قراءة خاصة

عقيلة آل حريز *

 ترى هل يمكن لأحد ما كائنا ما كان أن يقرأ ما بداخل إنسان آخر ويطلع عليه مهما كانت درجة القرب وطبيعة العلاقة التي تربطهما .. يصعب هذا فعلاً فالنفس البشرية تملك من الخفايا ما يعجز عن فهمه أكبر الأطباء النفسيين وأبرعهم ، لكن ومع كل هذا لا يمكن أن نجزم أننا لا نفهم بعضنا البعض ولا نستطيع قراءة تصرفات الآخر أو حتى التنبؤ بها، وإلا داخلنا العجز عن فهم هوية من نعيش معهم ، وطوقتنا الحيرة في كثير من زوايانا التي نعتمدها .

 غالباً لا تترتب الأشياء في أذهاننا بشكل يدعو للتفاؤل ، لكننا في أمرها نحاول الوصول إلى أمر يشبه الراحة ، الراحة التي نصنعها راضين عنها أو راغبين في الوصول لها ،أو يدعونا لها العقل والصوت الآخر حين نجدنا نتعامل معه في أمور حياتية لا بد منها ، لعل محاولة قراءة الأمور من وجهة نظر واحدة فيها شيء من الشك والريبة ، كما فيها تجاوزات عدة تصل ربما لحد الظلم للطرف الآخر والتجني عليه . ولو كانت الأمور غير ممكنة لأوقعنا أنفسنا في حيرة الشك الذي يستهلكنا، إننا بهذا الحال ندخل في أمر أكثر تعقيداً يمسنا ويمس مدى حكمنا على صلاحية الأمور وصدق هويتها ، ومدى تعمقنا في فهم طبيعة من حولنا ، فلا الخبرة ستكون نافعة ولا التجربة تعطينا حدوداً أوسع لمعرفة تبدو مستحيلة التحقيق حين نغفل أن هناك في الجانب الآخر تقف مشاعر وأحاسيس وأمور إنسانية أخرى أوجدتها طبيعة التعامل بيننا ، هي لم تنشأ صدفة بقدر ما أوجدتها بعض التعاملات والمواقف المختلفة التي حصلت بالفعل .

 ليس بالضرورة أن على كل شخص أن يبدو كتاباً مفتوحاً للآخرين يطلع على فصوله وصفحاته كل من يحمله ، وليس بالضرورة كذلك أن يصبح لغزاً محيراً لا يمكن فك طلاسمه ولا الاقتراب من حدوده المحظورة ، بالفعل لكل نفس مسالك وخفايا وأمور خاصة لا يطلع عليها أحد ، كذلك لكل نفس هواها ومتكأها الذي تحن إليه وترتحل فلا تصدر أنينها إلا عند من يحتضنها ويسمع شكواها ويفهم وجعها، بالتالي فإن لها حتماً قريب تطلعه على جزئياتها الخاصة وتفاصيلها الدقيقة حتى وإن بدت صغيرة وسريعة فهي كافية لتعطي انطباع ممكن عن خباياها تمكننا من قراءة بعض سطورها ، قراءة ليس الغرض منها التحسس لمجرد الإطلاع على عالمها بقدر ما هي تحسس لمشاعر إنسان عزيز أطل على عالمنا الإنساني وتقاطع معه بصورة حميمة وكان له فيه إيقاع مختلف يجعلنا نهتم لأمره .

    قد يوافقنا القول أن البشر مخابئ وكنوز يصعب التكهن بها وسبر أغوارها لمحاولة اكتشافها، لكن الاقتراب من قراءتها أمر غير مستصعب تماماً أو مستحيل بالمرة . نحن نقرأ عادة تصرفات بعضنا ، نقرأ ردات فعلهم ، ونتنبأ بما في بواطنهم ، من خلال موقف أو حديث جمعنا بهم أو اشترك فيه طرف آخر ، هذه القراءة تؤهلنا لنقدم له نصيحة ما قد يحتاجها ، ولعلها تكون قراءة مكتومة عنه يجهلها لفظاً لا معنى ، لكنها تترك بداخله إحساس بالألفة يجعله يدرك أنه ليس ذاك الغريب عن عالم لا يعرف فيه أحد ولا يهتم به أحد .

 الحقيقة حين نحاول أن نبتعد عن التفكير بالاستحالة ، نجد أن هناك أسباب أخرى أشد صعوبة من الاعتقاد بصعوبة الوصول للدواخل ، فإن كنا نحن الأقرب فالأقرب نجد مثل هذه الصعوبة ، فعند من نترك المسافات وحيرتها إن كانت تلك المساحات المتكررة لم تشفع في فهم الطرف الآخر ولو بنسبة جزئية تنتشله من التفكير والقلق وتبعث فينا الاطمئنان على أمره وأنه سيكون بخير .

إن الفاصل بين الناس عامة في علاقاتهم هو مدى المعرفة بطبيعة بعضهم الآخر ومدى اقتراب المساحات الإنسانية من دوائرهم الوجدانية ، كيف تتلاقى ، كيف تتداخل ، كيف تمتزج وتصطبغ بصبغة تقربنا منهم أو تقربهم منا، ولولا هذا لما كان للبعض أثرة في القلوب وفسحة في النفوس دون البعض الآخر . 

 نفعل هذا عامدين لأنه نادرا ما تسمح لنا الحياة بمعرفة بعض الأصدقاء والأخوة الحقيقيين أو تمنحنا بعض الراحة والدفء بقربهم ، وإن فعلت فهي قليلة ونادرة ، وفي أوقات معينة فقط  من الزمن فإن أهدتنا البعض منهم فعلينا أن نقترب منهم بصدق لنفهمهم ، حين نفعل سيكاشفوننا بأجزائهم الخاصة ويطلعونا على قراءة سريعة وخاصة ، حينها تخزن الذاكرة هذه المساحة لتبني عليها طبيعة علاقة تشغلنا بهم ، عند ذلك يمكننا أن نعطي قراءة واضحة لهم ، ربما هي ليست كُلية تماماً لكنها بحدود ومساحات تمكننا من التنبؤ ببعض تصرفاتهم وتقديم الدعم والمشورة لهم إن أرادوهما منا ذات يوم ، تماماً كما نريدهم أن يفعلوا ذات الشيء معنا تماماً وإن لم نصرح لهم به .

كاتبة وقاصة (سعودية )