لسعات طاش ماطاش المؤلمة ( 1-2 )

بسم الله الرحمن الرحيم

يعد المجتمع السعودي أكثر المجتمعات المحافظة على المستوى العربي والذي لا يسمح بانتقاد أفكار وعادات دينية واجتماعية سائدة ومتأصلة فيه ، لكن مع الطفرة المعلوماتية والسياسة التي انتهجتها المملكة في السنوات الأخيرة المتمثلة في تبني إصلاحات تطال شتى المجالات منها فتح مجال لحرية الرأي والانتقاد البناء ، بدأت ثقافة الوعي والانتقاد تطفو على سطح المجتمع السعودي لتقويم ومراجعة أفكار وعادات يراها الكثيرون أنها خاطئة وغير مقبولة خصوصاً تلك الأفكار والعادات التي يعمد لتأصيلها وتجسيدها مريدو التيار الديني دون النظر لمصلحة المجتمع والوطن وتغيرات العصر.   

وتبنى هذا الانتقاد طبقات علمية وثقافية سعودية متعددة سعت إلى غربلة وتصحيح كثير من الأفكار  والممارسات وانتقادها بشكل إيجابي وجريء في محاولة لإيجاد الحلول لكثير من الأخطاء والممارسات التي تطرح هنا وهناك ، لكن بقي هذا التوجه والانتقاد يسري بشكل بطئ لايصل لمستوى الأمنيات المنشودة لتجديد مياه المجتمع الراكدة طيلة عقود من الزمن .

• طاش ماطاش على قمة الهرم الفني في السعودية

استطاعت دراما مسلسل طاش ماطاش المتولد من مياه هذا المجتمع تحريك المياه الراكدة وأصبح المنبر الإعلامي الأول المنتقد لمجريات الساحة الاجتماعية والوطنية في المجتمع السعودي ، وتربع على قمة الهرم الفني في المملكة ،  وخطا خطوات جريئة تضعنا على جروح تدمي المجتمع وتهدد كيانه .

ومن الخطوات الجريئة التي قام بها مسلسل طاش ما طاش أن فتح باباً لانتقاد التيار والفكر الأصولي المتشدد في دراما سعودية وِجهت لجهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعليم  والقضاء وأئمة المساجد وقضايا المرأة ومحاربة الفنون والتطرف وغيرها . وصنع مسلسل طاش ماطاش مفهوم ثقافة انتقاد جديدة داخل المجتمع السعودي فيما عجزت عن صنعه آلاف من المقالات والتقارير التي انتقدت ممارسات وظواهر دينية واجتماعية لم يجرؤ أحد على انتقادها من قبل  .

ولعل الركيزة القوية في قوة وشعبية مسلسل طاش ماطاش واستمرار يته طيلة هذه السنوات تكمن في أن هذا المسلسل خرج من أصل وجذور هذا المجتمع ولم يأت من خارجه ، وهي نقطة قوة ساعدت على عرض كثير من القضايا بناء على واقع ملموس لاغبار عليه ، بالرغم أننا نتفق على وجود مشاهد فنية مبالغ فيها لكن أغلبها مبني على الواقع والحقيقة .

ومما أثار حفيظة المنتقدين لمسلسل طاش ماطاش أنه عبر عن المواقف المتشددة في دراما فكاهية تنبؤية ومستقبلية يمكن حدوثها خاصة عندما يُسمح لهذا التيار بالاستمرارية في ممارسة لغة الفرض والإجبار بعيداً عن لغة الإقناع   والحوار ، وهذا ما عرضه المسلسل عندما تناول قضية التشدد والتطرف الديني والفكري وكيف أن المجتمع السعودي في نهاية المطاف هو من دفع ضريبة باهظة بعد مقتل مئات من المواطنين السعوديين من مدنيين ورجال أمن ، بالإضافة  إلى تظليل شريحة شبابية كبيرة بفكر ضال ومتطرف ، ورسم صورة بشعة عن الإسلام في أصقاع العالم لا تنم عن صورة التسامح في منهج الدين الإسلامي الحنيف.

• طاش ماطاش بين المناوئ والمؤيد 

خرجت شريحة اجتماعية مناوئة تطالب بوقف هذا المسلسل وكبح جماح بطليه السدحان والقصبي ، بالمقابل خرجت شريحة مؤيدة له كونه ظاهرة صحية للتعبير عن حرية الرأي والانتقاد الجريء في وقت نطالب فيه بالحوار لأجل هذا الوطن وتكريس ثقافة التسامح بدلاً من ثقافة العنف والإقصاء ، لكن المفاجأة غير المتوقعة بالنسبة للمناوئين أن شعبية طاش ما طاش ازدادت بزيادة أعداد المشاهدين له في كل عام . 

وبالفعل واجه مسلسل طاش ما طاش حرب وتيار بأكمله بسبب الانتقاد الجريء لهم ، لكن السؤال المهم الذي يطرح نفسه  : لماذا لم يُنتقد هذا المسلسل عندما كان يطرح مشاكل اجتماعية لم تطل التيار الديني ؟ ألم يكن هناك مشاهد لا تنسجم مع عاداتنا وتقاليدنا ؟ وكأنه المسلسل الوحيد الذي يتخلله مشاهد مخلة ببعض الممارسات الدينية والقيم الاجتماعية ، بينما نجد أن مسلسلاً آخر قد يحتوي في حلقة من حلقاته على مشاهد أكثر انتقاداً وانحلالاً عما احتواه مسلسل طاش ماطاش؟ . 

والسؤال الأهم : لماذا أقحم الجانب الشرعي والديني في الحرب على طاش ماطاش ، خاصة بعد أن أصدر عدد من العلماء فتاوى وبيانات بتحريم مشاهدة هذا البرنامج و إنتاجه و الدعاية له والإعلان عنه  ؟

نُجيب على هذين السؤالين في مقالنا القادم .