المناهج المدرسية المطورة بين السلب والإيجاب

حسين أحمد بزبوز *

 نظرة سريعة على الكتب المدرسية المطورة الموجودة بين أيدينا اليوم (الطبعة التجريبية 1430هـ - 2009م، الفصل الدراسي الأول)، كفيلة بأن تكشف لنا أن مناهجنا المدرسية المرحلية قد أصبحت اليوم أكثر غزارة من حيث قيمتها المعرفية، وأن المهمة التعليمية التي تُطالب المؤسسات التعليمية بإنجازها في بلادنا قد أصبحت أكبر، وأن الطالب والمعلم وولي الأمر قد باتوا جميعاً اليوم أمام آفاق أرحب وتحديات أخطر ... فما كان بالأمس يقدم لطلاب المرحلة الثانوية، قد أصبح اليوم يقدم لطلاب الصف الأول المتوسط، وما كان يقدم بالأمس لطلاب الصف الأول المتوسط، قد أصبح اليوم يقدم لطلاب الصف الرابع الابتدائي، وما كان يقدم بالأمس لطلاب الصف الرابع الابتدائي، قد أصبح اليوم يقدم لطلاب الصف الأول الإبتدائي ... وهكذا ستستمر التطورات التعليمية في بقية المناهج المدرسية في المراحل القادمة من التطوير كما هو متوقع ... فقس على هذا المنوال.

 وطبعاً من المعروف أن ملايين أو مليارات الريالات، قد صرفت بالفعل أو ستصرف لاحقاً، على مثل هذا المشروع التطويري الباعث للأمل، وعلى بقية مشاريع التعليم الهامة الأخرى في البلد. كل ذلك لأن حكومتنا، باتت تدرك اليوم بشكل أعمق، أننا قد أصبحنا اليوم أمام عصر معرفي جديد بكل ما للكلمة من معنى، بحيث بات فيه من الضروري بل من أوجب الواجبات، أن نستثمر في التعليم بكامل السخاء وكل القوة وبالفاعلية القصوى، كي لا تسحقنا القوى الأخرى، وكي لا يتجاوزنا الزمن، ولنستطيع في هذا العصر الصعب الرهان على المستقبل وعلى أجيالنا القادمة، أو أقلاً لنتمكن في عصرنا الراهن من صيانة وحفظ مصالحنا البسيطة في الأيام القليلة القادمة.

 ورغم كل شيء، ورغم كل المشاريع الهامة والخطط الواعدة، إلا أن النوايا الطيبة والأفكار الحسنة، لا تغني عن العمل الجاد والنقد الفعَّال والبناء والمراجعات المستمرة. لأن كل عملٍ أو مشروعٍ أياً كانت عظمته وقدرة أو مهارة القائمين عليه، فسيبقى عرضة لتنازع جوانب الكمال والتمام وجوانب النقص والخلل أيضاً. وهكذا تماماً، هي مناهجنا المدرسية المطورة التي هي بين أيدينا اليوم، والتي لم تخل من جوانب إيجابية مشرقة، تضاف لها في نفس صفحات الكتاب، بعض المثالب والأخطاء والعيوب، والتي قد نتفق جميعاً على بعضها حيناً، بينما قد نخفق في الاتفاق على سلبية أو إيجابية البعض الآخر منها، في أحيان أخرى.

 فأمسك مثلاً بين يديك، كتاب العلوم للصف الأول المتوسط، وتأمل فيه جيداً. فافتح منه الصفحات من (ص 16) إلى (ص 21)، لتشاهد بنفسك كيف يركز هذا الكتاب على غرس روح أو منهجية التفكير العلمي، في أذهان أبنائنا الطلاب. ثم اقلب صفحات نفس ذلك الكتاب حتى تصل للصفحة (رقم 26)، ودقق حينها النظر في صورة ما يبدو أنه طبق طائر يطير في سماء الصحراء في (الشكل 13) ... فهل ستصدق كل ما تراه عيناك؟؟؟ ... أو هكذا يطرحها الكتاب: "انظر إلى الشكل 13، هل تصدق ما ترى؟ هل تصدق كل شيء تقرؤه أو تسمعه؟".

