رؤوس الثورة القادمة

حسين أحمد بزبوز *

دقق النظر جيداً.

 تأمل هذا المجتمع.

 تأمل هذه الأمة ... التي تريدها أن تسير في خطٍ مستقيم.

 والتي ... تريدها أن تقف عند ... صورة واحدة ... نقطة واحدة ... حالة واحدة ... مرحلة واحدة ... الخ.

 إنها ترفض ... ذلك.

 فدائماً ... لابد من انقلابات جديدة.

 أو ... تحول ... ما.

 ولو ... فقط ... من باب التغيير.

 لذا ... فما تركه الآباء ... سيمسح بعضه - أقلاً - الأبناء ... (يوماً ما).

 ولو ... على مهل.

 بل ... وقد يسوونه تماماً ... بالأرض.

 وتلك هي ... سنة الحياة.

 وما تتمناه أنت ... اليوم ... من الجمود ... فهو فقط ... أحلام اليقظة ... لا غير ... ولن يكون له نصيب من الحقيقة والواقع ... غداً.

فلا تضع وقتك ... في الأحلام الرومانسية.

 يقول الإمام علي : (لا تقسروا أولادكم علي أخلاقكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم).

 نعم ... فكل يوم ... لنا موضة.

 وكل يوم هناك ... تغيير ما.

 وليس بالضرورة أن نجد دليلاً واقعياً أو تفسيراً منطقياً ... لكل تغيير يهاجمنا أو يحدث فوق أرض الواقع.

 فقد يكون التغيير - أحياناً - بسيطاً ... يحدث فقط ... من أجل التغيير.

 ويبقى هذا ... هو (الدافع) ... و(الدليل) - على كثير مما يحدث باستمرار -.

 ومع ذلك ... فغالباً ما ينطلق التغيير خصوصاً في القضايا الكبرى ... من ظروف ومقومات واقعية موضوعية.

 ويبقى المهم ... أن نتعلم ... من ذاك ... ومن هذا ... كيف ومتى ومن أين ... نقرأ ... الواقع الحاضر؟؟؟!!! وبماذا ... ومن أين ... نستشرف ... ونفهم ... المستقبل؟؟؟!!.

 وأن نستفيد من (رغبة التغيير المتجددة) في نفوس الناس ... في خلق أمواجنا الجديدة الفاعلة ... للتأثير في الواقع ... لصالح ما نؤمن به.

 لذا ... يتحتم علينا أن ... نفهم الواقع ... وما ينتجه من بدايات ... بدقة ووعي.

 فللتغيير ... رؤوس.

 والرؤوس ... ستكبر ... وتكبر ... وتكبر ... ثم تكبر.

 وتحت الرماد - أحياناً - نار ... وفوقه - أحياناً - لهب.

 فما فوق الرماد ... واضحٌ للعيان.

 وأما ما تحت الرماد ... فسيدلك عليه اللهب المتراقص خلسة ... فوق السطح - شريطة أن تقرأ معطيات الواقع جيداً، وقبلها لا بد لك من أن تبتعد كثيراً بنفسك عن الأهواء وتتجرد كثيراً من الأمنيات -.

 وعندما يكتمل الدور سيحين موعد الحصاد ... ثم نعود بعدها لتقويض ما بنيناه في تلك المراحل السابقة ... أو ما بناه الأجداد ... من قبل.

 وما سيستمر  ... هو فقط - عادة - ما سيجد له دعائم حقيقة قوية ... عادة ما تكون مادية.

 لكن ... رغم ذلك ... سيبقى حتى المادي ... بحاجة لتغيير جلده ... كي لا يفقد البريق ... والتأثير.

 وتلك هي ... الحكايةُ كاملةً.

 فقبل القبل ... كان هناك قبلٌ.

 ثم توارى ذلك القبل أو زال ... وتبدلت الأحوال.

 وقبل ... المدارس والكليات والجامعات المخصصة للبنات ... كانت هناك مدرسة واحدة فقط مخصصة لهن.

 وكان الناس ... يرفضون تلك المدرسة.

 وقبل التلفاز ... كان هناك ... جهازٌ واحدٌ فقط من أجهزة التلفاز ... يستعمل.

 وكان الناس ... يحاربون ذلك التلفاز المستعمل.

 وقبل الدشات الفضائية ... كان هناك دش فضائي واحد فقط (ملعون) في أحد المنازل ... مركبٌ فوق السطح ... أو مخفي في ركن تخفيه خلفها جدران ذلك المنزل.

