التي يتنافس عليها الفقيه والمفكر هي تلك التي لها علاقة بالمجتمع، وهي في الغالب لها دلالات ومعايير تتعلق بمنظومة القيم والسلوك، كحقوق الإنسان والمرأة والمواطنة والقومية والدستور، والعلاقة مع الغرب ومنتجاته الثقافية والمادية.. وغيرها من المسائل الاجتماعية والسياسية.

وبالتالي فإن لكل من الفقيه والمفكر رسالته في الإصلاح الاجتماعي، وذلك انطلاقا مما يحملانه من ركائز معرفية متقاطعة، واختلاف المعايير المتبعة في التفكير، مما يجعل رهانهما لحل المشكلة الاجتماعية مختلفا.

فبينما يستعين الفقيه - لكسب رهانه - بكل أدوت التحقيق البيانية من السند والدلالة اللغوية لفهم (النص الديني)، فإنّ المفكر - في المقابل - يوظف كل الوسائل العلمية التي تتكفل بها العلوم الإنسانية كعلم الاجتماع والنفس والتاريخ والاقتصاد والإحصاء وغيرها في صورة توليف بين (التجربة البشرية) وموجهات ( النص) لتحقيق هدفه في الرهان.

فإذا كان الفقيه يلجأ مثلا لحل مشكلة المخدرات بالوعظ والتحذير دون اللجوء إلى الطرق العلمية المساعدة، فإنّ المفكر يلجأ في علاجه إلى البحث في الأسباب والعوامل الكامنة وراء هذا الفساد لتغييرها، كأن يرى أن المشكلة الأساسية تكمن في الجفاف العاطفي للأسرة أو البطالة أو صعوبة الزواج لغلاء المهور، أو للكثافة السكانية أو غير ذلك، فهو يستخدم الوسائل العلمية في الإصلاح، ويعتمد على التخطيط قبل القيام بخطواته في التغيير.

وكما يختلف الفقيه والمفكر في مثل هذه القضايا، فهما يختلفان أيضا في قضايا متجذرة وعميقة كمفهوم (التعايش) الذي يرى الفقيه من خلال حاكمية الدين على هذا المفهوم، بينما يرى المفكر ألا دخل للدين بحكومته على مثل هذا المفهوم بل هو عهد بين الشعب والقانون... يتبع