الشيخ العوامي: فقه الحقائق واجب الجميع

باسم البحراني *

استضاف ملتقى القرآن نور بمحافظة القطيف مساء الاثنين ليلة الثلاثاء 22/4/1429هـ الموافق 28/4/2008م الكاتب والباحث الإسلامي الشيخ محمد العوامي في ندوة قرآنية أقيمت في حسينية الإمام الحجة قدَّم فيها ورقة تحت عنوان (الفقه في القرآن الكريم والحديث الشريف).

بدأ الشيخ العوامي حديثه في الندوة التي أدارها الأستاذ حسين شيف بمقدمة عن حقيقة الفقه، تحدث فيها عن الفقه المصطلح الذي يتبادر إلى الأذهان غالباً، بناءً على أقوال علماء اللغة والتفسير، كما تحدث عن (الفقه) من خلال الاستخدام القرآني لهذه المفردة، وخلص إلى أن الفقه بهذا المعنى هو "الطريق إلى الإيمان بالغيب والحقائق الغيبية بالاستفادة من الآيات المشهودة، وسيمر عليك خلال البحث ما يؤكد ذلك، كالآية التي تصف المنافقين بأنهم لا يفقهون أن لله خزائن السماوات والأرض، ولو كانوا ينفذون من الشهود إلى الغيب بفهمهم وفقههم لاكتشفوا عبر الآيات الكونية التي يشاهدونها بأم أعينهم أن الله هو المالك لخزائن الكون".

ومن أجل تحقيق هذا الغرض قال الشيخ العوامي: "ولا شك أنا إذا أردنا الوصول إلى مرتبة الفقه وفقه المعاني الباطنة والغائبة فلا بد وأن نحرك الفكر فهو الوسيلة للإيمان بالغائبات والمعاني المكنونة المخزونة. إنه كما قال الطباطبائي نحو سير ومرور على المعلومات الحاضرة لتحصيل ما يلازمها من المجهولات.

وعلى ضوء ما تقدم نستطيع أن نقول: إن الفقه ليس هو مجرد العلم، بل هو وعي العلم وفهم الحقيقة، "وتعيها أذن واعية". إنه يعني إدراك الحقائق وفهم مضامين النصوص ومحتوياتها، وكما يقال: قراءة ما وراء السطور. وسنمر بآيات وروايات شاهدة على هذا المعنى ومؤيدة بل ودليل بيّن".

ومن ثم قدَّم العوامي في ورقته (إطلالة على آيات الفقه) حيث أشار إلى جملة من الآيات التي تهدينا إلى معنى الفقه -على حدِّ قوله-. من أمثال (﴿قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ[هود:91]، والآية الكريمة ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء:44] كما أتحدث عن الآية الكريمة ﴿فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ [التوبة:122]) ومن هذه الآيات وأمثالها انتهى إلى هذه النتيجة " ومن جميع هذه الآيات القرآنية نعرف أن معنى الفقه هو إدراك الحقائق التي ذكرها القرآن وأشار إليها إدراكاً يدفع نحو الإيمان والفطنة والنباهة والوعي والبصيرة".

بعد ذلك تحدث الشيخ العوامي عن عدة مستويات للفقه بعضها أعمق وأدق من بعضها الآخر يمكن للمتأمل ملاحظتها وهي:

المستوى الأول: ما أشار إليه موسى حين بعثه الله إلى فرعون وقومه، فقال: ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي [طه:27-28]، وما أشار إليه شعيب حين ذكر قومه بالحقائق والأحكام فجابهوه بقولهم: ﴿مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ [هود:91].
المستوى الثاني: أعمق من الأول وأوسع حيث التفرغ لطلب العلم والهجرة لدراسة الشريعة والتفقه في الدين.
المستوى الثالث: فقه الآيات الكونية والاعتبار بها.
المستوى الرابع: وهو الأعمق والأدق من الجميع؛ فقه تسبيح الكائنات.
وتحت عنوان: (معالم الفقه وعلامات الفقهاء) انتقى مجموعة من الروايات عن أهل البيت التي تبيِّن هذه المعالم منها ما جاء وفي معاني الأخبار للصدوق: عن أبي جعفر قال: قال أمير المؤمنين : "ألا أخبركم بالفقيه حقاً؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. قال: من لم يقنط الناس من رحمة الله ولم يؤمنهم من عذاب الله ولم يرخّص لهم في معاصي الله ولم يترك القرآن رغبة عنه إلى غيره، ألا لا خير في علمٍ ليس فيه تفهم، ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبر، ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفقه" ومنها أيضاً: عن أبي الحسن (الكاظم ) قال: قال رسول الله : "من حفظ من أمتي أربعين حديثاً مما يحتاجون إليه من أمر دينهم بعثه الله يوم القيامة فقيهاً عالماً".

وقد عقَّب سماحته بعد هذه الروايات قائلاً: "ويبدو أن التفقه أعلى مرحلة من التعلم، فتعلم القرآن هو الاطلاع على ما فيه وعموم المعرفة بآياته والخروج من حد الجهل بما فيه، وأما التفقه فهو التعمق في فهم معارفه والتدبر الدقيق لإدراك حقائقه ووعيها عن دليل وبرهان، وبمثل ذلك تحيى القلوب ويكون كلام الله ربيعاً لها.

وقبل الختام تحت في الورقة تحت عنوان: (الاتفاق والافتراق بين الآيات والروايات) فقال: "إنه ليس هناك سوى مادة الاتفاق بينهما. بلى، في الروايات توضيحات وتصريحات وبيانات كاشفة عن معالم الفقه والفقهاء لا نجدها في الآيات بهذه الصورة من الكشف والتصريح، ولكنها تأتي جميعاً في سياق المعنى القرآني، دون افتراق أو تضاد".

 

كاتب ( السعودية )