 وقد أطلقت على ذلك الدش الملعون ... نيران الرشاشات والقذائف والمدافع وصواريخ الطائرات ... وصواعق السماء.

 وقبل النقاب ... كان هناك نقابٌ واحدٌ فقط ... يستحي الناس من رؤيته على نسائهم.

 وقد طعن البعض في ... شرف لابسات ذلك النقاب ... قبل أن يتخذوه حجاباً شرعياً لنسائهم.

 و ... هكذا.

 وكنا عندها ... نستشرف ... مقبل الأيام ... والتغيير القادم بقوة ... مع الأيام.

 ونعلم أنها ... حقيقة مقبلة ... مبنية على مقومات واقع قائم ... وليست نزوات أفراد خرجت للتو من السرداب.

 فهل يعلم كل أولاد اليوم ... أن ذلك كله قد حصل فعلاً بالأمس.

 ربما ... لا.

 لكنه ... الواقع.

 فكلمة واحدة اليوم ... أو حادثة واحدة غداً ... قد تكون هي المستقبل (برمته).

 لذا علينا أن لا نخدع ... بواقع اليوم المعاش ... الذي عشقناه ... وأحببناه ... وارتمينا في أحضانه ... وربما ألهناه ... فظننا ... أنه خالدٌ ... لا يزول.

 أو بأمنيات الغد التي روجها البعض ... والتي ظننا أنها لا بد أن تقوم.

 ولو عاش الإمام روح الله الخميني (قدس سره) - مثلاً - حتى هذا اليوم ... لأدمى قلبه ما يحدث لثورته المباركة في هذه الأيام ... بعد كل تلك الثورة العارمة وذلك الهياج وتلك التضحيات والأمنيات الكبيرة ... فهو ربما عكس كثيرٍ مما تمنى هو أن يقوم اليوم ... حين بدأ ثورته الميمونة المباركة تلك ... بالأمس.

 فتلك الأمنيات أو كثيرٍ منها ... عكس - ربما - كثيرٍ مما تحقق ... أو ما لازال يتحقق ... فوق أرض الواقع والحق والحقيقة.

 لذا ... فلقد فشلت النبوءة - تقريباً - ... هنا.

 فما لم يكن يدركه الناس بالأمس ... وهم يقودون تلك الثورة المباركة حينها ... هو ربما ما قد بدءوا يدركونه بقوة اليوم - بسبب احتياجاتهم وأمنياتهم الجديدة ومعلوماتهم - ... عندما بدأت تلك الثورة تقودهم ... وهو بالطبع النقيض والعكس.

 والله وحده أعلم ... بما قد تجلبه لنا بقية الأيام المقبلة.

 فقط ... فلننظر للأرض ... وقواعد الحاضر ... وشهوات واحتياجات الناس - مهما كانت - ... وللظروف الموضوعية لما يحصل فوق أرض الواقع ... بعيداً عن فكرنا الضيق وقناعاتنا وأيديولوجياتنا وأهوائنا ... فذلك الواقع الحق هو وحده من سيحدد مسارات وخيارات المستقبل ... ومشرف الأيام.

 فالكلام عن قيادة المرأة للسيارة اليوم ... سيتحول إلى ظاهرة غداً ... لا شك.

 والكلام عن السينما اليوم ... سيتحول إلى ظاهرة غداً ... لا شك.

 ولو كنا نعي ونستشرف المستقبل قبل مدة ... لما ركبنا فوق المنابر الدينية ... نصرخ بعالي الصوت وبفوضوية مفرطة ضد تلك الدشات الفضائية بالأمس ... ونحن نعلم أنه كلام لن يصل في النهاية إلا إلى المكبات ... مهما كان الحق والخير والفلاح والصلاح والمرجو.

 ولو كنا نعي بعدها - أيضاً - ... أو نتعلم ... أو نتحلى بقليلٍ من الوعي ... أو نحمل معناً بعضاً من شعلة النور ... لأدركنا أن فشلنا في النبوءات السابقة ... ينبئ بلا شك ... عن فشلنا في القراءة الواقعية ... ويدل بلا شك ... على إخفاقنا في التفكير المنطقي في المراحل السابقة ... لكن كما يقولون: "عمك أصمخ".

 فلازال المتنبئون القدامى الفاشلون ... ورواد التنجيم القديم المخفقون ... يقودون المسيرة ... ويستمرون في التنبوءات والتبشير ... بأحلامهم الفاشلة المحروقة.

 وهناك أشياء سيئة أيضاً كثيرة ... قادمة ... قد تحصل ... في مقبل الأيام ... تحتم علينا أن نستشرف وأن نستعد وأن نعمل بجد من أجل المستقبل.

