رسالة لم تنتهِ حروفها بعد

    من بعد رحيلك ... كيف لنا أن نفتح عيوننا قبالة عينيك المغمضتين؟ كيف تخفق قلوبنا ولا روح بقلبك ؟ كيف نتأمل الأماكن وهي تخلو من ظلك ؟  كيف للمسجد، للحسينية، للديوانيات، أن تفقد شخصك ؟ كيف لعصر الجمعة أن يحلو دونك ؟ أن يخلو من صوتك الهادئ .. من عباراتك التي عودتنا.. ، من ابتسامتك الجميلة .. كيف لنا أن نتصفح الوجوه ولا نراك بيننا...

    كنا بقربك في موكب عشاق الحسين ظهر اليوم العاشر نستشعر مشهد مصرع الحسين مضرجاً بدمه، وكنت بخلاف العام الفائت لم تمرر حد القامة على رأسك، وتموضعت برايتك أمام الجمع بعد أن كنت وراء الستار الداعم الخفي، والسند الكفؤ، وذخرت الدم هذه المرة في ذات الشهر المحرم، ولكنه على عكس ما تشتهي سال بالشكل المحرم . . فتلقفتك الأرض خائراً بدماك جزاء أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر .. فما أبشع اليد التي سددت طعنتها إليك.. وما أعظم هذا القلب المطعون..  كان نابضًا بالإيمان وحب أهل البيت، كان كبيراً في قربه وحبه لإخوانه المؤمنين.. كان بين الجميع وبيت الجميع ..

    كنا نرقب فيك الخير روحاً مرفرفاً وعملا متحركاً، ونرقب فيك الوهج الرسالي وهو ينمو يوماً بعد يوم، بعد أن شققت الطريق بالتوكل على الله وإخلاصك المميز، عبرت الدروب بين المتعبين بقدميك الثابتتين وقامتك المرفوعة في الإفطار والغدير والإصلاح والعشاق و و و .. كنا نتأمل فيك المزيد، وتيقنا حقاً بأن المزيد كان فيك، وتيقنا بأنا لسنا وحدنا من وجد فيك الصفاء ولمح فيك الإخلاص والتفاني، وتيقنا بأنا لسنا وحدنا المأسورين بما فيك.

    يا صاحب عمر الورد كيف تركت السوسن يحتاج نداك، كيف تركت أحمدك البار وآلاءك والتقى وتوأم القلب علي وفاطمة وارتحلت دونما وداع، كيف تركت البيت المملوء بدفئ الحب تحن زواياه لأصداء نبرات صوتك، يحن لأناملك تتحسس مواضع الوجع فيه، لبريق عينيك يضيء فيه، لطيب أنفاسك فيه. يا لهذا البيت المكلوم رحماك يا رب أنزل سكينة على قلوب ساكنيه.
    يا آخذ قلب الأحباب رحيلاً ترفق بنا فالمسير طويل طويل، نحن الهائمون فيك واثقون بأنك كنت لله وما كان لله ينمو، سنظل كما تشتهي في ركب الرساليين سائرون، ننمو كما نَمَوْتَ.

 يا آخذ قلب الأحباب بقلبك نحن واثقون بأنك لن تفارقنا روحاً وظلا إلى أمدٍ بعيد بعيد بعيد …

الخميس

21/1/1431هـ

شاعر وكاتب من أم الحمام