 ثم انتقل أيضاً بعد ذلك إلى أسفل نفس تلك الصفحة، لتقرأ ما كتب تحت عنوان: "التفكير الناقد"، واستمر بعدها حتى تصل للجدول التوضيحي الموجود في الصفحة المقابلة لتلك الصفحة، لتكتشف بنفسك أن هذا الكتاب قادرٌ بقوة على أن يدربك على عدم الإستسلام للإنطباعات والتصورات الشخصية، غير الدقيقة، وغير المستندة إلى البرهان والدليل العلمي والمنطقي ... ليخلق منك في النهاية إنساناً ناقداً.

 وفي الصفحة (28)، يمكنك ببساطة أن تكتشف أن الموضوع المطروح، فيه نقد موجز لتهميش دور المرأة على مدى مائة عام مضت، وحث ضمني على العمل من أجل إعلاء وتشجيع هذا الدور أو أقلاً القبول به. بجانب الإشادة أيضاً بأسماء بعض الكفاءات العلمية النسائية، منهن مثلاً: الطبيبة والعالمة السعودية "خولة الكريع".

 أما في الفصل الرابع، فستجد الحديث حول الذرات والعناصر والجدول الدوري، في مواضيع لا شك أن بعضها أقلاً يقفز بتفكير طالب الصف الأول المتوسط - الذي عهدناه -، لمستوى طالب المرحلة الثانوية المعروف، أو لا أقلاً لمستوى طالب الصف الثالث المتوسط، في بعض القضايا والنقاط العلمية والمعرفية المطروحة.

 أما في الصفحة (89)، فستجد حديثاً عن العالم غير المسلم "إليجا ماكوي"، وفضله عليك - كإنسان معاصر -، باختراعه أول نظام للتشحيم الآلي. حيث ورد في الكتاب ما نصه: "وعندما تذهب في رحلة بالسيارة، ربما عليك أن تشكر إليجا ماكوي". وهو اعترافٌ صريح بالفضل لإنسانٍ غير مسلم - أو "كافر" كما يحب أن يعبر البعض -، ورد في مناهجنا المدرسية، بالشكل الذي يكسر ما لم يعتد عليه أو ما اعتاد عليه بعض أو كثيرٌ من المسلمين القشريين المحليين.

 وفي الصفحة (140) من هذا الكتاب، ستجد حديثاً موجزاً عن أجهزة الـ (GPS)، والتي بحسب علمي لم يتم التعريف بها في أيٍ من المناهج المدرسية القديمة طيلة سنوات مضت، رغم التطورات العلمية المستمرة، حين بقينا طيلة تلك الأعوام مصرين على مواضيع مثل: "البوصلة والدب القطبي والإسطرلاب ... الخ"، وهذا يكشف لنا بجلاء جانباً من جوانب ذلك التغيير الذي نشدناه أو أوجدناه.

 ثم ركز هنا أكثر عزيزي القارئ في الكتاب، وسيشدك عنوان "العصف الذهني" ... الذي نتمنى أن يكون فعلاً عصفاً ذهنياً حقيقياً كما ينبغي ... كما سيتكرر مرور العنوان "التفكير الناقد" أمام عينيك في عدة مواضع من هذا الكتاب ... علك تتذكر ذلك الفعل الهام.

 حسناً، ربما كان هذا حديثاً عن الإيجابيات، وربما رآها البعض أو رأى في بعضها أقلاً شيءً من السلبيات ... ومن جهة أخرى، فماذا عن الورق الفاخر المصقول المصنوع منه الكتاب ... وماذا عن الصور الرائعة الموجودة بكثرة فيه ... وهي الجوانب الأخرى التي لم نتحدث عنها فيما مضى أو فيما أوردناه من قبل؟؟؟.

ربما نتفق هنا جميعاً، على أن الكتب المدرسية المطورة فاخرة، وأن الصور التوضيحية المدرجة في تلك الكتب رائعة، وأن الكتاب المدرسي المطور بات أشبه بالمجلة أو الموسوعة العلمية الفاخرة - خصوصاً عندما نتحدث عن كتب مادة العلوم -، وقد تعجبنا أيضاً فكرة الكتاب المدرسي المصقول والفاخر. لكن عندما ننتقل للحديث عن كتاب الرياضيات للصف الأول الابتدائي، فستقفز في وجوهنا بسرعة من واقع التجربة العملية المدرسية، عدة مشاكل، أولها سرعة تمزق ورق الكتاب، وثانيها سرعة زوال تلك الأنواع الفاخرة من الألوان من وجه الكتاب، بمجرد ملامسة ممحاة الطالب الصغيرة، لأي صفحة فاخرة من ذلك الكتاب.