 فبعض العري اليوم ... قد يتحول إلى ظاهرة ... غداً.

 وبعض السكر اليوم ... قد يتحول إلى ظاهرة ... غداً.

 فبعد قمة التشدد الحاضرة والتجربة المريرة لهذه المجتمعات المحلية مع كامل الانغلاق ... فلابد أن يكون هناك شيءٌ من الانحدار والارتداد والتغيير ... - قد يتجاوز مجرد طموح الإنعتاق من حالة خاطئة سابقة نخرج بعدها نحو فسحة الاعتدال - ... قبل أن نعود للصعود مجدداً ... نحو ركن آخر.

 فتلك الأسهم متذبذبة جداً باستمرار ... ويستحيل أن تبقى على حالها ثابتة إلى الأبد ... فإذا جاء الانحدار ... فعادة ما قد يتجاوز الحدود المتوقعة والمألوفة.

 وعندما يرفض البعض منا فكرة الإمام المهدي (عج) اليوم ... فإنهم غالباً - في مثل هذا العصر وهذه الظروف الخاصة والمتغيرات الحياتية المعاشة - ... ما ينبئونك عن ظاهرة قادمة وبقوة ... غداً.

 وهذا ... ما نبهت إليه بعض المرويات الشريفة ... في كتب التراث.

 وعندما نسمع عن مجاهر ... بالرذيلة ... فهذا قد يكون دليلاً - أيضاً - على ظاهرة تريد في مثل هذا الزمان أن تتفتح وتنبثق بسبب اكتمال تهيئ الظروف المؤاتية والمناسبة لها ... لتخرج بعدها إلى النور.

 ليظهر الفساد في البر والبحر ... كما أنبأت عن ذلك بعض الآيات المباركة الشريفة ... ومرويات كتب التراث.

 وعندما تخرج أصوات هنا وهناك ترفض الدين والتدين - في شكله القائم أقلاً - في هذا العصر ... فقد تكون هي المنتصرة في المرحلة القادمة.

 ليخرج الناس ... من (دين الله) أو من (دين الناس القديم) أفواجاً ... خلافاً لما حصل في بعض الفترات ... السابقة.

 وليس الحل هو الصراخ من فوق المنابر ... أو الكلام الجميل المعسول والتنظير الساذج - وحده - ... بل لا بد من دراسة الظروف الموضوعية القائمة فوق أرض الواقع بدقة ... وتغيير تلك الظروف القائمة والمتاحة ... قدر الإمكان ... إن كان ذلك بالإمكان.

 فعندما تكون للرذيلة البراقة ظروف موضوعية معاضدة ... ويحتفظ الدين بلون واحد فقط يبهت مع الأيام ... ويفقد - أيضاً - مقوماته الموضوعية ... فستنتشر الرذيلة حتماً.

 وعندما يكون للمهدي (عج) ظروف موضوعية لينتصر ... ويحيط بخروجه البريق والإبهار ... فسينتصر ... دون أدنى شك.

 لكن الله لن يكافئنا بمعجزات ... على الكسل ... والتراخي ... والخذلان.

 فالله ... لا يحب الكسالى.

 وهو القائل: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:105].

 والظروف الموضوعية حالياً مهيأة كثيراً ... لانتشار الفساد ... وتفشي العري ... وانتشار السكر ... ورفض فكرة الإمام المنتظر (عج) ... بل ورفض الأديان جميعاً برمتها ... ما ظهر منها وما بطن ... إلا القشور ... وما يسكت ... ظمأ الروح.

 لأننا لم نعمل سابقاً أي شيءٍ واقعي ... لمستقبلنا ... وواقعنا ... واكتفينا فقط بالثرثرة وحديث الأمنيات ... بينما قدم غيرنا للواقع الكثير ... من التفكير والتخطيط والتطبيق ... والمال والأفعال.

 لذا ... فلن تفيدنا الدندنة ... والأمنيات.

 ومن يقرأ ... ويتابع ... وينتبه للواقع ... فسيعرف ذلك جيداً.

 فهل ... سنقدم ... في بقية الأيام الباقية المقبلة ... وفي الوقت المتبقي من المباراة بين الفريقين ... شيءً مفيداً من التفكير والتخطيط والتطبيق ... ونفعل شيءً جيداً من التغيير ... يسهم في التطوير ... ويمحو ذلك الفساد كله أو جله - من أرض الواقع - ... قبل فوات الأوان؟؟؟!!!

 الله أعلم ... وكفى.