الأمريكيون تنازلوا عن الاستقلال الذاتي*

حسين أحمد بزبوز *

 إن قليلاً من التفكير في العبارة التي تقول أن: "أي شخص لا يملك الحق لإيذاء أي شخص آخر"، كفيلٌ مع التدعيم ببعض الأمثلة فقط، أن يبين لنا أن تلك العبارة الضبابية ليست سوى هراء محض. فلو افترضنا جدلاً أن هناك فتاة جميلة يتحبب إليها كلٌ من "جيم" و "بوب"، فإن فاز بيدها "جيم" ، فسيتأذى حينها "بوب". وبالطريقة نفسها، لو فاز بيدها "بوب"، فسيتأذى حينها "جيم". فأذى من إذاً هنا هو الأهم؟! وهل يجوز أيضاً أن يسمح لتلك الفتاة الجميلة بإيذاء أي من الاثنين؟!. في الحقيقة، هذا سؤالٌ تافه.

 أيضاً، في سبعينيات القرن العشرين (1970s)، عندما أنتجت شركتا (هوليت - باكارد) (Hewlett-Packard) و (تكساس انسترومنتز) (Texas Instruments)، أجهزة (الحاسبات الإلكترونية) (scientific calculators)، تضرر بشكل فادح منتجو أجهزة (المعداد) التقليدية، مثل شركة (كفل آند إسر) (Keuffel & Esser) وشركة (بكيت) (Pickett). وبعد هذا انتهى دور أجهزة المعداد التقليدية المعروفة تلك. والسؤال هنا هو: هل كان ينبغي أن يسمح لـشركة (هوليت - باكارد) وشركة (تكساس انسترومنتز) أن تسدد مثل تلك الضربة الموجعة لمنتجي أجهزة العد القديمة؟. وكذلك، في عام 1927 م، نجحت شركة (جنرال إلكترك) (General Electric)، في تسويق الثلاجات. وعندها تم واقعاً بشكل مفاجئ تدمير "صناعة الثلج" القديمة - إحدى الصناعات الكبرى الداعمة لمعيشة آلاف العمال -. فهل كان ينبغي السماح بمثل هذا الأذى؟ وماذا كان ينبغي للكونجرس حينها أيضاً فعله للحفاظ على الوظائف في قطاعي صناعة (الثلج) وصناعة (أجهزة العد الخرزية) التقليدية؟.

 إن أول شيءٍ يجب أن نعترف به هنا هو أننا نعيش في عالمٍ من الأذى. وأن ذلك الأذى متبادل. فمثلاً، لو منعت الحكومة شركتي (هوليت - باكارد) (Hewlett-Packard) و (تكساس انسترومنتز) (Texas Instruments) من الإضرار بشركتي (كفل آند إسر) (Keuffel & Esser) و (بكيت) (Pickett)، أو منعت شركة (جنرال إلكترك) (General Electric) من الإضرار بمنتجي الثلج، بإنكار حقوقها في صناعة الحاسبات الإلكترونية والثلاجات، فستتضرر حينها تلك الشركات، بالإضافة أيضاً لتضرر ملايين المستهلكين الذين استفادوا من صناعة الحاسبات الإلكترونية والثلاجات. وليست هناك أية طريقة علمية أو منطقية لتحديد ضرر من هنا هو الأهم. وهذا يعني أن الأمور أكثر تعقيداً من قولنا أن لا أحد يمتلك الحق لإيذاء أي شخص آخر. لذا عوضاً عن ذلك، يجب أن نسأل أنفسنا ما هو الضرر الذي يجب أن يسمح به في المجتمع (الحر)، وما الضرر الذي يجب أن لا يسمح به. فمثلاً، من المقبول بحسب اعتقادي بشكلٍ عام أن أؤذيك لحظياً بإقلاق راحتك وسكينتك بالمرور بدراجة نارية بجانب منزلك. لكن وكما أعتقد أيضاً فإنه ليس من المقبول بالنسبة لي أن أؤذيك بإلقاء حجر عبر نافذتك.

