فلك للاكتمال ...

أيكون وهذا الوليد شمسا وقمرا ترسلهما السماء لنشر الضياء على أهل الأرض .. أيتها الكواكب جاءك التتويج إذاً

عقيلة آل حريز *

حين أخبروك بخبرها أغمضت عينيك واستحضرت ذكرياتك من مخابئها .. العالم كله بما فيه وما عليه يلتف حول نقطة واحدة وإن جهلوا سرها ..  باب الكعبة مغلق وفاطمة تختفي فيها .. إحتمالات عدة تنسج حكايات تشبه المعاجز .. " إفعل شيء يا أبا طالب فالأمر جداً خطير " ..

هكذا وجهوا خطابهم لك بعد أن استنفذوا طاقاتهم حول الإنفراج  فوهنت قوتهم  ولم يفلحوا ...

قلت :

-         هي بذرة تبذر فانتظروها لتكون .. ستزرع الحكايات وتنمو وتعبئ دوائر الحروف المستترة فتصير معلنة .. وتقرع الأيام أبواب عقولكم بحجتها .. أخبرت من يعرف ومن لم يعرف ، بأن العالم الكبير المترامي بأطرافه ستلملم أجزاؤه في فلك واحد ذات يوم وسيكون هذا الأمر قريباً . 

تسربت كل التفاصيل التي تعرفها إلى رأسك ... فدفعتك للتبسم لتهش بها في وجه الإنتظار مسافة الأمل ...  شيبة ومكة ، أبرهة الحبشي والفيل ، طير الأبابيل وعبد المطلب .. عبدالله والرهبان، آمنة بنت وهب ومن ثم محمد والراهب بحيرة .. بعض التفاصيل لمستها بنفسك وأخبار بحيرة ترتسم في هالات السماء عن أمر المستقبل وهو يوشوشك بسرها ويوصيك كتمانها ..

-        أين محمد ؟.. تلتفت بتساؤلك نحو الأفق تنتظر الإنفراج .. فتطمئن أنه بالقرب من حدث ولادة ابن عمه .

يداك تشير للبيعيد حيث يرى قلبك ما لا يبصره القوم بنظرتهم المحدودة ، فتصطف أمام عينيك أزمان عدة ترتفع من حياة رتيبة تشرع سفنها للنجاة .. تطمئنهم عن الأمر ، لكن الرجال ما زالوا قلقين .

-        كيف تستقر أمورك وزوجك خلف الكعبة لا تقدر على الخلاص منذ ثلاثة أيام ، تحمل ببطنها جنينها المنتظر، لا أحد معها، تنازع خروجه  .. تدخل من شق فينغلق عليها باعجوبة ، ولا أحد يطمئن على أمرها ...

تنظر إلى السماء وتبتسم .. تتبع حدسك ويقينك بالله .. تعرف أن الله لن يخذلك وأن الأمر سيغدو إلى خير رغم قلق القوم وخوفهم ..

تعتمد بكلتا يديك على عصاك وأنت جالس مكانك وتحني هامتك الشامخة عليهما لتستريح ... تعيد الكرة في استحضار وميض الذكريات وربطها برموزها ....

أخاك عبدالله ودعك عن عمر قصير ليترك ابنه عند أباه .. وها أنت تكفله وتنصره .... ويلتزم ظلك وزوجك فاطمة بنت أسد ليخرج معافى من الحزن ... العالم مسجى في فلك الإكتمال ينتظر شطره الثاني لينهض من سباته العميق، ومعاييره السائبة ... تنصت جيدا لحدس إستشراف المستقبل

أصنام ستكسر ورايات ستنكس ، وقصور ستساوى بالأرض ، وستدك كل الحصون في خواصر مكة حيث الكعبة التي تضم الآن زوجك فاطمة بنت أسد .. فاطمة التي ربت محمداً وكفلته معك وأحبته أكثر من أبنائها وأغدقت عليه من فيض حنانها ، ظلت تلازمه وتبتسم تشغل أوقاتها به وما زالت تمنحه قلبها كأم ... أي ارتباط سيكون بينهما .. هل هو صوت الوليد الجديد الذي يتفاصل القوم في نجاته وأمه الآن ... أم قميص يهديه لها كفنا ، وقبر يتوسده بنفسه ليؤمنها ضغطته .. سيفعل هذا لها دون غيرها .

أيكون وهذا الوليد شمسا وقمرا ترسلهما السماء لنشر الضياء على أهل الأرض .. أيتها الكواكب جاءك التتويج إذاً .. هالات من القدس والضياء تلتف حولك تعانق بعضها وتصافح الأرض بنورها ...

جاءوا إليك مسرعين وأنت تنصت إلى صوت أفكارك ترقب همس الريح من حولك ، فتشعر بخفة تتسرب داخل روحك تذيب بها كل ذبذبات القلق  المركونة ... أصوات تباشيرهم تخبرك أن فاطمة نجت وقد خرجت من نفس الشق الذي ولجته بأعجوبة ومعها وليدها معافى وهاقد ولد بشرف عظيم داخل الكعبة لم يسبقه إليه أحد .  

-        "بشراك أبا طالب ، لقد خرجت فاطمة من شق (المستجار) تحمل وليدها الذي أسمته حيدرة "

تبسمت أسارير وجهك بالخبر .. سيغترف الكون من غديرك وسترويه أنهارك المنحدرة من روحك ... لن يكون لك دوراً متوارياً يا مؤمن قريش وإن جار عليك الناس وأطفأوك ... ستبني جنة على صوت وليد نوراني يخرج إلى الدنيا من قلب الكعبة، وسيشق مع محمد طريقا في صحراء لاهبة .. سيسكبان زيتا على أصنام القوم وأوثانهم فيحرقانها بنور السماء .. سيكبر وليدك وسيمد زنديه لإبن عمه محمد مدافعل ومحارباً وسينجو ذر كثير من أولاد آدم بالتفافهما معا حول أمر السماء ..

ستقر عين أسلافك بولادته إبراهيم الخليل واسماعيل واسحاق ، وستوصل أبواب كثيرة بينهما فيعاد إحياء  مشاعر الله للبيت الحرام لتغادرها طقوس الهلاك .. سيفرج به الكرب عن وجه أخيه محمد ، وسيصدقه ليكون له أخاً صادقا وسيسميىه بـــعلي لعلو مكانته ورفعة قدره ، وسيكرم وجهه كلما ذكر إسمه دونا عن غيره فهو ولد بأشرف بقعة على الأرض وأطهر مكان، ولم يسجد لصنم قط .

سيصيران سفينة النجاة من طوفان الشر .. وسيفتحان أبوابهما لدخول الناس إليها فيتعلقون بأمل الحقيقة ... فطوبى للراكبين سفينتهما والدائرين حولهما في فلك ينشد الإكتمال .  
 

كاتبة وقاصة (سعودية )