 وعيب آخر ينبغي الالتفات له جيداً، هو عيب غياب أو عدم توفر المواد أو القطع البلاستيكية اللازمة لبعض الألعاب أو الأنشطة العملية - كقطع العد - المذكورة في الكتاب. وفوق هذا العيب ستجد عيباً آخر يمكن أن نضيفه إليه، وهو عيب عدم ظهور الألوان الخشبية - المستعملة عادة في مثل هذه السن المدرسية المبكرة من قبل الطلاب في حل بعض الأنشطة والتدريبات - بشكل واضح وجيد فوق صفحات ذلك الكتاب الناعم والمصقول.

 أما عندما ننتقل لكتاب العلوم لنفس المرحلة - الصف الأول الابتدائي، الفصل الدراسي الأول -، فنفتح كراسة النشاط ونحاول الإجابة على بعض الأسئلة الموجودة في الكراسة، فسنصاب حينها بلا شك بالكثير من الذهول والاستغراب. فخذ مثلاً هذا السؤال (ص 13): "كيف يمكنني أن أصنف الفاكهة إلى مجموعات مختلفة؟" والذي ترك أسفله سطر فارغ هكذا: ".........................................................."، فكيف سيتمكن بالله عليكم طالب الصف الأول الإبتدائي وفي الفصل الدراسي الأول أيضاً من العام من الإجابة على هكذا سؤال؟، وهو ربما لم يتقن بعد كتابة أية كلمة عربية واحدة كاملة وصحيحة؟ فما بالكم أذا كان الكتاب كله ينحى منحى هذا المثال؟ بل ويصل لما هو أسوء منه؟.

 ومن ناحية أخرى معاكسة، فإننا عندما نريد أن نبحث عن بعض مزايا التطوير في كتاب العلوم للصف الأول الإبتدائي - للفصل الدراسي الأول -، فإننا سنجد أنه كتاب غني بالمعارف والمعلومات والمرادفات التي ترتقي بذهنية الطالب - شريطة أن يتوفر المعلم المجد والمخلص والمناسب -. ففي الصفحتين (12 - 13) يتعلم الطالب الطريقة العلمية في التفكير، وفي الصفحة (14) يتعلم الطالب بعض قواعد السلامة، وفي الصفحة (19) سيجد الطالب حديثاً عن (المقارنة - الملاحظة - الاستنتاج - التصنيف - الاستكشاف)، وفي الصفحة (25) عن (التواصل)، وفي الصفحة (35) عن (تسجيل البيانات)، وفي الصفحة (38) عن (دورة الحياة)، وفي الصفحة (40) عن (التوقع)، وفي الصفحة (73) عن (عمل نموذج)، وفي الصفحات (80 - 83) عن (حبوب اللقاح - السلسلة الغذائية - الانقراض - الطبيب البيطري)، وفي الصفحات (88 - 95) عن (الصخور - المعدن - التربة)، وفي الصفحة (105) عن (التلوث - إعادة الاستخدام - الترشيد - التدوير)، وفي الصفحة (108) عن (الموارد الطبيعية) ... وقس على ذلك.

 كانت هذه إطلالة سريعة على مناهجنا المدرسية المطورة (سلبياتها وإيجابياتها)، وهي تجعلنا بالتأكيد في حالة متأرجحة بين الخوف والرجاء. الخوف من التخبط والاستعجال في بعض أفكار التطوير، والرجاء لما يمكن أن يسهم به ذلك التطوير المنهجي من تطوير وتحفيز لعقليات الطلاب وقفز بعقلياتهم لمستوى يناسب ويلائم مكانة وموقعية رجالات وقيادات المستقبل ... وفقهم الله.

 فبين هذه وتلك نترككم ... في أمان الله.