 في المجتمع (الحر)، تتم تسوية العديد من التناقضات في المضار والمصالح عبر مؤسسة حقوق الملكية الخاصة. وحقوق الملكية الخاصة هي تلك التي تعنى بالحقوق المتعلقة بالشخص الذي يعتبر مالكاً لحق حفظ واكتساب واستخدام والتخلص من حق الملكية بحسب ما يراه مناسباً، طالما لم ينتهك ذلك الفرد الحقوق المماثلة للآخرين. ودعنا نفترض هنا مثلاً أنك مستاء - أو متضرر - من الحانات التي تعزف موسيقى "الراب" الفاحشة والتي تسمح أيضاً بالتدخين. فإن كنت قادراً على استخدام سلطة الحكومة لحظر موسيقى "الراب" وحظر التدخين في تلك الحانات، فستنتفع أنت من ذلك. بينما سيتأذى الآخرون الذين تمتعهم موسيقى الراب ويمتعهم التدخين. مجدداً وكما ذكرنا سابقاً، ليست هناك أية طريقة علمية أو فكرية، لتحديد مضرة من هي الأهم هنا. ولذا ففي المجتمع الحر، تتم هنا الإجابة على هذا التساؤل حول من يمتلك الحق لأذية من، بالسماح بموسيقى الراب وبالتدخين، بواسطة سؤال حقوق الملكية الخاصة: من يمتلك الحانة؟. أما في المجتمع الاشتراكي، فإن مثل هذه التناقضات المصلحية يتم حلها عبر التهديد والإكراه والتخويف الحكومي.

ولو تساءلنا: ماذا عن الأذى الذي يمكن أن يلحقه الإنسان بنفسه، كالأذى المحتمل نتيجة عدم ربط حزام الأمان؟. فهذا أيضاً يعتبر سؤالاً من أسئلة حقوق الملكية الخاصة. فلو كنت مالكاً لنفسك، فسيكون من حقك حينها تجربة فرص حياتك الخاصة بنفسك. في حين يمكن أن يجادل البعض بأنك إذا لم تكن تربط حزام الأمان وتصرفت بشكل أهوج، فإن من واجب المجتمع حينها أن يعتني بك. وبهذا يكون ذلك التهديد الفاشي "أنقر أو تخالف" (click it or ticket) (1). وهنا يمكن القول، أن التحول إلى عبء على المجتمع ليس مشكلة من مشاكل الليبرالية والملكية الخاصة. بل هو مشكلة الاشتراكية. حيث يفرض على الفرد فيها العناية بالفرد الآخر. وتلك هي القضية هنا. فالحكومة وباسم تقليص تكاليف الرعاية الصحية، تقوم بتولي جزءٍ من سلطة التملك عليك، وبنفس القدر تتولى التحكم في عدة جوانب من حياتك الخاصة. وبهذه الكيفية يكون ذلك التنازل للأمريكيين بابتهاج عن الاستقلال الذاتي مأساوي ومؤسف.

 

(*) ترجمة بتصرف لمقالة (Americans have given up self-ownership)، المنشورة على موقع (WorldNetDaily)، بتاريخ (5 أغسطس 2009 م)، لكاتبها الدكتور/ والتر ويليامز (Walter E. Williams) - اقتصادي أمريكي وأستاذ جامعي وكاتب صحفي ومؤلف معروف، صاحب رؤى ليبرالية وأحياناً محافظة، مولود في فيلادلفيا عام 1936 م -.

(1) "click it or ticket" : شعار يشير إلى حملة تعبئة حكومية للسلامة المرورية الوطنية في أمريكا تستهدف زيادة استعمال حزام الأمان ضمن شريحة اليافعين. والحملة ترتكز بشدة على الإعلانات الموجهة التي تستهدف المراهقين والبالغين حديثي العمر.